سينما الشيطان

سينما الشيطان
رندة فودة

 فى كتاب (سينما الشيطان) للدكتور ناجي فوزي تتضح ملامح الصراع بين الخير على الشاشة الكبيرة ودور الشيطان في هذا الصراع، وكان من الطبيعي للسينما أن تنحو نحو الفنون والآداب جميعًا، التي ومنذ فجر الكتابة، جعلت معظم هم مواضيعها منصبًا على الصراع بين الخير والشر، ولسنا في حاجة هنا، بالطبع، إلى القول إنه حينما يوجد الشر يكون الشيطان حاضرًا. لكن هذا الحضور لا يكون دائمًا علنيًا وواضحًا.

بمعنى أن الشيطان لا يحضر في الأعمال جميعًا من خلال وجوده الجسدي، بل من خلال وسوسته واشتغاله على الذهنيات، مغويًا ممارسي الأفعال الشريرة باقتراف أفعالهم التي غالبًا ما تكون جرائم، غير أن ثمة سينمائيين كثيرين آثروا بين الحين والآخر ألا يرمزوا إلى الشيطان بأية رموز من خارجة حتى وإن كانت فكرية، ليظهروه مباشرة أمام أعيننا على الشاشة، في تقلباته وإغواءاته وفعله في حياة ضحاياه، علمًا أن ضحية الشيطان غالبًا ما تكون، في نهاية الأمر أداته لا فريسته. ولعلنا لا نعدو الحقيقة في هذا الإطار إن نحن أشرنا إلى أن الشيطان لكي يفعل لا بد له من أدوات، إن هزيمة الشيطان، في السينما .

كما في غيرها، لا تكون عادة في القضاء على الشيطان وإن كان حاضرًا في العمق، بل في القضاء على أدواته التي هي – إذ غالبًا ما تكون كائنات بشرية ضعيفة- من يدفع الثمن، طالما أنه ليس ثمة عمل ينتهي بالقضاء النهائي على الشيطان الذي نعرف كما تقول لنا الأديان، إنه سيبقى في هذا الكون طالما يبقى الإنسان فيه. ويقول المؤلف: طبعًا نعرف أن هذه الفكرة رمزية تعبر عن جانبين أساسيين من كينونة وجود الإنسان على وجه الأرض.

وأن الأديان إذ تتحدث عن ذلك المخلوق، لا تحدثنا أبدًا عن وجود جسدي له، بل عن وجوده الرمزي «الجواني» في سياق الطبيعة البشرية. لكن السينما حولته في أحيان كثيرة إلى كائن مرئي، وغالبًا تحت ملامح نجوم كبار، لعل أبرزهم في زماننا هذا «جاك نيكلسون في فيلم «أيستوبك» وآل باتشينو في «محامي الشيطان». ونحن لم نذكر هذين الفيلمين إلا على سبيل المثال، ولأنهما الفيلمان الأكثر شعبية في أزماننا الحديثة هذه.

أما الواقع فإن الشيطان، باسمه المباشر Devil بالإنجليزية وDiable بالفرنسية (بين لغات أخرى) يظهر من عناوين ما لا يقل عن مئتي فيلم. أما ظهوره في أفلام لا تحمل عناوينها اسمه، فيشمل آلاف الأفلام، هذا ناهيك عن ظهوره بأسماء مختلفة (مغيستو فليس، نوسفراتو…) في أفلام لا تحصى. وهنا لا بد أن نذكر أنه منذ سنوات بدأ يظهر في عناوين أفلام عديدة باسمه المرتبط بلقبه العربي Satan، بل هو يظهر في فيلم فرنسي بدأ عرضه مع بداية عام 2006م، باسم Chaitan أي باسمه العربي المباشر. فهل نحن في حاجة هنا إلى القول إن اسم الشيطان في عناوين الأفلام يبدو جاذبًا للجمهور دائمًا؟

وهل نحن، بعد هذا، في حاجة لإضافة أن حضوره المباشر في الأفلام يبدو أكثر جاذبية أيضًا؟ والسؤال هنا، قد يطاول بالنسبة إلينا، فن السينما، لكنه قد يشمل أيضًا كل أنواع الفنون بما فيها الحكايات الشعبية الفولكلورية التي وجدت دائمًا في الشيطان مادة للكتابة وإثارة الإعجاب منذ فجر التاريخ.

والحقيقة أن أساطين التحليل النفسي كثيرًا ما اشتغلوا باحثين عن سر جاذبية الشيطان في الأدب والفن، وفي مقدمة هؤلاء عالم التحليل ومبدعه سيغموند فرويد الذي أفرد للأمر كتابًا، أو جزءًا من كتاب، درس فيه حكاية واقعية تتحدث عن عهد ــ يشبه عقد فاوست مع الشيطان في مسرحية غوته الشهيرة ــ قام خطيًا بين رسام والشيطان، يكاد يشبه عقد رواية «صورة دوربان غراي» لأوسكار وايلد.

في كتابه هذا لم ينكر فرويد وجود الشيطان (أمير الشر) لكنه بدلاً من أن يبحث عن سره في الميثولوجيا أو في العالم الخارجي، راح يفتش عنه وعن ماهيته وأدواره في الحياة الداخلية للإنسان. أما السينما فإنها بسبب كونها صورة ــ عمدت إلى جعله كائنًا مجسدًا، أحيانًا ذا شكل إنساني -وسيم حسن- ولكن في أحيان أخرى ذا شكل حيواني مرعب أو شكل هلامي غير محدد.

ولكن أيضًا انطلاقًا من تصور سياسي مرمّز غالبًا. فالسينما أو الجزء المتقدم منها على أية حال – في لحظات القمع والاضطراب السياسي، عرفت دائمًا كيف تجعل من الشيطان كناية عن سلطة قامعة فاشية. وحسبنا هنا أن نقرأ كتاب «من كاليغاري إلى هتلر» للباحث الألماني سيغفرايد كراكور، حتى ندرك بدءًا بالعنوان التي يربط بين الدكتور كاليغاري وعيادته في فيلم ألماني صامت يعود إلى عام 1919م، بهتلر وسلطته وصعود النازية في ألمانيا – كيف أن السينما التعبيرية الألمانية، بين 1919م و1933م استعملت الشيطان لتدل به على هتلر، في مجموعة من أفلام أسست لحضور الشيطان الجدي في السينما، باسمه الصريح أو بأسمائه الرمزية..

وحسبنا أن نذكر أن زميلة لكراكور (هي لوتي أيزنر) عنونت، هي الأخرى، كتابًا لها عن نفس المرحلة بـ«الشاشة الشيطانية» لتتحدث عن الحضور «المسيّس» للشيطان في الفن السينمائي الألماني.لكن الشيطان لم يحضر دائمًا في السينما، لغايات سياسية.. حضر أيضًا لغايات وعظية أخلاقية (مثلاً في السينما العربية في فيلم يدعى «المرأة التي غلبت الشيطان».

حيث قدم في صورة شديدة السذاجة، علمًا بأن السينما العربية لم تعالج أبدًا مسألة الشيطان بشكل مباشر).. وحضر كذلك وخاصة لأسباب سيكولوجية وترويجية. غير أن ما لا بد من ملاحظته هنا، هو أن الشيطان إذا كان يحضر في السينما بشكل متفرق ودائم، فإن حضوره يزداد في أزمنة التأزم على الصعيد المحلي أو العالمي (المحلي بالنسبة إلى البلد الذي ينتج فيه الفيلم، والعالمي بالنسبة خاصة إلى السينما الأميركية التي هي السينما العالمية بامتياز).

الكتاب: سينما الشيطان

تأليف: د. ناجي فوزي

الناشر: مكتبة الشروق الدولية القاهرة 2012

الصفحات: 265 صفحة

القطع: المتوسط.

( البيان )

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *