تقرير للبوليس السري: الشاي يقلل كفاءة العمال.. وخطة لرفع معنويات الكادحين




محمود الدسوقي*



تقرير سري جدا كتبه البوليس السري الملكي المصري في عام 1930م أي منذ 86 سنة، والذي كان يوازي في عصرنا جهاز الأمن الوطني، والمنوط به تتبع ورصد الحركة العمالية والفلاحين في مصر إبان عهد الملك فؤاد الأول.
وجاء التقرير الذي رفعه البوليس السري للجهات المسئولة في الدولة بناء على طلب من وزير الداخلية لتتبع ورصد تحركات العمال والفلاحين إثر وقوع مصر في أزمة اقتصادية حادة جراء انخفاض سعر القطن في الأسواق العالمية والتي كانت تعتمد عليها مصر آنذاك.
والتقرير مكتوب في 6 صفحات بالآلة الكاتبة في دوسيه بعنوان حكمدارية البوليس تحت عنوان “سري جدا”، ومكتوب عليه صاحب السعادة وهبي بك عمر الذي كان يتولى حكمدار مديرية القاهرة أي يوازي رتبة مدير الأمن في عصرنا.
ويظهر التقرير السري رؤية البوليس السري التابع للبوليس الملكي في عهد الملكية لطبقة العمال والفلاحين ويوصي بإرشادات يراها ملزمة لإجهاض أي اضطرابات أو اعتصامات أو فوضى تحدث في المصانع أو القرى مطالبًا الملك الذي تنازل عن ثلث مرتبه بوقاية العمال والفلاحين من الأمراض وببناء أندية وعمل إذاعات لهم في القرى وأن تقوم الحكومة في الإسراع بعمل قرى نموذجية علي وجه السرعة لبناء مساكن تليق بهم.
في عنوان المقدمة يقول ” حضرة صاحب السعادة حكمدار بوليس مصر تضمن المنشور رقم 46- 71 -2 الموجه من حضرة صاحب المقام الرفيع وزير الداخلية رغبة نبيلة لبحث خير الوسائل لترفيه حياة جمهور الشعب ورفع مستواه في العالم ومناشدة رجال الإدارة للمساهمة بالرأي والجهد والتحقيق في تحقيق هذه الرغبة”.
“ويجزم البوليس السري أن أسس بحثنا في حدود خبرتنا واتصالنا بحياتهما الخاصة والعامة أن تشمل حياة الفلاح والعامل في بيته وفي حقله وفي مصنعه وفي صلته بالأرض التي يعمل فيها وبالصناعة التي يمارسها وفي الروابط الاقتصادية والاجتماعية التي تربطه بأصحاب رؤوس الأموال “
ويؤكد التقرير أنه إذا كان عليه أن يحمد الجهود التي بذلت في سبيل تخفيف أزمة الفلاحين الاقتصادية وتحسين أحوالهم وأن نرقب الأمل مشروعات الإصلاح الخاصة بطبقة الصناع أي العمال غير الزراعيين فإن واجبنا الأول أن نحدد أغراضنا في الإصلاح تحديدًا دقيقًا وأن نعمل على تحقيقها في ثقة ودأب أكيدين.
يكشف التقرير ضعف الإنتاج في الطبقة العاملة، ويؤكد “يدخل في نطاق ضعف إنتاج الطبقة العاملة في مصر للحالة الصحية موضوع الشاي الأسود وتأثيره القاتل على العمال والفلاحين فقد أصبح تعاطيه أشد ما يكون في حياتهم اليومية حتى أن كثيرا من الجرائم ترتكب حتى الآن تحت تأثير حاجة المدمنين عليه إلي تعاطيه مع ضعف مواردهم المالية وعجزهم الصحي عن القيام بالعمل “.
يوضح التقرير أن متابعة الطبقة العاملة جاء على أكمل صورة للقيام بالواجب نحو طبقة الفلاحين والعمال والسعي الجاد إلى تخفيف المتاعب التي تكابدها من الوجهتين الأبدية ولكي تؤدي فكرة النهوض بمستوى الحياة العامة في البلاد وترفيه حياة جمهور الشعب إلى نتيجة يرتاح لها ضمير المصلح يجب أن نواجه الحقائق بصراحة تامة “
ويطالب التقرير السري أن تكون الحركة الإصلاحية للعمال انقلابية وليس حركة تطورية مضيفًا ” الرأي عندي أن تكون حركة انقلابية ويجب أن نبحث مشروعات الإصلاح دفعة واحدة وبغاية السرعة وتوضع التشريعات الشاملة لفكرة الإصلاح بغير توانٍ أو تردد ثم يبدأ في تنفيذها في الحال وفي وقت واحد بعدة مشروعات يترك للزمن الوصول اليها.
ويرفض التقرير السري للبوليس المصري فكرة تجزئة الإصلاح للارتقاء بالعمال والفلاحين فهي لن تؤدي إلا لتعطيل الفكرة ذاتها وربما إهمالها، مضيفًا أنه يجب أن نفكر ونقرر كيف يعيش الفلاحين وغير الفلاحين ثم يجب كيف أن نتعلم وكيف يكون نظام حياتنا المنزلية وحياتنا المدرسية والاجتماعية.
ويوضح التقرير، أن الطبقة العاملة في مصر عام 1931م تحيا حياة شاقة تعترضها المتاعب والصعاب وهي في حاجة قصوى لأن يتوفر لها الماء الصالح للشرب، وقد بدأت الحكومة فعلا في تنفيذ هذا المشروع كما بدأت في تنفيذ إنشاء قرى نموذجية لتنظيم القرية المصرية وتوفير المساكن الصالحة للفلاحين.
إلا أنه يؤكد أنه ينقص هذين المشروعين توصيل المياه وإنشاء القرى همة حازمة شاملة تقرر في غير هوادة النهوض بهما مهما كانت الصعاب المالية وأن نحدد وقتا للانتهاء للمشروع وميزانية توزع على طول هذه المدة ولو أدي الأمر الي قرض داخلي أهلي لإقامة المشروعات.
ويؤكد أن ضعف الإنتاج الذي اقترن بإدمان الفلاحين والعمال للشاي الأسود اقترن بتقليل أجر العامل الأسبوعي والشهري أو السنوي فأن من العمال مالات مكنه حالته الصحية من الاستمرار في العمل وهذا يساعد على البطالة في البلاد.
يقول التقرير السري “ولما كان صاحب حضرة الجلالة الملك المعظم -الملك فؤاد- قد تنازل عن ثلث مرتبه الملكي فلماذا لا يدخل هذا المبلغ الجسيم ذو الدلالة العالية في الميزانية العامة ولا يخصص لمكافحة مرض من أمراض الفلاحين والعمال كالبلهارسيا أو الانكلستوما أو الرمد الحبيبي أو السل، ولماذا لا يخصص المبلغ اللازم لمدة طويلة للترفيه عن العمال والفلاحين بتعميم الإذاعة في القرى وتخصيص برنامج ديني وتعليمي وموسيقي في أوقات معينة يجتمع العمال والفلاحون بعد فراغهم من العمل في أندية تخصص لذلك لسماعه ليعرفوا أن صلتهم بالحياة مازالت موجودة 
وأن الدولة لم تقطع التفكير فيهم وأننا نعمل في حدود طاقتنا لتثقيفهم والترفيه عنهم وتخفيف متاعبهم في الحياة، مؤكدا على أن الطبقة العاملة في أشد الحاجة إلى الارشاد المستمر.
وأضاف أن طبقة العمال والفلاحين يتشوقون دائما إلى سماع العظات والدروس الدينية والأخبار المتعلقة بحياة بلادهم وتاريخها، فعلينا أن نشبع هذه الرغبة ونكون فرقا للوعظ والإرشاد وأن تكون لجنة للإشراف على خطب الجمعة وتوجيه خطباء المساجد توجيها قوميا يحقق للفلاحين والعمال ما ينشدونه من البلاد وما تنشده البلاد منهم.
* الأهرام.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *