ليديا ديفز.. قصص قصيرة جدا (1)


*ترجمة: خضير اللامي


خاص ( ثقافات )

هذه القاصة ذاع صيتها بكتابتها للقصة القصيرة جدا، او ما يطلق عليها الومضة، وهي تتربع على عرش القصة القصيرة جدا في العالم بلا منازع. أمريكية الأصل. تبلغ قصصها هذه بين السطر الواحد وأكثر من ثلاث صفحات تقريبا. تتميز قصصها القصيرة جدا، بفخامة اللغة وايجازها، فضلا عن شعريتها، وتكاد ان تكون ذات لمسات فلسفية، يلفها الغموض احيانا، لا يمكن هضمها بسهولة، حائزة لجائزة مان بوكر العالمية للعام 2013، قالت لجنة التحكيم عنها، إنها: متمرسة بإيجاز اللفظ والدلالات الإيحائية والشعرية وسعة الخيال بكلمات موجزة ومقاطع قصيرة جدا”. 

ونقدم هنا للقارئ بعض هذه القصص للإفادة من تجربة ليديا ليفز في مجال كتابة القصة القصيرة جدا. 

القسم الأول 
مقتطفات من الحياة 

طفولة 
ترعرعتُ في مصنع آلات الكمان، وحين أتشاجر مع إخواني وأخواتي، فإننا غالبا ما يضرب أحدنا الآخر بآلات الكمان. 

إذا فكرت بشيء ما، نفذه 
كثير من الناس عادة ما يفكرون “إنني سأنفذ هذا، أو ذاك”.

الشاعر الياباني إسَّا
حين كنتُ طفلا كانوا يعلمونني حفظ شعر الهايكو للشاعر الياباني إسَّا، ولم أنس شعره قط:
آه، يا مدينتي القديمة، 
اعتاد أهلها صنع الزلابية، 
وكان الثلج يتساقط في موسم الربيع، أيضا. 

بلوغ سن الرشد
لا أستطيع العيش دون أطفال، ولكن أريد أن أبلغ سن الرشد، 
لأنني أشعر بعطف كبير عليهم – لكن في نهاية الأمر، أن هؤلاء الأطفال لابد أن يموتوا حتما”.

لقائي مع تولستوي 
في يوم ما، كما هي العادة، انطلقت إلى مصنع أبي للكمان، حيث كان ألف عامل يعمل هناك. دخلت مكتب المعمل، واكتشفت آلة طابعة باللغة الإنجليزية، رحت أطبع على حروفها التي راحت تتقافز من مفاتيحها. وفجأة دخل رئيس قسم التصدير “شينيجي!”
وكذبت عليه بقولي إنني كنت ألمس مفاتيحها حسب. 
أجاب ببساطة: “فهمت”. 
قلت لنفسي، أيها الجبان. لماذا أخفيت مشاعرك الحقيقية؟
ذهبت إلى مكتبه، وأنا أشعر بالحنق الشديد على نفسي، وقادتني الصدفة إلى كتاب مذكرات تولستوي. فتحته عشوائيا. “أن تخدع ذاتك أسوأ من أن تخدع الآخرين”، هذه الكلمة القاسية نخرتني حتى النخاع. 
وبعد عديد سنوات، حين كنت في الثالثة والعشرين، ذهبت إلى ألمانيا للدراسة، وكانت مذكرات تولستوي ترافقني في جيبي. 

حادثة صغيرة 
هنا، ما يلي حادثة صغيرة في مدح الذات. 
كنت في ذلك الحين تحت التأثير الشديد لتولستوي. 
كان ذلك في سنة 1919. حين تسلمت رسالة غير متوقعة في ربيع مبكر تدعوني إلى الانضمام لفريق بحث بايولوجي، كان فريق البحث على اللوحة يشكل رقم ثلاثين. 
في ذلك الوقت لم أكن فيه منفصلا عن آلة الكمان. وكان قطعة من جسدي. 
كانت سفينتنا تحوم حول الجزيرة. بينما كنا نتمشى جنبا إلى جنب على الشاطئ. وقد اكتشفنا قطعة طحلب صغيرة غريبة بعض الشيء من الكوبالت ضاربة إلى الحمرة يلون جرفا صخريا شديد الانحدار. 
” كانت لدي رغبة سيئة جدا أن اقتنى بعض ذلك الطحلب ” قال البروفيسور إيموتو، وهو ينظر إلى ذلك الطحلب بلهفة. ” إنني سأجلبه لك من هنا”. قلت متباهيا، واستعرت مجرفة من أحد أعضاء البحث”. 
وتحول الأمر إلى حالة أكثر مما توقعت. يا إلهي. فكرت. 
رميت المجرفة جانبا أمام مرمى جميع أعضاء البعثة. 
تعالت أصواتهم بالهتاف ” عظيم، مدهش”. 
وأصغيت إلى هتافاتهم، وأقسمت في أعماقي أنني لن أكرر مثل هذه الحماقة. 
وتعلمت ما هو الفن الحقيقي 
الفن ليس في مكان بعيدا جدا من هنا. 

الدكتور أينشتاين كان حارسي الوحيد
أقمت في بيت أرملة عجوز ذات شعر رمادي ومدبرة منزلها الأكبر. كلتاهما تعانيان من صعوبة سوء السمع رغم أنهما لا تشكوان من صوت الكمان المرتفع الذي أمارسه في غرفتي. 
قال بروفيسور الأدوية، الدكتور م. ” لم أعد قادرا على عنايتي إياك بعد الآن”، لكن طلبت من أحد أصدقائي أن يهتم بك”. الصديق يمكن أن يكون ألبرت أينشتاين، الذي طور مؤخرا النظرية النسبية. 

المايسترو الذي يعزف جيدا
اختصاصات إينتين كما معزوفة Chaconne، لباخ، كانت رائعة. بالمقارنة مع عزفه، رغم أنني حاولت أن أعزف دون بذل جهد يذكر، وبدا لي هذا الأداء صراعا مستمرا. 

يا سيدتي جميع الناس سواسية
في حفلة عشاء، تساءلت امرأة عجوز، كيف استطاع اليابانيون أن يعزفوا على آلة الكمان بطريقة يصلون بها إلى ما وصل إليه العازف الألماني بروخ. 
وبعد هنيهة، قال أينشتاين بهدوء: “يا سيدتي، جميع الناس سواسية”. 
وروعني كلامه هذا. 

أشعر الآن كما لو أنني تحت سلطة أوامر مباشرة من موزارت 
كان برنامج ذلك المساء كله مكرسا لموزارت، أثناء عزف مقطوعة Clarinet Quintet، قد حدث لي شيء ما لم يحدث من قبل مطلقا، فقد فقدتُ قدرة استخدام ذراعي. وأثناء أداء العزف حاولت أن أصفق. بيد أن دمي احترق في شراييني. 
في تلك الليلة لم أستطع النوم أبدا، فقد أظهر لي موزارت ضوءَاً خالداً، وعبر عن حزنه ليس بسلم موسيقي واطئ فحسب، بل استخدم السلم الموسيقى العالي أيضا. سلم الحياة وسلم الموت: وقام بعمل خلاق للطبيعة لا مفر منه، مليئا بمتعة الحب، وتبخرت أحزاني. 

أجدتَ، أيها الرجل الشاب 
كنت أقوم بعمل، ما أردت القيام به. 
نظر أبي إليَّ ماسكا عصاه من وسطها وعيناه تقدحان شررا: “أحسنت، يا شينيجي..”. 

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *