*خليل صويلح
رحل أمس الخميس 7 أبريل 2016، المفكّر السوري المعارض حسين العودات (1937 ــ 2016/ الصورة)، بعد صراعٍ طويل مع المرض. آثر صاحب «المثقف العربي والحاكم» أن يبقى في دمشق حتى اللحظة الأخيرة، من دون أن يرتبط بأجنداتٍ خارجية غامضة، لطالما كان يرى فيها سبباً إضافياً لتدمير البلاد. فقد آمن بالإصلاح في المقام الأوّل، قبل أن تهبّ العواصف وتخلخل أركان البيت من كل جوانبه.
صاحب أطروحات عقلانية، لم يحد عنها يوماً، وأحد أبرز وجوه المجتمع المدني السوري. سجالي من طراز رفيع، فهمَ السياسة على أنّها فن الحوار أوّلاً، نابذاً حوار السلاح، وغطرسة القوة. دراسته الجغرافيا في «جامعة دمشق» علّمته عن كثب صلابة الأرض التي يقف عليها كسليلٍ أصيل لحضارة بصرى التي امتدت من الجنوب ــ مسقط رأسه ــ إلى بقية الجهات.
الماضي العريق لهذه الأرض المقدّسة، جعله يتطلّع إلى المستقبل مازجاً التاريخ بالجغرافيا، ومحذّراً العبث بهذه الخريطة الاستثنائية. هكذا لجأ إلى الثقافة والفكر والرأي كبوصلة لصناعة المستقبل، سواء خلال عمله في التعليم أو الإعلام، قبل أن يؤسس «دار الأهالي» في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم كمنبر طليعي للفكر والثقافة والأدب. المحن المتلاحقة لم تثنه عن قول كلمة الحق وإن دفع ثمنها غالياً كمثقفٍ مستقل، كما أنّ المرض لم يمنعه عن الكتابة، وإذا بنا حيال رصيد ضخم من الكتب الفكرية والموسوعات والأبحاث، مفتتحاً إياها بكتاب «الموت في الديانات الشرقية» (1986)، ثم «العرب النصارى» (1992)، و«المرأة العربية في الدين والمجتمع» (1996)، و«الآخر في الثقافة العربية» (2010)، وسيلتفت في كتابه «النهضة والحداثة بين الارتباك والإخفاق» (2011) إلى «تفنيد العوامل التي أدّت إلى تعثّر حركة النهضة والحداثة في البلدان العربية، ومنها إصرار التيّار السلفي الإسلامي على التطرّف ورفضه المطلق دراسة التراث ونقده، الأنظمة العربية التي حاربت ضدّ الديموقراطية وتداول السلطة، قيام دولة إسرائيل الذي أعطى القضية الفلسطينية الأولوية على حساب ضرورات التطوّر الداخلي».
كما سيتوقّف مليّاً أمام الأفكار النهضوية لرفاعة الطهطاوي، وخير الدين التونسي، وشبلي شميل، وفرح أنطون، ومحمد عبده، وبطرس البستاني، وكيفية رفض بعض الشرائح الاجتماعية والرسمية مفاهيم النهضة والحداثة، مما أزاح العلمانية والديمقراطية جانباً، وأدى إلى «تعثّر حركة النهضة والحداثة وإخفاقهما». ولعلّ كتابه الأخير «المثقف العربي والحاكم» (2012) يمثّل الصورة الراهنة للصراع بين المثقف والسلطة، إذ «حاول الحاكم العربي أن يفرض على المثقّف الطاعة مقابل امتيازات يقدّمها له، وفي حال رفضه الولاء واستمراره بالإخلاص لقناعاته العقائدية أو السياسية، كان يتلقّى عقوبات يصل بعضها إلى الإعدام وتقطيع الأوصال. ولجأ الحاكم عموماً لاتهام المثقّف المخالف بالزندقة أو الارتداد، ليكسب رضى مجموعات من أبناء الشعب المتديّنين». صورة تتكرّر من القرن الأوّل الهجري إلى اليوم.
_____
*الأخبار اللبنانية