بروست ومذكراته والزمن المفقود




*إعداد وترجمة/ ابتسام عبد الله


أولى المسودات للروائي الفرنسي، هي عن رواية “البحث في الزمن المفقود” وهي عن العسل الممزوج بالتوست او قطعة بسكت بدلاً من الكيك الإسفنجي، وهي امور تثير في النفس ذكريات الطفولة. ويُعــد مارسيل بروست الروائي الفرنسي الأكثـر تأثيراً في القرن العشرين وصديقته مادلين هي من المقربين منه. وكانت مثل قطعة من الكيك، تم غمسها في الشاي لتصبح واحدة من أشهر الأمثلة في الأدب الفرنسي.

ولكن كيكة مادلين التي اصبحت بفضل بروست شهيرة، لتكون بمثابة (زناد السلاح الناري) يستخدمها بروست في رواية “البحث عن الزمن الضائع” بمثابة تنبيه الى حدث ما.. كما كتب بورست ذلك في مسودة الرواية التي تم مؤخراً طبعها من دون إدخال أي تغيير عليها في فرنسا.
وكانت المسودة الاولى لبرست وروايته قد طبعت في عام 1907 من دون ان يُشير الى مادلين كرمز من ذكريات الطفولة.
اما المسودة الثانية، فقد تضمنت كيف ساعدت مادلين بروست، بتذكيرها إياه عن ذكريات الطفولة.
اما في المسودة الثالثة، فقد كتب بروست فيها، كيف ان مادلين هي قطعة البسكت الصغيرة الناعمة.
إن دار نشر سانت بيريز، فقد اظهرت كيف راوغت لنقل. ذلك المقطع عن الطعام، الى ثلاثة مقاطع في الرواية، تتحدث عن الطعام، وبقيت تلك المقاطع الثلاثة بخط يـد بروست، على ان تطبع كل مقطع في جزء من الرواية التي طبعت بثلاثة اجزاء.
وقد أعتبرت كلمات مادلين، بمثابة المفتاح في رواية “في البحث عن الزمن الضائع”، إنها بمثابة قلب الجزء الاساسي من الرواية الشهيرة، لأن تجربة حياتية صغيرة: مثل الرائحة او طعم شيء ما، تفتح مدخلاً الى الماضي والى ذكريات ايام مضت بشكل غير متوقع.
وبروست يُعـد واحداً من اكثر المؤلفين المؤثرين في أدب القرن العشرين. وما يزال تعبير (بروست ومادلين) يستخدم حتى اليوم للاشارة الى ذكرى ما، يرّن في الذاكرة .
إن هذه المقاطع الثلاثة التي تم إضافتها الى الطبعة الجديدة من “البحث عن الزمن الضائع تعبر عن عالم بروست”. وهذه الكلمات تعود الى سانت بيريز. 
عندما تخلصت من الكتاب في مكان ما، تم نقلي الى ولاية اخرى في إدنبرة، واحسست ان نبضات قلبي بدأت تبطأ. اما مارسيل، الذي يتحدث بشكل لا يتوقف في مونولوج طويل.
وانا لا أكتب ملاحظات يومية، ولذلك فأنا لا أتذكر العام او حتى الاشهر، ولكن شيئاً ما بدأ يذكرني بتلك الأيام (آب عام 2015، وانا لا أتحفظ كما ذكرت بالتاريخ، ومع ذلك ففي يوم من عام 1980، كنت امضي الصيف في شقة لأحد اصدقائي في إدنبرة، وكنت قد حصلت على شهادة دراسية، ولم يكن معي الكثير من المال، ولذلك كانت حياتي اليومية قصيرة، وكان من الأفضل لي الحصول على عمل ما، ولكني لم أتخذ خطوة بذلك الصدد. وكنت آكل أقل ما يمكن من محل في نهاية الشارع، وكنت سيد نفسي في وحدتي.
وكانت هناك أشياء اخرى في إمكاني للقيام بها: الحصول على عمل، ان اكون اكثر نشاطاً، ولكني لم افعل شيئاً، واردت ان اقرأ بروست وانا في طفولتي كنت أقرأ اي شيء يقع بين يديَّ ومنها كتب لويز نارينا “لورد الخواتم” لتولكين، ورواية لورا إنغالز وايدير، “منزل صغير في المروج”، وهناك ايضاً آرثر رانسوم وإيان سيرايللير ونينا باودم.
ولكن الكتب هي إحدى العادات ، والعادات تتغير مع التقدم في السن، تتغير مشاعرنا، ومع ذلك فعندما وجدت امامي “ذكريات من الزمن الماضي”، واصبحت بالنسبة لي تجربة شخصية.
وكانت شقتي في أعلى المسكن، وله إطلالة على مشهد جميل، وعشت على ذكريات شخص آخر، مع قراءة كتابه.
ولم اكن قد عدت الى بروست، ولا اتذكر اي شيء عنه ولم اعد اتذكر الشخصيات التي يكتب عنها، او الاصدقاء والجيران والأحبة، او الاشياء الصغيرة التي يحكي لي عنها.
وبإمكان المرء ان يبدأ القراءة من مقطع في كتاب، من دون ان يعرف كيف سينتهي بعدئذ ولكن الاحاديث الداخلية، تتواصل، وتعود الينا مثل الفيضان، احداث تفيض الى الخلف وان حدود “الاحساس” ذات مسامات وبإمكانك التوقف قليلاً، وان تتمالك نفسك وتقف برهة وكما في الحياة، يحدث الامر في مشاعرك، ومع متابعة القراءة، تجد نفسك وكأنما تنتشر الندى من حولك. 
ان القراءة في إدنبرة في شهر آب يطول، ويجد طريقه الى الجدران والسقف. وعند زاوية غرفتي وجدت الفطريات والاسفنج، وجدوا طريقهم من دون ان تخطر ببالي، مقابل سريري وانا لم اشاهد شيئاً مثل ذلك، لأنها تنتمي الى حديقة النباتات، او في الغابة، او في الروايات وفي الليل يتغير الأمر، إذ تحل الظلمة، ويحيط بي العالم الذي يتحدث عنه الكاتب، من دون ان أهتم بالمجتمع الذي يُحيط بي الجاثم على جدران الغرفة من كُتـّاب كبــار. 
 عن: الغارديان
_________
*المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *