*لطفي العيّادي
خاص ( ثقافات )
لئن حظي الأستاذ الدكتور محمد اليعلاوي في حياته بالتكريم من قبل المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (1)ومن الجمعية المغاربية للفكر والإبداع بعين دراهم سنة 2014 فإن جهات أخرى سارعت بتكريمه بُعيد وفاته على غرار وزارة الثقافة التي أطلقت اسمه على المكتبة العمومية بسيدي حسين السيجومي بتاريخ 22 أفريل 2015 (2)وكذلك على مكتبة المعهد الأعلى للعلوم الإنسانية بجندوبة الذي أهداها جزءا من مكتبته الجامعية(3) و آخرها الدورة 32 لمعرض تونس الدولي للكتاب لسنة 2016 (4)وفي إطار تظاهرة – المشي للجميع – فقد عملت المنظمة الجهوية للرياضة و الثقافة و العمل بجندوبة على تنظيم أمسية ثقافية أدبية بطبرقة يوم السبت 30 أفريل 2016 تتضمن محاضرات و مداخلات تتناول إضاءات لجوانب من حياة المرحوم يشرف عليها د. محمد المديوني (5)و يؤثثها نخبة من مثقفي الجهة بحضور مبدعيها وكتابها كملامسة لروح الفقيد و تذكيرًا بإسهاماته الجادة والثريّة في الحياة الفكرية والثقافية والجامعية .
من هو محمد اليعلاوي؟ :
الأستاذ المرحوم محمد اليعلاوي المتوفي يوم الأربعاء 1 جويلية 2015 سليل الشيخ عدل الإشهاد اِمْحَمِّد اليعلاوي هو أصيل مدينة جندوبة شمال- غربي البلاد التونسية حاز شهادة الابتدائية من المدرسة الفرنكو – عربية بعين دراهم – انتسب لهذه المدرسة في سنته الأخيرة واجتاز امتحانه بمدينة طبرقة – (6) ثم التحق بالمدرسة الصادقية حيث نال شهادة الباكالوريا بجزئيها ثم طالبا بالسربون ليحصل على الإجازة و التبريز ثم دكتوراه الدولة سنة 1973 عن أطروحته – الأدب بإفريقية في العهد الفاطمي – (7)
إسهاماته :
لمحمّد اليعلاوي إسهامات تاريخية في أنشطة الطلبة التونسييّن بباريس ونضالاتهم ضمن الحركة الوطنيّة ، ثمّ أعطى من نفسه المثال بعد عودته أستاذا مبرّزا إلى أرض الوطن بُعَيْدَ الاستقلال إذ تولّى التدريس بالتعليم الثانوي بسوسة و الصادقية ثم كُلف بالإرشاد البيداغوجي ثمّ درّس بمدرسة ترشيح الأساتذة المساعدين ثمّ بدار المعلمين العليا وكليّة الآداب، كما دافع، في نطاق عمله بمجلس الأمة و النواب ممثّلا لولاية جندوبة لعدّة دورات، عن الجهات الداخلية وعن حقها في التنمية، وله يعود الفضل في وجود كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنوبة وفي بعث نواة للمركّب الجامعي بجندوبة…هذا فضلا عن المسؤوليّات الوطنيّة التي تحمّلها عميدا لكليّة الآداب و وزيرا للثقافة … و كذلك مساهمته الفعّالة في تنشيط البحث العلمي ضمن مجلة «حوليّات الجامعة التونسيّة» وضمن عديد الهيئات والجمعيّات والتظاهرات العلميّة والثقافية في تونس أو باسم تونس: فهو فعلا من جيل المؤسّسين ومن بناة الدولة الوطنيّة بلا منازع وقد تولّى جميع هذه المهامّ بروح وطنيّة عالية وضمير مهني حيّ وانضباط تامّ وشعور بالمسؤوليّة يّقظ… (8)
مؤلفاته :
محمد اليعلاوي رحمه الله باحث جاد و محقّق ثبت وصبور تشهد على ذلك أعماله العلمية التي أنجزها مثل تحقيقه لكتاب: «كتاب المقفّى الكبير» للمقريزي وتأليفه لكتاب « الأدب بافريقية في العهد الفاطمي» وتحقيقه لكتاب « المجالس والمسايرات» للقاضي النعمان وكتاب « تاريخ الخلفاء الفاطمييّن بالمغرب» لإدريس عماد الدّين و يعدّ المرحوم اليعلاوي من كبار المتخصّصين في دراسة الفكر والأدب الشّيعيين بموضوع أطروحته سنة 1973حول ديوان « ابن هانئ الأندلسي » المغربي شاعر الدولة الفاطمية وديوان « إبراهيم الرياحي »إلى غير ذلك من المؤلفات والبحوث الجادة التي يستحق بانجازها ارفع الجوائز والمكرمات التي لم ينل منها شيئا يذكر … (9)
محمد اليعلاوي مترجما :
ثمّ إنّ محمّد اليعلاوي أستاذ في الترجمة ومترجم بارع يتقن ثلاث لغات – العربيّة والفرنسيّة والإيطاليّة – ويكتب بهذه وتلك ويترجم من هذه إلى تلك في كلّ الاتجاهات، مع اعتزاز خاصّ بالعربيّة فمن أعماله في الترجمة تعريبه أطروحته حول ابن هانئ عن الفرنسيّة ونقله كتاب أغوستو غالّيكو من الإيطاليّة إلى الفرنسية، وترجمته كتاب « القياس وتطبيقاته المعاصرة» من العربيّة إلى الفرنسية ، فضلا عن كتابه المعروف جدّا «مائة نصّ عربي ومائة نصّ فرنسي» وهو مرجع لا غنى عنه لطلبة الأستاذية والمرحلة الثالثة (10).
مواقفه:
للأستاذ محمد اليعلاوي رحمه الله مواقف من عديد القضايا جديرة بالاستعراض وإعادة التذكير بها لما تتسم به من جرأة وأصالة وعمق وموضوعية وصدورها عن رجل في قامة محمد اليعلاوي فيها ابلغ رد على الكثيرين ممن يروجون لمواقف أقل ما يقال فيها أنها لا تزيد ما نعيشه من إفراط وتفريط إلا تشرذما وتنازعا وقد وردت بعض هذه الآراء الجريئة في مقابلة أجرتها معه مجلة الحياة الثقافية العدد86 السنة22 (جوان1997 )
يقول عن دراسته في الصادقية والسريون (وفي الصادقية تعلمنا الفكر النقدي ونبذ التعصب الفكري والدغمائية أما السريون فاسم عال وشهرة مغالاة: انفع ما كسبناه منها هو إذكاء الروح النقدية في التعامل مع النصوص والبشر والاقتناع بالنسبية في العلوم والمعارف وفي كل نشاط إنساني.. (11)
الوصيتان:
وفي كلمته التي خص بها التلفزة الوطنية في اختتام حفل تكريم الذي نظمته الجمعية المغاربية للفكر والإبداع بنزل نور العين بعين دراهم سنة 2014 أوصى المرحوم د. محمد اليعلاوي بوصيتين الأولى التوسيع في القطب الجامعي (المعهد العالي للعلوم الإنسانية)بجندوبة حتى يكون كامل الأوصاف و الشروط تتوفر فيه جميع الأقسام كالعربية و الفلسفة والتاريخ والثانية حول مواصلة جمعية الدفاع عن اللغة العربية الكفاح لصيانة لغة الأجداد ورفعها إلى المستوى المرموق من الاهتمام ودعا فيها إلى عدم الخلط بينها وبين الفرنسية خاصة لدى كبار مسؤولي الدولة وموظفيها السامين و مذيعيها … (12)
خاتمة:
عاش د. محمد اليعلاوي حياة زاخرة بالنشاط والعطاء فقد كان شغوفا بطلب العلم طوال حياته متواضعا في اكتسابه وكان باحثا مدقّقا متعمّقا متقصّيا و كان متشبّعا من عناصر الثقافة والهويّة العربيّة الإسلاميّة متمسّكا بها، في اعتزاز ونخوة، وكان في الوقت نفسه – وبالدرجة نفسها- متبحّرا في المعارف الإنسانيّة الحديثة حريصا على امتلاكها والتحلّي بقيمها منفتحا على ما هو مشترك بين البشر، مكرّسا لإنسانية الإنسان، محقّقا لتاريخيّته… (13)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جريدة الشروق : بتاريخ 8/4/ 2010 دونت فعاليات هده الندوة ضمن كتاب ضم ستة نصوص بالعربية ونصين بالفرنسية
أول النصوص العربية كتبه الأستاذ الجيلاني بالحاج يحي وتحدث فيه عن سيرة الدكتور اليعلاوي وعن «عطائه التربوي والعلمي والثقافي في بناء صرح النهضة الفكرية والأدبية…» تحدث عن مولده وعن تعليمه بالمدرسة الصادقية وعن المناصب التي تقلب فيها وعن اسهاماته في عدد من المجلات ودائرات المعارف وفي الجرائد وعن مشاركاته في المؤتمرات والملتقيات العلمية والثقافية بتونس والخارج وعن مؤلفاته. النص الثاني كتبه الأستاذ عبد الحميد كمون وتحدث فيه عن تجربة الترجمة عند اليعلاوي.
النص الثالث كتبته حسناء بوزويته الطرابلسي وعنوانه «شعر ابن هاني في مضايق المذهبية وقدم النص الرابع الذي كتبه مبروك المناعي وجهة نظر في شعر المتنبي واسما هذا الشعر القديم بالحداثة.
النص الخامس للحبيب العوادي وتطرق الى أشكال النظام الايقاعي في ديوان «اقتراح القريح واجتراح الجريح» لأبي الحسن الحصري القيرواني والى خصائصه ودلالاته. والديوان كما نعلم نظمه الشاعر الضرير في رثاء ابنه عبد الغني.
النص السادس عنوانه «محمد اليعلاوي ضمن برنامج في «الفن المغربي » وهو برنامج تلفزي كان يعده محمد بن رجب واستضافت حلقته هذه الطيب العشاش ليتحدث عن أعمال الأستاذ محمد اليعلاوي.
أما النصان الفرنسيان الأول كتبته منيرة شابوطو الرمادي وتحدثت فيه عن المقريزي ومحمد اليعلاوي وعن نفسها وما العلاقة بين الثلاثة وعن اليعلاوي عارفا بالدولة الفاطمية وناشرا لكاتب «المقفى الكبير» أو التاريخ الكبير للمقريزي وهو عبارة عن تحقيق لكافة التراجم الواردة في الكتاب لأعلام مصريين وغيرهم أما النص الثاني كتبه عبد العزيز قاسم وتحدث فيه عن اليعلاوي كاتبا باللسان الفرنسي.
(2) الصفحة الرسمية الالكترونية لوزارة الثقافة- بتاريخ22/4/2015
(3) د, مراد الضويوي : تضم مكتبة اليعلاوي أكثر من 6000عنوان / المكتبة الافتراضية – البيروني
(4)منشورات معرض تونس الدولي للكتاب -دورة محمد اليعلاوي لسنة 2016
(5) برنامج الدورة 16 لسنة 2016 – المنظمة الجهوية للثقافة و الرياضة و العمل-
(6)+ (12) شريط مسجل أرشيف التلفزة الوطنية الأولى – تكريم محمد اليعلاوي
(7)+ (8)+(9) +(13) د. مبروك المناعي – مقال بجريدة الصباح بعنوان :إنما المرء حديث بعده بتاريخ 1 جويلية 2015
(10)+ (11) الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي- منشور بموقع الكتروني – بتاريخ 15/8/2015