أحمد مراد وأول حوار صحفي عن «أرض الإله»



حوار: سامح فايز*



“الرواية تواجه ازدراء تاريخنا القديم” 

وقف الروائي الشاب أحمد مراد منذ عامين أمام تمثال أوزوريس في المتحف المصري بميدان التحرير يستلهم من التاريخ الفرعوني حكاية جديدة ربما أصبحت رواية، قطع تأمله مرشد سياحي بصحبة فوج أجنبي حين تحدث المرشد في الزوار مشيرا إلى تمثال «أوزوريس» قائلا: ”قديما كنا نعبد الأصنام” ازدراء للتاريخ الفرعوني دفع مراد لأول الخيط في روايته التي صدرت عن دار الشروق منذ أسبوعين بعنوان «أرض الإله» في محاولة لإزالة غبار النسيان عن تاريخ مصر القديمة وتقديمه لجيل من القراء لا يجد المتعة في كتب التاريخ الأكاديمية، جيل ربما يميل أكثر لقراءة التاريخ من كتب سطرها أصحابها بلغة سردية شيقة.

رواية مراد هي الثانية بعد 1919 التي تدور بالكامل في فترة قديمة من تاريخ مصر، في القرن التاسع عشر مستلهمة ثورة 1919 وحكاية الشاب أحمد عبد الحي كيرة، ورواية «أرض الإله» التي تبدأ أحداثها قبل الميلاد بـ250 عاما ومغامرة الكاهن كاي أثناء رحلة كشف لغز مقتل معلمه الكاهن الأكبر مانيتون.

مراد لم يسلم من الهجوم في اليوم الثاني لصدور الرواية حيث اتهمه البعض بتحريف التاريخ، وكتب مؤرخون يرفضون اشتباك الروائي مع الحدث التاريخي إلا إذا التزم بالنص التاريخي الرسمي دون إعمال خياله الأدبي، وفرق آخرون بين كتابة رواية تاريخية لا تتجاوز الخط التاريخي وبين رواية أدبية تتكئ على التاريخ في بنيان النص السردي شريطة الإشارة في مستهل العمل أنها رواية خيالية لا تمت للواقع بصلة.

هذا اللقاء تحدث فيه عن روايته الجديدة والنقاشات التي تثيرها العلاقة بين الرواية والتاريخ.

– هل لديك تصور أساسي للكتابة تحاول من خلاله خلق خط رئيسا للسرد يربط أعمالك كلها؟

+ الموضوع معكوس، لم أحاول خلق ذلك الخط التاريخي لكن بعد خمس سنوات وجدت خط التاريخ ليس بعيدا عن رواياتي، أراه في رواياتي كلها. في النهاية أملك شغفا شخصيا بالتاريخ ينعكس في اعمالي، كما أن التاريخ هو أكثر مناطق ثقافتنا التي تمتلئ بالشوائب وتبدو محاطة بكثير من المشاكل وللأسف لا نتطرق إليها، رغم ان مشاكل العصر التي نحياها هي ركام أشياء قديمة ترسخت دون مراجعة “.

يظن مراد أننا ننشغل بالحاضر، ونفكر قليلا في المستقبل لكننا نعجز عن النظر للماضي، علما بأن معرفة جذور المشكلة يكون في ترتيب ركام الماضي، ضاربا المثال بنماذج من روايتيه التاريخيتين قائلا: ”عندما اشتغلت على رواية 1919 رجعت لـعام 1881، لبداية الاحتلال الإنجليزي، وعندما اشتغلت على رواية أرض الإله رجعت لـ 250 سنة قبل الميلاد كي أصل إلى جذور المشكلة، من أين جاءت؟!

 أنا مغرم بالبحث عن جذور المشكلة وجذور القضية التي أشتغل عليها، فالتاريخ بالنسبة لي ليس شيئا قديما، لكنه الحاضر المر”. واستكمل قائلا:” نحن نجلس في هذا المكان منذ عشر دقائق، هذا المكان أصبح تاريخا منذ اللحظة التي سلمت عليك فيها”.

ـ أنت تبدأ من الهاجس التاريخي بلحظة تاريخية ثم تستكمل بحثك عن هذه اللحظة أم أنك حين تكتب تجد هذه النقطة قد استوقفتك ومن ثم تجري عملية بحث لاستكمال الموضوع؟

لا أبدأ رواية إلا وأنا ممسك بخيوطها من البداية للنهاية كفكرة، يجب أن أمسك بالخيط العام حتى يكون إيقاع الكتابة قويا، ثم أبدا البحث وأمنع نفسي عن الكتابة، حيث لا أكتب إلا بعد أن أنتهي من أبحاثي واضعا المعلومات جميعها أمامي وفي تلك اللحظة أستطيع خلق مشاهد الرواية التي تتابع بصريا في ذهني عبر حالة من حالات الإشراق البصري.

في أحاديثه الأدبية كلها يبدو وعي أحمد مراد وعيا يمثل عصر الصورة بامتياز فهو بحكم عمله كمصور فوتوغرافي وكدارس للسينما يبدو مهتما في تشييده عالمه الروائي بالعناصر البصرية على نحو لافت وهو لا ينكر ذلك معتبرا أن الاهتمام بالصورة نتاج طبيعي لخبراته منذ الطفولة فهو مصور ابن مصور قائلا: كنت أقضي ساعات طوالا أتأمل الصور في طفولتي ثم تعلمت في معهد السينما كل عناصر صناعة الصورة والإيقاع وعندما بدأت الاهتمام بالأدب كانت الصورة دائما تقود مخيلتي.

وخلافا لاعتقاد البعض يرفض مراد اختصار أعماله في نطاق الرواية البوليسية أو “أدب الجريمة” مشيرا إلى أنه لا يبدأ انطلاقا من وصفات ثابتة، قدر ما ينتظر الفكرة التي تقوده لعملية بحث فقبل أرض الإله التي تعالج موضوعا يرتبط بالتاريخ القديم وقصة الخروج تطرق مراد لثورة 1919 في رواية حملت نفس الاسم كما أن روايته “ الفيل الأزرق “ تأسست على بضع فقرات في تاريخ الجبرتي فهل يعني هذا اشتغاله على ما يسميه “الومضات التاريخية “؟

قبل أن يفكر في إجابة يتذكر مراد أنه تعرض لهجوم من بعض القراء والمؤرخين والأدباء قالوا: ”إن التاريخ ليس الطريق المناسب لمراد، وبدوره يسألهم: ”هل يحق لي أن أعرف طريق من إذن؟ يعني: من له الحق في تناول التاريخ من عدمه في كتاباته؟ مثلا أستاذنا نجيب محفوظ لم يكن متخصصا في التاريخ ومع ذلك كتب روايات دارت أحداثها في عصر مصر القديمة ولم يضع مصادر ما كتب في رواياته لأنه يكتب أدبا في المقام الأول كما ان التاريخ ليس حكرا على أحد”.

في المعالجات النقدية العابرة التي ملأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن العمل الجديد انتقادات لأحمد مراد لأنه لم يذكر المراجع التي اعتمد عليها في كتابة نصه مكتفيا بشكر ثلاثة من الكتاب الذين اعتمد على أعمالهم بشكل أساسي وعلى نقاشات مستمرة استمرت معهم لفترات طويلة وهنا يقول: ”منذ متى تكتب والمصادر البحثية تكتب في الرواية؟ هل لو عدنا لرواية كفاح طيبة لنجيب محفوظ سنجد أسماء مصادره التاريخية؟

ورد هذه الإشكالية من وجهة نظري يعود لوجود خلط في المفاهيم بالنسبة للقارئ في فهمه لكلمة رواية، هناك قصة، وهناك رواية وهناك كتاب تاريخ. أي أنك من الممكن أن تكتب رواية عن هتلر تقول فيها انه لم يمت ويعيش حاليا في الأرجنتين وتزوج فتاة شقراء، في تلك الحالة لا يصح أن تهاجمني قائلا إن ذلك ليس تاريخا، ذلك أنني أقول إن هذه رواية، ومع ذلك وجهت الشكر داخل الرواية لأشخاص اشتغلت معهم على الرواية على مدار عامين، لكن الأزمة التي حدثت معي في رواية “أرض الإله “ أنني أعمل على تاريخ مغاير غير التاريخ الذي يعرفه الناس، من يريد أن يكتب عن تاريخ مصر القديمة سيذهب إلى موسوعة سليم حسن أو اي مركز للدراسات التاريخية أو ما شابه ذلك لكن ما حدث معي أنني تناولت كتابات تاريخية اختلفت عن السائد، وأملك منهجا في التاريخ يقوم على البحث داخل اللفظ نفسه، مثلا تناول قصة موسي في رواية أرض الإله يتفق بالضبط مع الموجود في القرآن لكن بقراءة مختلفة عن طريق فحص اللفظ حتى نصل للمقصود منه بالضبط.

ـ هنا سألنا مراد عن القارئ الذي يتوقعه لأعماله بمعني هل الكتلة الرئيسية لقرائه هي الشباب في سن صغيرة، ولماذا لا يتوقع الرفض لهذا العمل الذي يبدو ثقيلا على أغلب هؤلاء؟

لا أعتقد أن جمهوري كتلة ثابتة يمكن تحديد معالمها، فقد كنت في الإسكندرية وقابلت ولدا صغيرا في الـ 11من عمره يطلب توقيعا على رواية تراب الماس، فسألته لمن اكتب التوقيع؟ ما فرد قائلا: ”وقع باسمي، انه لي“. وناقشني في الرواية على قدر استيعابه. نحن لدينا أزمة أننا لا نعرف حجم تطور الجيل الحالي من الشباب، ولا زلنا نقيسه بمقاييس عندما كنت في الـ 11 من عمري، لكنني عندما كنت في هذه السن كنت ألعب بصعوبة على جهاز «الأتاري» أما اليوم فالطفلة ذات الـ 6 سنوات تتعامل مع الهواتف الذكية وتقوم بعمل تحميل للبرامج وتشغيلها واللعب عليها”.

ـ تلجأ في أرض الإله للتعامل مع منطقة تاريخية ملتبسة وانت كاتب معروف، في حين فإن أغلب من يتناولون هذه المناطق هم كتاب من الظل يفعلون ذلك بغرض الإثارة ولفت الأنظار إليهم، لكن في حالة كاتب ناجح ومتحقق مثلك تبدو المغامرة أكبر؟

ـ هناك أسباب دفعتني لخوض هذه المغامرة، فقد لاحظت ان هناك ازدراء شديدا لتاريخنا، نتعلمه في مدارسنا فقط لوضعه في أوراق الامتحان، كما أن أبناءنا على جهل بتاريخنا، على سبيل المثال: أحضر طفلا ألمانيا واسأله من أحمس؟ سيحكي لك تاريخك بالكامل، كتب المصريات أغلبها كتبا ألمان، والأصعب من بين هذه الاتهامات أن يقال لك أنت تحاول تنقية تاريخ مصر القديمة من الوثنيات وكأن هؤلاء صعب عليهم أن يكتشفوا أنهم محترمون. هنري بريستد عندما سطر كتابه «فجر الضمير» قال إننا أسسنا أهم اختراع في العالم. حقوق الإنسان”.

– هناك شعور عام بأن رواية 1919 لم تحقق نفس نجاح الروايات السابقة فهل كان ذلك بسبب تغير الوصفة؟ بمعني آخر كيف تنظر لفكرة الجمهور؟ ذلك أن أي كاتب صاحب جمهور دائما ما يضع جمهوره في الحسبان على عكس الكاتب المغمور أو المجرب القادم من المجهول؟

«الثبات بداية الموت» هكذا انطلق مراد في إجابته على السؤال. ثم قال:” أحب الناس كتابتي لأنني جازفت، فكيف أتوقف عن المجازفة بعد نجاحي. مثلا رواية فيرتيجو صدرت نهاية 2007، كان تحمل شيئا من المغامرة، فكيف عندما يكرمني الله وأنجح أتخلي عن المجازفة؟ في هذه الحالة أصبح فقط مجرد شخص يريد أن يحافظ على رفوف المكتبات والبيست سيلر، دون الاهتمام بما أريده أنا ككاتب. الناس أصبحت تعرف مراد وستشتري رواياته، إذن فلنجرب، تعال لنري مناطق جديدة، حتى لو لم يأت ذلك على هواك، ما ترفضه اليوم ربما تقبله في الغد. ويكفي أن تعرف أن رد الفعل على رواية أرض الإله أكثر من أي رواية مضت.
* القاهرة.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *