سينما وشعب مبتسم يحب الصورة


*ندى الأزهري


اللــطف العـــمــاني يصاحبك حتى الخطوات الأخيرة.
في مطار مسقط وفي محل لبيع العطور العمانية الفاخرة، تلاحظ البائعة العمانية ذات الابتسامة الرقيقة مشكلة تواجهني في إيجاد طريقة لمنع صندوق أحمله من الوقوع»، تأتي بشريط طويل وتبدأ بابتكار طريقة أنيقة للف الصندوق وربطه بحقيبتي، من دون أن أطلب شيئاً ومن دون أن أشتري شيئاً! تخيلت بائعة في مطار باريسي…
يغرينا ذكر كل ما صادفنا من حوادث مشابهة، إنما نحن هنا للحديث عن مهرجان مسقط السينمائي الدولي في دورته التاسعة، وليس للحديث عن أهل عُمان. لكن، هذا ما يجري في كل مرة!
في مقابلة بثّ مباشر مع التلفزيوني العماني، وضمن حديثي عن قسم الأفلام العمانية القصيرة والتسجيلية في المهرجان، كانت الكلمات تتدفق معبّرة عن الإعجاب بهذه…البشاشة وهذا التهذيب واللطف والحرص على راحة الضيوف ممن نلتقيهم كافة سواء كانوا عاملين مع المهرجان أم لا، ثم نستدرك ونعود مجدداً الى الحديث عن الأفلام العمانية. لا يعني ذلك أن تلك لم تكن تستحق الحديث، بل على العكس فقد كان بعضها، وإن قليلاً، مثيراً للدهشة بأسلوبه ومستواه الفني. إنما جمال طبيعة مسقط وبحر عمان وجزره الصخرية إضافة إلى ما ذكرناه أعلاه ينسيك السينما!
رد على قبح العالم
مهرجان مسقط الذي كان شعاره هذا العام «السينما فن التسامح والجمال» في رد على ما يسود العالم من غلو وقباحة، امتلأ بالضيوف من مشرق العالم العربي ومغربه ووسطه، الوفد المصري كان الأكثر عدداً والأكثر تكريماً بالتالي. من الفنانين، كُرّم الفنان الراحل نور الشريف، والممثلين بوسي وسمير صبري وكريم عبدالعزيز، والمخرج محمد عبدالعزيز، كما كُرّم المخرج العماني يوسف البلوشي، والممثلة الكويتية سعاد عبدالله. طاول التكريم أيضاً في حفلي الافتتاح والختام، إعلاميين وكتاباً صحافيين عمانيين وعرباً.
ماذا عن السينما والأفلام المشاركة؟ برنامج مختصر لمهرجان قلّص عدد أيامه من تسعة إلى خمسة. في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، كانت هناك أربعة أفلام أجنبية وسبعة عربية. قضية المنافسة «غير المتوازنة» فنياً بين الأفلام العربية والأجنبية حلّها مدير المهرجان خالد الزدجالي، بالاهتمام أكثر بالأفلام العربية وحصر المنافسة بينها وتخصيص معظم الجوائز لها من أفضل فيلم وسيناريو إلى أفضل ممثل وممثلة، إنما من دون إغفال الفيلم الأجنبي. فثمة جائزة ذهبية للأفضل منه مع مكافأة مالية. إذاً، لا منافسة مباشرة بين الأفلام العربية والأجنبية، فلكل جائزته. هل في هذا اعتراف بالبون الشاسع بين الإنتاجين؟ أم أنه بسبب قلة الإنتاجات العربية التي تضاهي في مستواها الفني إنتاجات أجنبية وتستحق بالتالي المشاركة في مسابقة دولية؟ على كل، فإن ما نلحظه من ندرة وجود الفيلم العربي في المهرجانات الدولية يؤكد الاحتمالين وصعوبات الحصول على فيلم عربي جيد.

«ناهد» أيضاً وأيضاً
كان الفيلم الحائز «الخنجر الذهبي» كأفضل فيلم أجنبي «ناهد» للإيرانية آيدا (وليس عايدة كما دأبت الصحافة العربية على كتابته) بناهنده، وهو فيلم يلف المهرجانات ويربح الكثير أينما حل، ويتطرق الى قضية المرأة وقوانين الحضانة وزواج المتعة. نافسته ثلاثة أفلام، «الكترا» للمخرج اليوناني الفرنسي بطرس سيفاسكتيوجلو، نسخة معاصرة عن الأسطورة اليونانية عبر قصة فتاة شابة تشعر بالغربة على أرضها. من قبرص عرض «انطباعات رجل غارق» لكيروس باسافاسيليو، فيلم لم يتوان رئيس لجنة التحكيم الناقد ابراهيم العريس، خلال إعلان الجوائز في حفل الختام، عن اعتباره من أفضل الأفلام المعروضة في القسمين العربي والأجنبي، وهو عن رجل يعيش حياة منقطعة عن ماضيه وذاكرته. لكنه لم يربح واكتفى بالمرور، وهكذا كانت حال «باثمري» من الهند لسليم أحمد من ولاية كيرالا، وهو عن قصة كل مهاجر لا سيما من تلك المنطقة من جنوب الهند الغربي، حيث يغادر كثر من الشباب منذ عقود نحو الخليج العربي الضفة الأخرى للبحر.
أما الأفلام العربية، فكانت سبعة واعتمدت التنوع. الفائز بأفضل فيلم كان «البئر» للمخرج الجزائري لطفي بوشوشي، يسرد حصار قرية أيام الاحتلال الفرنسي للجزائر والخيارات الصعبة لأهلها في مواجهة موت محتم.
من سورية، جاء فيلم باسل الخطيب «الأم» المستوحى من أحداث حقيقية في سورية خلال الحرب الراهنة. الأم التي ترحل في قريتها النائية بعيدا من أولادها الذين تفرقوا. يجد هؤلاء صعوبة في العودة لحضور الجنازة، وضع مؤلم عايشه كثر من السوريين. في رمزية مباشرة للسيناريو، تنجح الأم بعد موتها في لمّ شمل أبنائها على رغم خلافاتهم التي فرّقت بينهم، فهل سيحصل هذا على أرض الواقع السوري؟ ما علينا سوى الأمل.
من مصر، جاء فيلم «خانة اليك» لأمير رمسيس. وكان واحداً من فيلمين عرضا للمخرج الشاب، ثانيهما روائيّه السابق «بتوقيت القاهرة» الذي عرض تكريماً للراحل نور الشريف، إذ كان آخر فيلم يظهر فيه ويؤدي دور عجوز مصاب بالزهايمر. آداء رائع للفنان حتى اللحظات الأخيرة، كذلك تجدر الإشارة إلى دور سمير صبري الذي استطاع رمسيس تقديمه في أسلوب جديد ومقنع ومحبّب حتى لهؤلاء الذين لم يكن صبري من ضمن فنانينهم المفضّلين.
اللعبي سينمائياً
أما «نصف سماء» للمغربي عبدالقادر لقطع، فقد فازت بطلته صونيا عكاشة عن دورها فيه بجائزة التمثيل. لم يسرد الفيلم حياة الشاعر عبداللطيف اللعبي الذي اتهم بجرائم الرأي وحكم بالسجن لعشر سنوات، بل معاناة زوجته الفرنسية المدرّسة ونضالها ومحاولاتها لإطلاق سراحه. لقد اكتسحت الممثلة المغربية الشاشة تماماً، وتجاوزت شخصيتها شخصية البطل التي بدت مهمّشة. ربما كان هذا خيار المخرج، لكن كان من المحبذ التعمق أكثر في شخصية الشاعر.
أما جائزة أفضل ممثل، فذهبت إلى العراقي محمود أبو العباس عن دوره في «صمت الراعي» لرعد مشتت. الفيلم عن المجتمع العشائري المنغلق والمقابر الجماعية في عهد صدام حسين، عناية مشددة بالصورة وتشكيلها للمخرج والكاتب والشاعر العراقي.
كانت ثمة أقسام أخرى للأفلام التسجيلية والروائية، وقد عرض ثلاثة عشر فيلماً من سورية وتونس ولبنان والعراق وعمان والكويت، منها «الفن خلف الأبواب المغلقة» الذي نال تنويهاً من اللجنة للكويتي حبيب حسين، عن محاولة إخراج الفن التشكيلي للناس في الساحات العامة من خلال رمزية الصورة والموسيقى وآراء العاملين في الفن التشكيلي. ونال جائزة أفضل فيلم تسجيلي «حياة طاهرة» لمهند دياب، عن كفاح امرأة مصرية وعملها في مجال البناء المخصص للرجال كي تعيل أطفالها. أما جائزة الفيلم القصير فذهبت إلى «ارجع لسطر» للتونسي بلال بالي عن كومبارس حالمة بالشهرة.
وفي قسم الأفلام العمانية، شارك اثنا عشر فيلماً بين تسجيلي وروائي قصير، فاز عن الفئة الأولى «ذاكرة الحجر» لحميد العامري، وعن الثانية «انعكاسات» لميثم الموسوي.
وكانت بادرة جيدة من المهرجان عرض الأفلام القصيرة والتسجيلية للطلاب في كلية الإعلام، فتلك خير وسيلة لنشر الثقافة السينمائية، وعسى أن تنسحب البادرة على كليات أخرى. أما جائزة كلية البيان للدراسات الإعلامية للأفلام الوثائقية والقصيرة، فحصل عليها المخرج فائق جرادة عن فيلم «مؤبد مفتوح»، وجائزة كلية البيان للدراسات الإعلامية للأفلام الوثائقية والقصيرة حصدتها رقية الوضاحية عن فيلم «تاجر الزمن»
_________
*الحياة

شاهد أيضاً

غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد

(ثقافات) غرناطة ..آخر الأيام: مسلسل الكاتب وليد سيف الجديد زياد أحمد سلامة    “غرناطة…آخر الأيام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *