*حنان كامل الشيخ
إذا كان أبطال المقاومة الشعبية الفلسطينية، هم من مواليد فترة لم تلحق بالانتفاضة الأولى وبعضهم حتى لم يشهدوا الانتفاضة الثانية، ولكنهم بلا شك وبفضل أدوات التكنولوجيا المطواعة بين أيديهم غصبا عن الاحتلال، عرفوا كيف يديرون دفة الاهتمام العالمي لهم، ولقضيتهم التاريخية العادلة، عن طريق أكثر الأسلحة تأثيرا على الرأي العام، والذي استندت إليه أدبيات ومبررات ومن ثم قرارات الكيان الصهيوني، طيلة العقود الماضية. هذا السلاح الفتاك اسمه الدعاية!
فالأمور كما يبدو جليا ومنتشرا على المواقع الالكترونية والصحف ووسائل الإعلام العالمية، قد فلتت من أيدي أخبث خلق الله في إدارة ورعاية و”ربربة” الدعاية الصهيونية، راعية القصة الكاذبة وسند التأييد الأممي الرسمي لإجراءاتها التعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح، ومن الرواية الجيدة لقصته الصادقة وقضيته الحقيقية.
هناك وكما هو ظاهر في الصورة الملتقطة والفيديو المنقول، عن الأحداث الدائرة في الأراضي الفلسطينية كافة، قرار غير معلن بخصوص نقل صورة المقاومة من الزاوية التي حشرتها فيها آلية الدعاية الصهيونية، ونشرتها كما أرادت هي خلال الستين أو السبعين عاما الفائتة، عبر أذرعها الإعلامية والسنيمائية الغربية، نقلها إلى براح التحرر والانعتاق الذي فتحت أبوابه تكنولوجيا الإعلام والتواصل الاجتماعي.
الصورة المنتشرة هذه الأيام، والمعنونة بالوجوه المبتسمة دائما للمقاومة والمقاوم الفلسطيني، عبرت القارات بكل انسيابية وجمالية حركة، لتصل إلى ملايين المعجبين بابتسامات جميلة ساحرة، ارتسمت على وجوه معتقلات ومعتقلين شبان يواجهون أحكاما قضائية في محاكم سريالية. وعلى شفاه موقوفات وموقوفين مكبلين بالأصفاد، يضحكون للكاميرات بسعادة غريبة. وعلى عيون وأهازيج أمهات صغار سمعوا عن استشهاد أطفالهم من نشرات الأخبار، وهن المطمئنات أنهم في مدارسهم. وعلى بقايا ملامح حية لشهداء جميلي الطلة، كانوا على وشك إخبارنا بسر الطمأنينة الآسرة، لولا بضع ثوان!
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الصورة، في الحرب بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال، عبر السنوات الطويلة الماضية، ومنذ الانتفاضة الأولى، والتي اجتذبت الرأي العام العالمي لها وكونت قاعدة لا بأس بها من المؤيدين والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية، كانت الأيدي الخفية للإعلام والسينما، في أهم محافلهما الدولية، تلعب لعبتها المحبوكة جيدا، لإعادة دفة الاهتمام للشعب “المسكين”، الذي لا يريد شيئا إلا العيش بسلام على أرض الميعاد، التي اضطر إليها!
وهكذا ومع ضعف الخطاب الإعلامي العربي، وتغييب القضية الفلسطينية عن الاهتمامات السنيمائية والتلفريونية، إلا ما رحم ربي، كانت تعود قوة تأثير الرواية الصهيونية لتحتل محل الصدارة، مكتسبة بالتالي الرأي الأوروبي والأميركي وفي الشرق الأقصى، وهو الذراع الشعبية للاتجاهات السياسية للأحزاب والحكومات، والذي نحجت الحركة الصهيونية في الالتفاف حوله، بفضل آلية الصورة والنص المحبوكين.
اليوم، وكما نشاهد ونلتمس من ردود الأفعال العالمية على الصورة المنقولة عن الحدث، والتي لا تقترب من الحقيقة بل هي الحقيقة بعينها، علينا، بل على الجيل الذي اخترع طرقا جديدة في المقاومة، كنا سنقابلها باستخفاف لو تم طرحها نظريا، عليهم أن يحافظوا على صورتهم النقية العادلة الخالية من الشوائب، لأنها بحق دليل لا يستهان به في حرب الحجة والادعاء.
أما بالنسبة لإعلامنا العربي البائس، والذي قدر أن يقف موقفا مخجلا أمام قوة الصورة وثباتها، وهو الذي أشبعنا لطما وعويلا على “شهداء” الرأي والعدالة الاجتماعية، فبدل أن يقتنص الفرصة ويبدأ بمشروع المقاومة الصورية المشروعة، تخلى عن ذكاء الالتقاطة بغباء مقصود.
ولا شك أن يوما قريبا سيأتي ليكشف زيف ادعاءاتكم المنحازة للإنسان، ويفضح عمالتكم للدولار الذي رتب لكم عناوين النشرة، ليصبح الخبر الفلسطيني في عز الحراك المقاوم، الثالث في ترتيب الأولويات، ثم يحتار محرر الأخبار في تسمية الشهداء، ما بين ضحايا أم قتلى!
_____
*المصدر: الغد.