الفلسطيني مشهور البطران: الرواية الحديثة لا تحتفي بالأبطال




حوار: فتحي المرزوقي


خاص ( ثقافات )
مشهور البطران كاتبٌ فلسطيني، مولودٌ في بلدة إذنا من أعمال الخليل، ويعيشُ فيها، يحمل شهادة الماجستير في العلوم التربوية من كلية بارد الأمريكية في جامعة القدس، يعملُ معلمًا وباحثًا تربويًا منذ عام 1990. لكن إلى جانب مشروعه التربوي لديه مشروع أدبي يتموضع في حقل الرواية والقصة.
مؤخرًا صدر له عن دار فضاءات في الأردن رواية بعنوان السماء قريبة جدا، كما صدر له قبل أسابيع مجموعة قصصية بعنوان أوهام أوغست اللطيفة. بهذه المناسبة ولكي نطلُّ على عالمه السردي كان لنا معه هذا الحوار .

كاستهلال لهذا الحوار نود أن نتعرف على أهم المحطات في سيرتك الروائية؟ 
إلى جانب مشروعي التربوي وبالتقاطع معه، بدأ مشروعي الروائي، المشروعان متكاملان، كل منهما يسند الآخر ويدعمه، وقد ظهر أثر التعليم في مجمل رواياتي وقصصي، فكثير من شخصياتي الروائية هم معلمون وطلاب، الجامعات والمدارس أيضًا كانت فضاءات لعديد من سردياتي. وبالمقابل ارتحلتْ الذهنية الحكائية معي إلى الصف الدراسي، ولطالما وظفت الحكاية والسرد وأساليب القص المختلفة كاستراتيجيات للتدريس. 
بدأت التحضير بوعي تام لمشروعي الأدبي منذ عام 1985، أي في أثناء دراستي الجامعية. استمرت فترة التحضير قرابة الخمسة عشر عامًا من القراءة والتأمل، كنت أعرف ماذا أريد بالضبط. كانت الرواية كنوع أدبي تغويني وتلهمني. لكني أدركت مسبقًا أن الدرب إليها كالحرية طويل وشاق.
في عام 2001 انطلقتُ عمليًا حيث نشرتُ أول مجموعة قصصية بعنوان البيت الكبير، بمبادرة من جمعية العنقاء الثقافية في مدينة الخليل. كانت مولودًا خداجًا. لكنها شكَّلت منصة الانطلاق لكل الأعمال اللاحقة. ثم نشرتُ روايتي الأولى في عام 2002، وهي وجوه في درب الآلام، صدرت عن دار البيان في بيت لحم. في عام 2004 ومن خلال دار (كل شيء) في مدينة حيفا، نشرتُ مجموعة قصصية مع رواية قصيرة بعنوان شرفات البيت الجميل. وفي عام 2005 بادرت دار أوغاريت في رام الله إلى نشر روايتي الثالثة آخر الحصون المنهارة، كانت التجربة الأكثر نضجًا، ونالت إعجابًا ملحوظًا، وكتب عنها النقاد ومن أبرزهم المرحوم علي الخليلي والدكتور عادل الأسطة.
توقفتُ عن النشر قرابة 10 سنوات، حيث انخرطت في العمل البحثي والأكاديمي في عدة جامعات ومراكز أبحاث تربوية. ولكن لم أتوقف عن الكتابة، بل حافظت على تواصل مع الأدب، وفي أول فرصة سانحة في صيف عام 2015 نشرت روايتي الرابعة وهي السماء قريبة جدًا عن دار فضاءات في الأردن. وفي مطلع هذا العام 2016 صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان أوهام أوغست اللطيفة عن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين.
ضمن هذا المشوار الطويل ما زلت أخشى أن أدعي إنني كاتب روائي، ربما أسهل علي أن أقول إنني كاتب فقط.
لكل شيء بداية، فكيف بدأت حكايتك معَ الكتابة الأدبية، متى وكيف كانت محاولاتك الأولى؟
أذكُرُ وأنا طالب في المدرسة الثانوية أنني كنت أكتب قصائد لامرأة، لم تكن امرأة حقيقية تمامًا، ولا هي متخيلة تمامًا، على الأرجح كان نصفها حقيقة ونصفها الآخر خيالًا. كان الحديث عن الحب والمرأة أمرًا غير متاح لطالب في المدرسة الثانوية، فكنت أخبئ هذه القصائد في بطانة كَنَبَة قديمة في حجرتي. داومت على الكتابة سنة كاملة، أكتب بواقع مرة أو مرتين في الأسبوع، كتبت خواطر وقصائد وتهويماتٍ ضاجةً بالحنين. كانت كتاباتي أشبه بإضاءات يائسة للبحث عن امرأة في الظلام، لكن كلماتي كانت أقل إشعاعًا من نور وجهها. أظن أنني لم أفلح في حينه في كتابة تلك المرأة.
من حين لآخر كنتُ أحن إليها فأمدُّ يدي في أحشاء الكَنَبَةِ لألتقط ما تيسَّرَ لي من قصاصات، وأستعيد تفاصيل ما صنعه خيالي الفقير. ذات يوم عدت من المدرسة ولم أجد الكنبة، فسألت أمي عنها، فقالت أنها حرقتها ضمن أشياء قديمة استغنت عنها. شعرت بالفقد والخسارة، حزنتُ وأخبرت أمي أن الكرسي كان مليئا بخطاطات هامة، فحزنت هي الأخرى لأنها ظنَّتْ أن تلك الأوراق ستؤثر سلبًا على نجاحي في الاختبارات المدرسية.
ربما ما كتبته فيما بعد وحتى الآن هو محاولة لاسترداد سرديات ضائعة عن امرأة تحولت إلى خيال تمامًا بلا أدنى صلات بالواقع. تلك كانت بداياتي الأولى مع الكتابة. ما زلت أحلم أن استعيد زمن مارسيل بروست الضائع.
كل شخصياتي النِّسْوية في كل أعمالي حملن شيئًا من ملامح تلك المرأة: نبيلة وأمل في السماء قريبة جدا، سارة في آخر الحصون المنهارة، وفاطمة في وجوه في درب الآلام، وأحلام في رواية المنبوذ.
ثمة من يرى أن أفضل ما يقيِّمُ الأعمال الأدبية هو المبدع بنفسه، هل تمثلك هذه النظرية؟
هذا صحيح إلى حد كبير، أظن أن الكاتب شخصية تتعايش دائمًا إلى جانب شخصيات أخرى عديدة في اللحظة نفسها، فهو إلى جانب كونه كاتبًا فهو يقوم بدور الناقد، إذ عليه أن يُطلَّ على ما يكتب بعين الناقد، وهو أيضًا قارئ، فمن حين لآخر يخرج من النص ويطل عليه إطلالة قارئ، هذا إلى جانب تقمصه لدور الشخصيات التي يكتب عنها، الروائي شخص بارع في تقمص الشخصيات. سواء من داخل العمل الأدبي أو من خارجه. 
في أثناء الكتابة تجري عملية الكتابة والتقييم جنبًا إلى جنب، فالكاتب يكتب ويتأمل ما يكتب، عملية التأمل تكون منقادة بأسئلة من قبيل: هل ما أكتبه معقول؟ مقنع؟ متماسك؟ يروق للمتلقي؟ 
ربما هو ليس تقييمًا بالمعنى الحرفي للكلمة، أنا أميل إلى استخدام مفهوم التأمل، لأن التقييم يحتاج إلى موضوعية وحياد مفقودان في مرحلة الكتابة. حيث الكاتب منحاز بلا وعي لشخصياته وممارساتها.
بعد انتهاء الكتابة يخرج الكاتب من النص ليطل عليه من بعيد إطلالة قارئ ناقد، هنا يمكن الحديث عن ممارسة نقدية هي أكثر من تأمل وأقل من نقد. يحدث في هذه المرحلة أن يلجأ الكاتب إلى كتاب آخرين أو لقراء لقراءة النص بهدف التقييم وتقديم التغذية الراجعة.
عندما ينشر العمل الأدبي يفقد الكاتب صلته به، وهذا ما يمكن أن نسميه موت المؤلف بتعبير رولان بارت. حيث يصبح الكاتب والمتلقي والناقد على نفس المسافة من النص.
هل ترى أن النقد الأدبي خدم الرواية أم أن الاهتمام كان منصبًا على الشعر أكثر؟
لا أظن أن النقد يحابي مجالا إبداعيا على حساب مجال آخر، النقد يتابع ما هو موجود، أظن أن الشعر أحتل المساحة الأكبر من خريطة الإبداع الأدبي في فلسطين، مع بواكير ظهور وانفجار الصراع العربي الإسرائيلي ظهر شعراء فلسطينيون كبار، وهؤلاء أنجبوا جيلا آخر من الشعراء الذين نذروا حياتهم لمشروعاتهم الشعرية.
لا اعتقد بوجود نقد أدبي حقيقي، ربما يوجد نقاد متميزون، ولكن لا يوجد حركية نقدية حقيقية تواكب المنتَج الروائي، يمكن تقسيم النقد إلى قسمين الأول أكاديمي وغرضة إجراء دراسات بهدف النجاح في الجامعة والثاني نقد غير أكاديمي، وهذا في مجمله غير مهني قائم على الشللية فمن له أصدقاء يحتفون برواياته ويكتبون عنها مدائح مطولة، ومن ليس له أصدقاء فلن يهتم احد بإنتاجه. ولكن في أحلك الظروف يوجد دائما استثناءات، وهنا سأتكلم بالاسم حيث يقدم الدكتور عادل الأسطة جهودا مذهلة في متابعة الرواية الفلسطينية
ونحن نتحدث عن الساحة الثقافية الفلسطينية عموما والأدبية خصوصا؛ فإنه بقطع النظر عن تجارب أميل حبيبي وغسان كنفاني لم يعانق فن الرواية العالمية على غرار الشعر، كيف تفسر ذلك؟
هذا سؤال بحثي كبير، ولا أدعي إنني قادر على مقاربة إجابة دقيقة له، لقد تطورت الرواية العربية في الحواضر المدينية الكبرى كالقاهرة ودمشق وبيروت، إنها مدن روائية بامتياز، فالراوية كما يقال بنت المدينة، ففي المدن تنتشر المؤسسات الثقافية: السينما والمسرح والمكتبات والأندية والمقاهي، وهذه فضاءات تصنع الرواية وتمدها بالحياة وتغذيها.
الرواية الفلسطينية بدأت تقريبا مع أخواتها العربية، لكن النكبة الفلسطينية لم تبق لنا مدنًا روائية، بل أبقت أطلالا وأشباحًا، ومن هنا كان الحضور الأقوى للشعر، لقد دُمِّرت المدنُ وهُجِّر الناسُ عنها إلى دول الشتات. الرواية لم تتبوأ مكانة الشعر، الرواية أصعب مراسًا من الشعر بما تتطلب من مهارات المحاججة والإقناع والتماسك الداخلي للنص. فاذا كان الشعر هو الشرارة التي تنقدح وتومض في العتمة. فالرواية هي الاحتراق الطويل.
الرواية هي عالم تخلى الله عنه بمفهوم لوكاتش، وبالتالي لم يمتلك الفلسطينيون فرصة لالتقاط أنفاسهم لكتابة الرواية كانوا وما زالوا في رحيل دائم. الشعب الفلسطيني لم يلتقط أنفاسه لكي يدوِّن روايته، مع أنه عاش التجربة الروائية بكامل عنفوانها. وبالطبع في أحلك الظروف تظهر روايات عظيمة الأثر، على مستوى الخارج كان جبرا وغسان كنفاني وإبراهيم نصر الله علامات بارزة في المشهد الروائي العربي. وفي الداخل أيضًا أميل حبيبي ومحمود شقير وآخرون كثر قدموا إسهامات كبيرة في الرواية الفلسطينية والعربية. 
هل ساهم النقد الأدبي بما فيه الكفاية في توجيه خياراتك اللاحقة في كتاباتك؟
لم أشعر أن كتاباتي حظيت بمواكبة نقدية، الروايتان الأخيرتان آخر الحصون المنهارة والسماء قريبة جدا حظيتا باهتمام كبير من جمهور القراء، وباهتمام أقل من النقاد، هناك عدد من النقاد تناولوا هاتين الروايتين بالدراسة والتحليل اذكر منهم الدكتور عادل الأسطة وعلي الخليلي وسعيد مضية.
رواية السماء قريبة جدا هي الرواية الأكثر حظا، إذ حظيت بالعدد الأكبر من الدراسات والقراءات وهذا راجع إلى سهولة التواصل مع العالم الخارجي عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي مكنت الرواية من الوصول إلى كل الأقطار العربية. لكن معظم هذه الدراسات هي من نوع الانطباعات ولا تعتمد على أدوات ومناهج التحليل النقدي.
إن ما يوجه خياراتي اللاحقة في الكتابة هو الأسلوب الذي اتبعه مع قرائي، فغالبًا ما نتحاور سواء في الندوات الحوارية أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وأتحسس منهم ما أحبوه وما لم يحبوه، هناك بوصلة دائما ترشدنا إلى ما هو أفضل.
بعض النقاد يرون أنك تبرع في تصوير العوالم الداخلية للشخصيات، من خلال استبطان محركات الشعور الداخلية، ما السر الكامن وراء ذلك؟ 
الشخصيات في العمل الروائي كما هي في الحياة تحس بالعالم الخارجي، وهذا مستوى شعوري داخلي، وتفكِّر وهذا مستوى عقلي أرقى، لكنه يبقى داخليًا، نحن لا نرى أفكار الشخصيات ولا مشاعرها، وأيضا الشخصيات تعمل أو تمارس أنشطة عملية أو حوارية وهذا مستوى خارجي يمكن رصده بالعين.
إن ما يصنع قيمة للشخصية ويحدد ملامح هويتها هو الفعل أو الممارسة بدرجة أولى، والفعل الكلامي بدرجة أقل، الفعل يسرع إيقاع الدراما. لكن القارئ لا يكتفي بمشاهدة الفعل أنه يريد تبريرا لهذا الفعل ومن هنا تأتي الحاجة لسماع صوت الشخصية، وليس هذا فحسب فالمتلقي يحتاج إلى ما هو أبعد من التفكير والصوت والممارسة، ثمة توق للغوص باتجاه الدوافع السيكولوجية المحركة للممارسة والتي تقدح شرارة الفكر وتشحذ الهمة للشروع بالفعل. من خلال استبطان المستوى الحسي للشخصيات تغدو الشخصيات عارية من الداخل. ويشعر المتلقي من خلال هذا المستوى بروح الشخصية. 
الشخوص كلهم أبطال في أعمالك هل من تفسير لهذا التبني؟
البطل مفهوم يحيلنا إلى الأساطير، الأساطير بوصفها الموطن الميتافيزيقي للأبطال، سيزيف وأخيل وهكتور كانوا أبطالًا خارقين، لأنهم ظلال لآلهة السماء على الأرض، أو هم بشر بلبوس آلهة.
الرواية الحديثة لا تُعنى بالأبطال ولا تحتفي بهم، وأنا لا أميل إلى استخدام مصطلح البطل حين يتعلق الأمر بكتابة الرواية، مفهوم (الشخصية) هو الأكثر ملائمة للمقاربة الروائية.
الفعل البطولي في الرواية الحديثة هو فعل إنساني، وقد يكون صغيرا ولكنه فعل أصيل وضمن السياق ويؤدي إلى نتائج معقولة ويمكن المراكمة عليها.
شخصياتي هم شخصيات عادية، على سبيل المثال، في رواية السماء قريبة جدا، وهي الرواية التي ربما نبشت عن هذا السؤال، زيدون الأب هو رب أسرة وسجين سابق وفلاح قُتِل في مواجهة غير عادلة، وعزت هو طالب في قسم الدراسات التاريخية، أمل هي ربة بيت تفرغت لتربية أولادها. وهؤلاء هم الشخصيات المركزية للرواية. إنها شخصيات بسيطة تحتفي بعوالمها الصغيرة فحسب. 
اتفق معك انهم أبطال في حالة واحدة: انهم تحملوا وطأة الحياة في فلسطين بقدر عال من المسؤولية، وما عدا ذلك فهم على طول خط الرواية كانوا شخصيات عادية تفرح وتحزن وتغضب وتنكسر وتتقدم وتتقهقر.
هل توافق الرأي القائل بأن هناك موجة جديدة في الرواية الفلسطينية وما هي ملامح هذه الرواية؟
دائمًا هناك موجة جديدة في كل شيء في الحياة، في الاقتصاد والسياسة والعلوم وكذلك الأدب، فالقديم والجديد مفهومان نسبيان، في كل لحظة زمنية يتحول جزء من تجربتنا إلى تراث، وفي الوقت نفسه تتشكل أنويةٌ لتيارات جديدة. والأدب كغيره عُرْضة لرياح التغيير، وأنا أدرك أن الرواية في إحدى تجلياتها هي مصفاة لطموحات الأمة، إن التغيرات الكبرى التي يمكن أن نسميها اتجاهات جديدة، تحدث غالبا في صفعات التاريخ وخيباته، وما أكثر خيباتنا. لقد كانت أوسلوا بمثابة خيبتنا الكبرى، لدرجة أننا يمكن أن ندعي بكثير من الصحة أن هناك أدب ما بعد أوسلو وأدب ما قبل أوسلو.
هناك جيل من الكتاب وأنا واحد منهم ساهموا في انبثاق الرواية الجديدة، ومن أبرز ملامح الرواية الجديدة، هي الرفض، وإعادة الاعتبار للمقاومة والثورة، إنها رواية تحتفي بالناس والطبقات المهمشة والمسحوقة.
هل من تقنية تعتمدها في التخطيط لأعمالك وكيف هي ورشة الكتابة لديك؟
بالنسبة لي تمر كتابة الرواية بثلاث مراحل، أولها عيش التجربة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لا رواية بدون تجربة، تجربة أصيلة ملهمة ومغايرة وذات معنى للكاتب. أنا لا أكتب عن عالم لا أختبره. وثانيها تمَثُلُ التجربة فكريًا، أي استيعابها وتأملها عبر مصفاة الوعي. في هذه المرحلة تنتقل التجربة من الواقع إلى الذهن. والمرحلة الثالثة والأخيرة هي إعادة إنتاج التجربة سرديًا. وهنا تجدر الإشارة أن التجربة المكتوبة لا تساوي التجربة المعاشة والفرق بينهما خاضع لمعايير من قبيل: الأهمية والأولوية والاختيارية والملاءمة، الخ.
في مرحلة الكتابة غالبًا ما أضع تخطيطات عامة ومرنة للفضاء الروائي وللشخصيات والأحداث. تشبه العملية كما لو أنني انفخ بالون، إنني أنفخ بقدر يسمح لي بالتقدم والتراجع.
أو ربما كلصق قصاصات على الحائط بحيث كل قصاصة تمثل حدثا أو وصفًا لشخصية أو تأثيثا للمكان. القصاصات قابلة في كل لحظة أن تبدل مواقعها. في لحظة ما ينتفخ البالون إلى حد يمكن أن ينفجر. تماما هذا ينطبق على القصاصات حين يستحيل نقل قصاصة من مكان لآخر حينها تكون اللعبة انتهت.
كيف ترى مستقبل الرواية الفلسطينية خارج القضية الفلسطينية؟
أنا لا أستطيع أن أرى مستقبلًا للرواية الفلسطينية خارج سياق القضية الفلسطينية، وليس من المفروض أن تتموضع الرواية الفلسطينية خارج هذه القضية، لا يمكن أن نكتب رواية منبتَّة الصلة بالواقع، الأدب الأصيل هو الأدب الذي يحمل في متنه ملامح مجتمعه، أسئلته التأسيسية، همومه وتطلعاته. وما عدا ذلك يغدو الأدب مغتربًا.
ولكن ما معنى القضية الفلسطينية؟ هل قضية تحرر وطني فحسب؟
هنا تتعدد المنظورات والمقاربات، من وجهة نظري لم تكن قضيتنا هي قضية تحرر وطني فحسب، بل كانت قضية مجتمع، صحيح أن سؤال التحرر الوطني أسس أول أبجدياتها، لكن أسئلة الحياة اليومية في مجال الصحة والتعليم والتنمية والمجتمع المدني والديمقراطية، كانت ولا زالت وستبقى واحدة من أولويات الواقع الفلسطينية.
سياسيا جرى التعامل مع القضية الفلسطينية في بُعدها التحرري الوطني وهذا انعكس على الأدب الفلسطيني، والرواية الفلسطينية بشكل خاص. غالبية الروايات التي تبنت هذا الخط هي روايات نمطية لم يكتب لها الانتشار والوصول حتى على المستوى المحلي. كان سؤال الرواية الفلسطينية هو كيف نحرر الوطن. 
هناك جيل من الشباب يمكن أن أُسميهم جيل ما بعد أوسلو، جيل اكتشف الخيبات والتصدعات ومآلات الاتفاقات الهزيلة، وقدموا أعمالا روائية كسرت القوالب والأنماط الجاهزة. لقد صار سؤال الرواية هو كيف نحرر الإنسان من كافة أشكال التبعية؟ 
من وجهة نظري، على الرواية الفلسطينية إذا ما أرادت أن تشق لها طريقًا وتبني لها موقعا في العالم، أن تغير في مقارباتها باتجاه أسئلة الناس الحيوية واليومية ومصائر الأفراد، وبالطبع تحت مظلة سؤالنا الكبير هو سؤال التحرر الوطني. 
هل لديك مشروعات قريبة؟
أشرت في بداية حوارنا أنني توقفت عن النشر مدة 10 سنوات، ولكن في الواقع لم أتوقف عن الكتابة، فقد بقيت متواصلا معها بمعدلات ثابتة تقريبًا، وهذا يعني أن لدي العديد من المخطوطات التي ستأخذ طريقها للنشر قريبًا.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *