تماثيل مشاهير الأدب‮..‬ الأفضل والأسوأ




جمال المراغي*



اتفق العلماء والمؤرخون المعنيون بالحضارة الفرعونية التي كانت مهد صناعة التماثيل بمختلف أشكالها،‮ ‬أنهم قاموا بنحتها لتخليد حضارتهم وملوكهم بالدرجة الأولى أكثر من كونه تكريماً لهم على ما أنجزوه،‮ ‬واستمرت بما يتعلق بها من جوانب فكرية وجمالية تؤدي دورا،‮ ‬ولكن الجانب التكريمي تغلب بشكل كبير على نظيره التخليدي،‮ ‬ويظل لكلا الوجهين قيمته لتمثلا دافعا لاهتمام الروافد الصحفية المختلفة بها‮.‬
ذهبت نحو خمس عشرة صحفية من كبري الصحف الدولية في العالم وعلي رأسها الإنجليزيتان الجارديان والتلجراف ولوفيجاردو الفرنسية ونوفيا جازيتا الروسية،‮ ‬مستعينة بخبراء الأدب والفن لاختيار أبرز التماثيل للمشاهير في مختلف المجالات عبر التاريخ من فنية إلى أدبية وسياسية وعلمية وغيره،‮ ‬وصنفها بعضهم للأفضل والاسوأ لأسباب موضوعية‮ ‬غير فنية تتعلق بمدي ما تعكسه من شخصيتهم وتسجيل مواقف تستحق بعيدا عن التقييم الجمالي،‮ ‬واخترنا منهم الأدبي المناسب والأكثر ثراء بدون ترتيب مقصود‮.‬
اللص وحارس الغابة
والبداية بالاسوأ، لأجاثا كريستي الذي وضع في مسقط رأسها بمدينة توركي بالمملكة المتحدة في‮ ‬10‮ ‬سبتمبر عام‮ ‬1990‮ ‬احتفالا بمئويتها،‮ ‬وبدت من خلاله شاحبة وكئيبة بخلاف شخصيتها ولا يمنح من يراه الثقة مثلما كانت صاحبته،‮ ‬وويليام شكسبير المصنوع من الاستانلستيل والذي تم وضعه في مطلع الألفية الجديدة بمدينة أونتاريو الكندية،‮ ‬وجاء صادما حيث بدا مبهما وخاصة لأهل المدينة الذين يعرفونه ويعشقونه من كتاباته وفكره ونجحت بعض البورتريهات في التعبير عنها‮.‬
وتمثال‮ “‬جين أوستين‮” ‬في الميدان الذي يحمل اسمها بمدينة‮ “‬سوميرست‮” ‬الإنجليزية أمام مركز الثقافة والفنون الذي يحمل اسمها أيضا،‮ ‬عيبَ‮ ‬عليه جموده الشديد بخلاف صاحبته التي كانت تعبيراتها وحتي حركة جسدها متوافقة مع كتاباتها وأشهرها‮ “‬العقل والعاطفة‮”‬،‮ ‬وصولا للكاتب واللورد‮ “‬بادين بول‮” ‬الذي وضع له تمثال في منطقة بعيدة قرب إحدى محطات الحافلات ووصفه بعض ممن ضايقهم بحارس الغابة وهو ما يقلل كثيرا من قيمة هذا الفارس الذي أسس لعالم الكشافة‮.‬
اعتبر البعض أن تمثال الكاتب الأمريكي‮ “‬أوسكار وايلد‮” ‬الذي وضع بشارع أديليد بلندن الأسوأ على الإطلاق ووصفه الكثيرون بالثعابيني كونه يشبه مجموعة من الثعابين المتصارعة وهرب مصممه ستيفن فراي من وضع شرح وتفسير له،‮ ‬واقتحم شارلي شابلن عالم الأدب بعدة تماثيل أسوأها ما وضع بميدان ليستر بلندن أيضا وكأن هذه المدينة تضم من تلك النوعية الكثير،‮ ‬وظهر خلاله كلص يختبئ من الشرطة خلف جدار‮.‬
شحاذ ومُهرجان
وتمثال سيئ آخر وهذه المرة للكاتبة المثيرة للجدل‮ “‬فيرجينيا وولف‮” ‬بحديقة‮ “‬مونك‮” ‬في الركن الفسيح المخصص لها بمنطقة كينجستون اللندنية واتهم مصممه بالغش والخداع التاريخي كونه يظهرها خجلة متوارية بينما كانت طبيعتها جريئة كما تعدي الشعرة بين الهدوء والثقة من ناحية والخمول واليأس من ناحية أخري،‮ ‬وجانب الإسبان التوفيق وتحديدا محبي أرنست هيمنجواي في برشلونة عندما اختاروا له هذا التمثال المتجمد ووضعوه له في أحد الميادين عام‮ ‬2012‮.‬
وجد الكثيرون تناقضا في تمثال‮ “‬ليو توليستوي‮” ‬الموجود بحديقته في شرق موسكو الذي لا يعبر عن شخصيته القوية ويبدو كشحاذ يزحف إلى الحديقة طالبا المساعدة وليس مرحبا بزائريه مثلما كان يقصد صانعه بافتراض حسن النية،‮ ‬ولم يمنع محبو‮ “‬ماري آن إيفنز‮” ‬والمعروفة باسم‮ “‬جورج إليوت‮” ‬إدارة حديقة كنيسة كوتون بمدينة فيونيتون البريطانية من وضع التمثال الخاص بها رغم اعتراضهم الشديد عليه كونه أظهرها منكسرة ربما لأنها اختبأت خلف اسم رجل،‮ ‬ولكنها كانت جريئة في كتاباتها وفعلت ذلك لتتجاوز عقبات زمانها‮.‬
ورغم محاولة المصمم‮ “‬روبرت تينجو‮” ‬إبراز وجهة نظره الألمعية في تمثال‮ “‬ييتس‮” ‬الذي وضعته إدارة الطرق بميدان سليجو بأيرلندا،‮ ‬ولكنه بدي كمهرج بجسد هزيل وساقين رفيعتين للغاية فوقهما ذيل سمكة ثم رأس لن ينتبه له أحد،‮ ‬ومنه للأمريكي‮ “‬مارك توين‮” ‬في ثوب مهرج آخر لن يتناسب مع بيته ومتحفه المتلألئين في منطقة هارتفورد بوسط ولاية كونيتيكت الأمريكية‮.‬
مثال آخر للروسي أنطوان تشيكوف بمدينة توماسك،‮ ‬ولا مجال للشك أن مصممه أراد أن يسخر منه بقدميه الكبيرتين المتخاصمتين والمظلة خلف ظهره ناهيك عن وجهه العجيب،‮ ‬ولا يشفع له أنه مطلي بالذهب الذي ضاع لمعانه بمرور الزمن،‮ ‬وآخر قائمة الاسوأ؛ للفرنسي‮ “‬بلزاك‮” ‬الذي اختفت ملامحه تماما سواء الجسد أو الوجه الذي يعد أكثر ما يميز تماثيله وصوره،‮ ‬ولكنه ما زال يزين حديقة متحف‮ “‬رودين‮” ‬بباريس منذ عام1935‮.‬
المبجل ونظرة عين
من قائمة الأسوأ إلى نقيضتها التي ضمت الأفضل مما أجمع عليه الكثير من آل الأدب والفن وركزوا فيها على مدي تعبير التمثال عن شخصية صاحبه وموقفه الفكري وربما السياسي،‮ ‬ومنهم الكاتب الأمريكي‮ “‬جون ستاينبك‮” ‬في كاليفورنيا حيث وفق نحاته في تشكيل ملامحه بدقة فيما يشبه البورتريه ولكنه تميز أكثر‮ ‬بنظرة عينيه صوب أفق بعيد،‮ ‬وبدت البراعة مع أمريكي آخر وهو للكاتب الموسيقي والكوميدي‮ “‬داني كاي‮” ‬الذي نجح مثاله في الوقوف بحرفية على الشعرة الفاصلة بين الكوميديا الجادة والهراء‮.‬
وفيما اعتبره البعض ردا على نظيره السيئ وتحت عنوان شابلن مؤلفا جاء تمثاله الذي أهدته العائلة الملكية البريطانية لأسرته،‮ ‬ليزين متحفه بسويسرا ووجدوه يجسده في أفضل فترات حياته وقاموا بصنع نماذج‮ ‬
صغيرة منه طرحت للبيع،‮ ‬وتعويض آخر يمثله تمثال الثقة لأوسكار وايلد بدبلن بحجمه الطبيعي وهو يجلس بحديقة ماريون على صخرة تظللها الأشجار ليشبه أميرا في نزهة‮.‬
بديهي أن نجد شكسبير في هذه القائمة وأن تبرز بعض تماثيله التي بلغت المئات كما تواجد في قائمة الاسوأ،‮ ‬ورغم اهتمام مسقط رأسه بشرق لندن الشديد به،‮ ‬ولكن تمثاله الأفضل حظي به ميدان ليستر بغربها والذي بدا فيه متكئا على شعار المنطقة المقدس،‮ ‬ومازال المثالون يعوضون الكتاب الذين تعرضوا للإساءة من وجهة نظرهم والاعتذار هذه المرة لفرانز كافكا الذي لم يقدره أهل بلده كما قدره التشيكيين بتمثال يبدو متحركا لمارد يحمل على كتفيه كافكا مبجلا‮.‬
وتفوق تمثال الكاتب والشاعر الإنجليزي الفيكتوري‮ “‬توماس هاردي‮” ‬علي أغلب أعماله؛ رغم أنه واحد من أهم خمسة كتاب في تاريخ الأدب الإنجليزي،‮ ‬حيث عبر بشدة عن عصره بملابسه الكاملة،‮ ‬وعن قيمته وقامته،‮ ‬وكان الكاتب الكوميدي الإنجليزي‮ “‬سبايك ميليجان‮” ‬من أكثر من أثاروا النحاتين للتعبير عنه في مواقف مختلفة وهو واقف أو جالس أو حتي نائم ولكن جين سكوت خلده في لوحة نحتية أذهلت العالم عام‮ ‬2014‮ ‬مع الثنائي‮ “‬أندي سيكومب‮” ‬و”بيتر سيلر‮” ‬وأسماها الظرفاء‮.‬
المغامر وابن البلد
توقفت العيون طويلا عند تمثالين للكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز ليسهم في زيادة نسبة تماثيل البريطانيين رغم أن نسبتهم من بين آل الثقافة والفن الذين اختاروا التماثيل لا تزيد علي‮ ‬10٪،‮ ‬والأول لديكنز مع كتابه في صومعته التي تمثلها مدينة لندن بأكملها التي تضم تماثيل أربعة أضعاف عدد شوارعها،‮ ‬والثاني له في هيئة فيلسوف بمدينة سيدني بأستراليا‮.‬
وفي ركن خاص بجوار ميدان‮ “‬روان أواك‮” ‬بأكسفورد بالولايات المتحدة تمثال بالحجم الطبيعي للكاتب الأمريكي‮ “‬ويليام فوكنر‮” ‬جالسا على أريكة خشبية مزهوا بشيء من التواضع وفي يده البيب الخاص به،‮ ‬وتطل مجددا المثيرة فكريا‮ “‬فرجينيا وولف‮” ‬وهذه المرة منتشية واثقة متأملة وليست متوارية،‮ ‬وهو مصنوع من البرونز وموجود في حضن الأشجار أيضا ولكن برؤية مغايرة والمدهش أنه بحديقة مدينة بفاريا بألمانيا رغم ما هو معروف عن عدم تفضيل الألمان لها‮.‬
من الغرب إلى الشرق،‮ ‬تمثال آخر بالحجم الطبيعي يجلس على مقعد خشبي للكاتب الروسي‮ “‬فلاديمير نابوكوف‮” ‬بنظرة متألمة متحسرة لأنه اضطر أن يترك بلاده ويعود لنيويورك وكتب عليه الأمريكان ما شعروا به ومفاده‮ “‬حبيبتي روسيا سأعود لك يوما‮” ‬وقد آب إليها جثمانه بعد وفاته في سويسرا،‮ ‬وأبدع الكوبيون في التعبير عن ابن البلد الذي عرفوه في الأمريكي أرنست هيمنجواي بتمثال برونزي في بيت ميركيريا للفنون وسط كتبه‮.‬
واستأثر الروس بكاتبهم الفذ‮ “‬ليو توليستوي‮” ‬بتمثال فضي يزين حديقته بموسكو وبدا وكأنه ملك يجلس على عرشه وإن تأخروا كثيرا في تصميمه ولكنهم عالجوا ذلك بالبراعة في البساطة والانسيابية والنظرة الوقور،‮ ‬وفي حديقتها ببوسطن‮ ‬غازلت الفنانة ستيفاني روكناك النحتية لإدجار ألآن بو وكأنه مغامر في رحلة حول العالم يحمل حقيبته وأوراقه وصقرا يصاحبه‮.‬
وايلد يقابل وايلد والبطل الأسطوري
رغم أنها تفوقها شهرة ويعتبرها الكثيرون الأبرع والأكثر‮ ‬إبداعا ولكن حظها مع التماثيل كان الأوفر فأجمع المتابعون من الذواقة أن تمثال‮ “‬إيملي برونتي‮” ‬هو الأروع بين التماثيل على الإطلاق وهو رملي أنيق ويصحبه حبارتها وريشتها،‮ ‬وشاركتها شقيقتها شارلوت وثالثتهما آنا في تمثال الأخوات بونتي خارج منزلهما بمنطقة هاورث بمدينة يوركشاير،‮ ‬ولم تكن البراعة في تفاصيل ملامحهن ولكن في المشهد العام واختيار موقع التمثال وسط الأشجار‮.‬
وجسد تمثال سرفانتيس بهافانا ذلك الكاتب الإسباني وهو‮ ‬غارق في التفكير والكتابة بما يتسق مع ما جاء في سيرته التي تناولها أكثر من مؤرخ ووضعوه الكوبيون الذين برعوا في القليل من التماثيل التي نحتوها ووضعوها في الحديقة العامة بركن المفكرين،‮ ‬وسبق محبو جوتة في شيكاغو‮ ‬غيرهم في مختلف أنحاء العالم وتحديدا عام‮ ‬1951،‮ ‬بل وبرعوا في رؤيتهم الخيالية عندما جعلوه فارسا وبطلا أسطوريا ومعه نسره‮.‬
تحت شعار لقاء العظماء ذهب الأيرلنديون مع الخيال أيضا عندما خلقوا في ميدان جالوي مشهدا فريدا للقاء أوسكار وايلد مع أهم كتاب أستونيا إدوارد وايلد حيث يجلس كل منهما على طرف أريكة أنيقة بلا ظهر أو أكتاف،‮ ‬ودخل اليابانيون تاريخ هذا المجال من أوسع الأبواب بواحد لا مثيل له للكاتبة الأسطورية موراساكي شيكينو حيث لفت أنظار العالم عندما تم نقله لموقع متميز على شاطئ كيوتو عام‮ ‬2007‮.‬
وعلي بعد نحو تسعة آلاف كيلومتر من موسكو بجزيرة ساخلين منزل خاص لتشيكوف بني بسيطا من الخشب كما كان يحبذ،‮ ‬وأمامه تمثاله الذي جاء وقورا وأنيقا وعميقا يتناسب مع قيمة صاحبه هذه المرة،‮ ‬واحتفي الإسبان بشاعرهم المدلل‮ “‬فردريكو جارسيا لوركا‮” ‬وإن جاء ذلك بصفة‮ ‬غير رسمية ومن خلال محبيه في مدينة أشبيلية وصوروه عطوفا في مشهد شاعري بامتياز لم يبرح مكانه منذ أكثر من أربعين عاما‮.‬
كما ظهر بوشكين كعادته يجلس على أريكة عتيقة في حديقته بموسكو مشغولا؛ بل ومهموما بشعبه الذي طالما طالب بحريته من الاستبداد الجماعي وبدت على ملامحه جذوره الحبشية التي زادت من رونقه،‮ ‬ولقاء خيالي آخر أبدعه الهنود في سوق كالكوتا بين شاعرهم العظيم طاغور وأحد رواد الثقافة والفلسفة هناك سوامي الذي عاصره ولم يلتق به قط‮.‬
تلك كانت خيارات بعض آل الثقافة والفن حول العالم ممن تواصلت معهم روافد الصحافة البعيدة تماما عن أي‮ ‬رؤية جمالية‮.‬
* أخبار الأدب.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *