سامي فريد
سيظل دور المثقف ومسؤوليته أمام الحياة في إطارها العام أن يكون قضية كبيرة ومتشعبة لا يمكن الاحاطة بها في نظرة واحدة.. فهو مطالب بتحديد موقفة أمام عديد من المسائل الحياتية والمعاشية بكل ما فيها من سياسة واقتصاد واجتماع وثقافة، وقد شملت القضية فروعا فرضتها العولمة وثقافة الميديا والتسامح والاستنارة والحوار مع الآخر، وتداخلت في القضية آراء متعددة لمفكرين وفلاسفة ومنظرين من أمثال يورجين هابرماس الالماني وجاك ديريدا الفرنسي وجيوفانا بورادري الأمريكية الإيطالية، حتى خطاب وثيقة الإسكندرية عن الثقافة والمثقف وموقفه من امته وشعبه وحكومته بل ونفسه أيضاً.. تعددت الآراء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مرورا بالوسط المعتدل أو من يطلقون على أنفسهم هذه التسمية.
ففي الوقت الذي يري فيه مفكر مثل الدكتور على أبو المكارم في كتابه “تجليات الوهن” أن دور المثقفين الحقيقيين هو أن يقوموا بواجبهم في اضاءة وجدان الجماهير وضرب الأمثلة الواقعية للنضال الحي من أجل بناء حرية الانسان ويعترف الشاعر والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي في سيرته الذاتية التي ضمنها روايته الرائعة “رأيت رام الله” أن عيبه الشخصي كمثقف أنه يستسهل الانسحاب عندما يواجه ما لا يعجبه أو يرضيه فيدير له ظهره، لكن الايام تثبت له دائما أنه كان من الافضل لو أنه تحمل قليلا وحاول كثيرا، ثم يعترف بأنه قد وضع نفسه بذلك على الهامش هربا من أي ملمح من ملامح استبداد السياسة أو الثقافة لأن الاستبداد في رأيه عند المثقفين هو نفس الاستبداد عند السياسيين من الجانبين.. جانب السلطة، وجانب المعارضة.
في حين يرى مفكر مثل الدكتور نبيل على بعيدا عن تعريفه للثقافة ودور المثقف في بناء مجتمعه ومسؤوليته أمام هذا البناء أن الثقافة برمتها هي منظومة معلوماتية ورؤيتها من مشهد معلوماتي هي رؤية من داخلها حتى أصبحت الثقافة ذاتها هي محور عملية التنمية، وهي في نموذج علم الاجتماع الوظيفي مثلا تأخذ دورا ضمن المؤسسات الاجتماعية بعدما كانت في الفكر الماركسي مثلا ناتجا فرعيا للإنتاج وأدواته.
أما الكاتب والشاعر فاروق جويدة فيري أن جوهر المشكلة يكمن في أن بعض مثقفينا مصابون الآن بحالة من الانبهار الأعمى بالآخر كما لو كنا قد خرجنا من التاريخ وليس لنا أي رصيد أو قيمة. ويتساءل جويدة أين هو هذا الآخر المطلوب مني أن أجري حوارا معه؟ وما هي حساباتي وما هي الأرضية التي سنتحاور عليها؟ لكنه يقرر أنه يقبل بالحوار الواعي والعلاقات المتكافئة وبغير ذلك فإننا ندخل منزلقا خطيراً..
وفي “تجليات الوهن” يؤكد الدكتور على أبو المكارم رأيه في الصراع الثقافي فيقول إنه هو الوتر الحساس الذي يعكس ارادة النصر أو الهزيمة لأنه يلعب الدور المحوري في المحافظة على الهوية أو تذويبها ومحوها، ويدعو المثقفين إلى المحافظة على الهوية باعتبارها المرتكز الجوهري للمحافظة على الذات التي يعتبر أنها هي التحدي الحقيقي في حسم دور المثقف عندما ينهض بمسؤوليته في البناء الفكري للإنسان وإرساء القاعدة في بناء منظومة القيم التي بغيرها لا يقوم المجتمع..
* الأهرام,