3 هاويات في القائمة القصيرة لجائزة المرأة للرواية العالمية




*تحسين الخطيب


تكشف القائمة القصيرة لجائزة بيليز (أورانج سابقا) للقَصّ النسوي، والتي أعلن عنها في الحادي عشر من شهر أبريل الجاري، عن حدث ذي دلالة بالغة الأهميّة، إذ ثلاث روايات من أصل الستّة أعمال التي ضمّتها القائمة هي لنساء يكتبن الرواية لأول مرة في حياتهنّ، مستبعدة أعمال روائيّات ذائعات الصّيت، لا يختلف الكثيرون على إبداعهنّ المتحقّق، سواء في أعمالهن التي حضرت في القائمة الطويلة أو تلك التي نشرت من قبل، كجيرالدين بروكس وكيت أتكنسون وإليرزابيث ستراوت.
إذن، لم يعد التكريم والتنويه مقتصرين على الأسماء المكرّسة فحسب. ولو كان حدث من هذا النوع قد جرى في عوالم الجوائز الأدبية العربيّة لقامت دنيا المتأدّبين والمتثقّفين ولم تقعد. فالاحتفاء، لدينا، يكون حسب الأقدميّة، فالسّابقون هم المكرّمون، دون معيار حقيقيّ، ووفق حسابات منفعيّة ومناطقيّة وشخصيّة بحتة، حتى ولو كانت أعمال هؤلاء قد شاخت ولا يقبل على قراءتها أحد.
ثلاث نساء بأعمالهنّ الأولى من دون شكّ: الأميركية سنثيا بوند، بروايتها «روبي»؛ والبريطانية حنّه روث تشايلد، بروايتها «لا احتماليّة الحُبّ»؛ والأيرلنديّة ليزا ماك إينيرني، بروايتها «الهرطقات المجيدة».
استجلاء الكينونة
تقول حنّه روث تشايلد، المخرجة السينمائيّة وأول امرأة تُعيّن مديرة للمتحف الوطنيّ— في مقابلة معها نشرت في صحيفة الإندبندت البريطانية بتاريخ 16/6/2015— إنها وأثناء عملها في متحف اللوفر بباريس، وقعت على لوحة «بييرو» للرسام الفرنسي جان أنطوان واطو. “لقد كنت وحيدة، وحيدة تماما. وقفت قبالة اللوحة بالصدفة، فاجتاحتني رجّة عاطفيّة حقيقيّة. كان ثمّة شيء بخصوص اللوحة، أدركت بأنّ الرجل الذي فيها يشعر بما كنت أشعر به: التّنحية والانزياح والوحدة“.
تصبح اللوحة وصانعها الماهر مصدر إلهام الرواية الأولى التي سوف تكتبها روث تشايلد، بعد ثلاثة عقود من تلك الحادثة.
تدور «لا احتماليّة الحُبّ» في عوالم لندن الفنيّة، ناسجة خيوط العلاقات المتشابكة بين تجار اللوحات والأوليغارشيّين المنفيّين ومدراء المتاحف ورعاة الفنّ الأثرياء. يحضر «بييرو»، بكامل ثيابه البيضاء وحذائه المعقود على شكل زهرة حمراء وقلنسوته الكبيرة، في بؤرة السّرد، كلوحة ناطقة، تسرد بعض فصول الرواية على لسانها، وذلك حين ينتهي بها المطاف في دكّان خردوات وفي شقّة لندنيّة بالية، بعد أن كانت تزيّن قصور الملوك والأباطرة. كما يحضر واطو نفسه، كمصوّر بارع للحياة المتوحشة في زمن يبدد فيه الناس أموالهم على الكماليّات.
قضت روث تشايلد نحو أكثر من عقدين وهي تتخيّل شكل السرد الذي سوف تنطق به اللوحة. كانت تكدّس نتف الأفكار وشذرات الكتابة وقصاصات الجرائد، سواء تلك المتعلقة باللوحة أو بمشاعر الوحدة التي كانت تنتابها في تلك الفترة، وتحفظها في علبة للأحذية تحتفظ بها في المنزل الذي تعيش فيه. ظلّت تكوّم الأوراق، على هاته الشاكلة، حتى وجدت هذه المحفوظات طريقها إلى الرواية في شكلها الخاتم.
وعن هذه الآليّة في التأليف، تقول روث تشايلد “إنها طريقة غريبة في الكتابة. لا أوصي بها. إنّها أشبه بأن يكون للمرء عشيق سريّ. لقد قضيت مساءات وأنا أكتبها. لم أعتقد بأنها سوف تنشر. لقد كانت نوعا من الشفاء بقدر ما هي استقصاء للأفكار واستبصار لها“. لقد قضت أوقاتا طويلة تفكّر في الحالة التي هي عليها، محاولة الوصول إلى جوهر نفسها والقبض على صوتها الخاص وتأكيد حضورها في العالم.
إنها رواية “تستجلي تشوّشات الحياة وصخبها وتعقيدات الحُبّ والخسارة والألم— كاشفة عن الدرجات الوضيعة التي قد تنحطّ إليها النفس البشرية وعن الذرى التي تستطيع الروح أن تحلق فوقها“.
ولا تختلف سنثيا بوند عن روث تشايلد في طرائق استجلاء الكينونة وتعدّد أحوالها، وبحثا عن الخلاص انطلاقًا من تجربة الفرد الشخصيّة، فروايتها «روبي» ليست ”مجرّد حكاية عن صبيّة تحفر طريقها بأظافرها لتبقى على قيد الحياة في عالم يبدو عاقدا العزم على تدميرها بكل ما أوتي من قوّة، ولكنّها أيضا حكاية مستمدة من تاريخ الكاتبة الشخصيّ“.
يروي الكتاب حكاية «روبي بيل»، الصبيّة ذات الشعر الأحمر والجسد الذي بلون الكراميل، والتي تهجرها أمّها بعد ولادتها، وتذهب للعيش في مدينة أخرى.
تقاسي روبي الأهوال طفلة صغيرة، لا أحد يحميها ويعتني بها سوى صديقتها ماغي.
وحين تكبر، تهرب من البلدة الصغيرة التي أسمتها العذاب، وتذهب إلى نيويورك، باحثة عن والدتها. ولكنّها لا تجد في المدينة الجديدة سوى الألم. ولكنها تجد الخلاص في الحُبّ الذي يكنّه لها أفرام جيننغز، فصورتها وهي تركض بجدائلها الطويلة عبر غابة الصنوبر لم تبرح باله قطّ.
تقول آن فريدمان، في مراجعتها المنشورة في صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 17/2/2015، إنّ الكثيرين سوف يقارنون بين رواية سنثيا وأعمال توني موريسن، أو زورا نيل هيرستن (-1891 1906) صاحبة “وكانت عيونهم ترقب الله”.
بيد أنّ فريدمات تفضل مقارنتها بأعمال غابرييل غارسيّا ماركيس، لأنّ “الرواية منسوجة بواقعيّة سحريّة. فجذور الصنوبر وأغصان الزنزلخت، أو الليلك الهندي، والغربان المحلقّة والكعكة الملائكيّة البيضاء اللامعة هي أبعد ما تكون عن المشهديّة ودعائم السّرد: إنها الحبكة ذاتها. ففي «روبي»، يتداخل الغيبيّ مع الفطريّ، حتى يصبح من الصعب، بالضرورة، تفسير كيف أنّ كلّ شيطان هو صنيع أفعال بشريّة مرعبة“.
حققت رواية سنثيا بوند مبيعات كبيرة بعد اختيارها ضمن نادي أوبرا ونفري للكتاب، كما حلّت الكاتبة ضيفة على معرض أبوظبي للكتاب في العام 2015.
جدد ومكرسون
أمّا «الهرطقات المجيدة» لليزا ماك إينيري فتدور حول مورين فيلان، المرأة التي تضرب في آخر الليل أحد المتسلّلين إلى بيتها بحجر على رأسه فتقتله على الفور. تعود مورين، بعد أربعين سنة من هذه الحادثة إلى مسقط رأسها، لتكتشف بأن ابنها جيمي قد أصبح أخطر رجال العصابات في البلدة.
يهدد وجود مورين بتدمير كل شيء عمل ابنها من أجله طيلة تلك السنين، فتظهر إلى العلن الحيوات المتشابكة لقاع المدينة الأيرلندي وتطفو على السطح— من رايان، وهو تاجر مخدرات في الخامسة عشرة من عمره، يكافح يائسا كي لا يصبح مثل والده المدمن على الكحول، والذي يهدد هيامه بجارته بتخريب حياته وحياة عائلته، إلى جورجي المومس التي تكون لتقواها الفجائيّة الزائفة عواقب وخيمة.
وتضم القائمة القصيرة أيضا، رواية «الطريق الخضراء» للأيرلنديّة آن إنرايت، والتي سبق لها الفوز بجائزة البوكر 2007 عن روايتها «الجمهرة»؛ ورواية «فيبلين المتنقّل» للأميركية إليزابيث ماكينزي، ورواية «حياة صغيرة» لهانيا ياناغيهارا.
وبالنسبة إلى حظوظ المرشحين للفوز بالجائزة، فإنها بالنسبة إلى وكيل المراهنات وليام هيل، وفق ما أوردته أليسون فلود في صحيفة الغارديان بتاريخ 11 أبريل: 2/1 بالنسبة إلى إينرايت، و4/1 بالنسبة إلى بوند وياناغيهارا، و5/1 بالنسبة إلى روث تشايلد، و6/1 بالنسبة إلى ماك إينيرني، و7/1 بالنسبة إلى ماكينزي.
__________
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *