أنا خارج الشلة.. أنا وحيد.. أنا حر!


*ليلى البلوشيَّة


أن تكون داخل “الشلّة”، أن تنتمي إلى “القبيلة الشللية” يعني أن كل ما تفعله هو مسنود. لو أخرجت كتاباً، فإن القبيلة الشللية ستتكفل ضمن اتفاقية المنفعة العظمى بينك وبينهم على الترويج لكتابك، ووضعه في مساق العباقرة، وإقناع الجماهير بأنه كتاب لا مثيل له، حتى لو كنت دون المستوى، حتى لو كان كتابك رديئاً. لا داعي للقلق، بل الحق يقال بأن الذي ينتمي للقبيلة الشللية لا يقلق ألبتة، بل على العكس يظل منفوخ الجناحين؛ فهناك قبيلة بكاملها تروج له، يحدث أن تكتب مقالاً وترفعها القبيلة الشللية نفسها لمصاف المبدعين الكبار على الرغم من وجود مقالات في الموضوع نفسه وأكثر رصانة وأكثف إبداعاً، لكن أيضا لا تقلق فلا أحد يجسر على منافستك طالما أنت ضمن الشللية والمصالح المشتركة التي تقتضي أن تكون عملية الترويج متبادلة بينك وبينهم، ما يحدث رائج تماماً بالقدر نفسه صار من طبيعة الحياة البشرية، فمعظم مجالات الحياة الثقافية منها والفنية وغيرها صارت كذلك!
أن تكون داخل الشلة، فإن معظم الجوائز ستكون متاحة لك، والقائمين عليها سيخضعون تماماً لشروطك لاسيما إن كنت في مركز يتيح لهم تعويض ما يقدمونه لك!
أن تكون داخل الشلة، فإن اسمك سيكون حاضراً في معظم الجولات الثقافية، لا يهم إن كنت أهلاً لذلك، لا يهم إن كانت الندوة أو المحاضرة التي تقدمها ضمن ثقافتك أو معرفتك طالما أنك سبق وهيأت ظروفهم لما يتوافق مع مصالحهم، فإنهم سيسعون نحو الأمر نفسه، سيهيئون ظروفك؛ سيجلبونك كما جلبتهم من قبل؛ ليكون اسمك موجوداً ضمن لوحة الحضور، ووجهاً مألوفاً في كل كرنفالات الأدبية منها والفنية!
أن تكون خارج الشلة، خارج القبيلة الشللية؛ فيعني ببساطة أن تكون وحيداً، تكتب وحيداً، تصحح ما تكتبه وحيداً، تسعى إلى البحث عن مجلة أو صحيفة تقبلك وانتاجك إذا كنت محظوظا كفاية، ويحدث أن ترفضك فهو أمر وارد تماماً، فأنت خارج الشلة ووحيد تماماً!
وحين تكتب مقالة مهما كانت بديعة، مختلفة، سباقة في طرح فكرها، فلا تنتظر أحداً أن يروج لك أو لفكرك، فأنت كائن منسي، كائن منفي، كائن مخفي، غير مرئي، فأنت خارج الشراكة الشللية الضخمة، تقبل ذلك ببساطة تامة وأعمل دائماً لوحدك، لعل مكافأتك الحقيقية هو شعورك الحقيقي بالإنجاز، شعورك بإبداعك وما يصلك من وجهات نظر من المجهولين، العابرين، أولئك الذين يكونون خارج المنافع والمصالح، خارج القبيلة الشللية وحدودها المكلفة، هم وحدهم الحقيقيون وآراؤهم كذلك، فهم لا يعرفونك وأنت لا تعرفهم، ولا توجد بينكم مصالح مشتركة البتة، انطباعاتهم بريئة من تاريخ المنفعة الشخصية، هؤلاء هم المنتصرون للجمال، للفكر، للفن، للإنسان، لك أنت لأنك مصدر للجمال والإبداع فحسب، لأنك مؤهل، لأنك حقيقي مثلهم ولست مزيفاً أو معلباً من صناعة قامات شللية!
أن تكون خارج القبيلة الشللية معناه أن تكون وحيداً ومنفياً وهامشياً، أن تفعل كل شيء بنفسك، تسعى بنفسك، تطور من إنتاجك وقدراتك بنفسك، لا تنتمي لأي شلة، تكتب لوحدك، تناقش أفكارك وحدك وتغيرها لوحدك، تعرضها على الملأ لوحدك دون أن أطلب من صديق الشلة، صديقة الشلة أن يقوموا بعرضها نيابة عنك ثم تدعي بسذاجة أنك متفاجئ!
دون أن تسعى إلى ذلك ولا أن يسعى أي عضو من الشلة لذلك، فأنت خارج الشلة ولست داخلها ولا تنتمي لها، وما يصادفه الآخرين من أخطاء ؛ فهي لك وحدك، تقف أمامها وحدك، تواجهها وحدك، وليس هناك قطعا من سيبررها عنك، أنت مسؤول عن نفسك، أنت خارج القبيلة الشللية، أنت وحيد، أنت حر!
يكفيك أنك حقيقي وناءٍ بشخصك عن كل ما يشوه مسيرتك الثقافية، يكفيك أن توقن أنه مع مرور الزمن أولئك الشلليون سيسقطون، وسيبقى انتاجهم هزيلاً ورديئاً بعد أن تلفت أرواحهم، وبعد أن عصي الإبداع عليهم سيستحيلون رماداً في قاع منفضة مبخرة فاخرة!
__________
*الرؤية

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *