ثلاثة عرب في القائمة الطويلة لجائزة دبلن العالمية للأدب




*تحسين الخطيب



لا تكمن أهمية “جائزة دبلن الأدبية العالميّة” في قيمتها المادية الكبيرة فحسب، والتي تجعل منها واحدة من كبريات الجوائز الأدبية في العالم، بل في الطريقة الفريدة التي يتم بها اختيار الأعمال المترشحة؛ توجه الدعوة إلى المكتبات العمومية في المدن العالمية الرئيسية لاختيار أعمال “ذات قيمة أدبية عالية”، وفق الرؤى والمعايير الخاصة بكل مكتبة، ودون أن تكون ثمة شروط “جماليّة”، أو معايير، مفروضة سلفا من قبل مجلس إدارة الجائزة.

وتقوم كل مكتبة بترشيح ثلاث روايات فقط في كل عام، ضمن نظام مكتبيّ محدد، تديره هيئة المكتبات العمومية في دبلن، يسمح لها بالتواصل مع ما يزيد عن 400 مكتبة في أكثر من 177 بلدا مختلفا.
ولا تشترط الجائزة سوى أن تكون الرواية مكتوبة بالإنكليزية، أو مترجمة إليها، على أن يكون العمل المترجم قد صدر في لغته الأصلية في السنة ذاتها التي تنشر فيها الترجمة. ثم يتم اختيار هيئة تحكيم من شخصيات عالمية، تنحصر وظيفتها في تقليص القائمة الطويلة إلى قائمة قصيرة من عشر روايات، تعلن في الثاني عشر من شهر أبريل، ثم تنخرط اللجنة في نقاشات معمّقة للأعمال المتنافسة، لاختيار كتاب واحد ينال الجائزة في حفل يعلن في شهر يونيو من كل عام.
وتضم لجنة التحكيم لهذا العام كلا من الروائية الأسترالية ميغان ديلونت والروائي الأيرلندي كارلو غيبلر والروائي والناقد الإنكليزي إيان سانسوم والمترجمة البلغارية إيغليكا فاسيليفا والروائي المكسيكي خوان بابلو بيّالوبوس، فيما يرأس اللجنة الروائي الأميركي هون يوجين سوليفان، الرئيس السابق لمحكمة الاستئناف في أميركا.
ألمانيا الأولى
انطلقت الجائزة في العام 1994، بمبادرة مشتركة من طرف مجلس بلدية دبلن وشركة “IMPAC” الأميركية التي يقع مركز إدارة فروعها الأوروبية في العاصمة الأيرلندية. وظل اسم الشركة مرتبطًا بالجائزة حتى توقفت عن العمل في نهاية العشرية الأولى من القرن الحالي، جراء المصاعب التي واجهتها بعد موت مؤسسها جيمس إرون في العام 2009. وفي العام 2013، وبسبب عدم قدرة الشركة على دفع قيمة الجائزة، وافق مجلس بلدية دبلن على تمويلها من خزانة أمواله الخاصة، حتى يتم العثور على راع آخر. ولكنّنا نلاحظ، في الدورة الحالية للجائزة، أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن القائمة الطويلة دون اقتران اسم الجائزة بالشركة الأميركية، لتصبح معروفة باسم “جائزة دبلن الأدبية العالميّة” فقط.
وتشتمل القائمة الطويلة، في دورتها الحادية والعشرين لهذا العام، على 160 رواية صادرة بتسع لغات مختلفة، مختارة من طرف 118 مكتبة في 44 بلدا، وهو رقم يفوق عدد القائمة الطويلة للعام الماضي بثماني عشرة رواية. نصيب الكتب المترجمة من هذا العدد 53 عملا ؛ تتصدرها ألمانيا بإحدى عشرة رواية.
امرأة شرقية
وقد تمكن من بلوغ قائمة الجائزة هذا العام ثلاثة روائيين من أصول عربية هم: ربيع علم الدين بروايته “امرأة غير ضروريّة”، وليلى العلمي بعملها “حكاية المغربيّ”، ودومينيك إدّه عن روايتها “كمال جان”.
“امرأة غير ضروريّة” هي العمل الخامس لربيع علم الدين، المولود بعمّان سنة 1959 لأبوين لبنانيّين. وقد سبق لروايته، هذه، أن فازت بالميدالية الذهبيّة في القَصّ ضمن جوائز كاليفورنيا للكتاب في العام 2014، كما تنافست على جائزة الكتاب القومي وجائزة حلقة نقاد الكتاب القومي في السنة ذاتها على حدّ سواء. بطلة الرواية هي عالية صبحي، لبنانية في الثانية والسبعين من عمرها، تعيش منعزلة في شقتها الكبيرة ببيروت. مدفوعة “برغبة جامحة تجاه الكلمة المكتوبة”، تشرع عالية في بداية كل عام في ترجمة رواية تحبّها إلى العربية، “فالأدب صندوقها الرمليّ… والعالم الحقيقيّ ساعتها الرملية التي تتقطر ذرّة إثر أخرى”.
تنجز عالية، في رحلة حياتها الطويلة -وهي محاطة بأعمال تولستوي وكونراد وفوكنر وهيمنغواي ودوستويفسكي وكالفينو وبورخيس ونابكوف وخابيير مارياس وساراماغو وروبيرتو بلانيو، وغيرهم من الكتاب والفلاسفة والمخرجين السينمائيين والمؤلفين الموسيقيين والرسامين- ترجمة لنحو 37 رواية، تعمد إلى حفظها، دون أن تطلع عليها أحدا، في صناديق منفصلة، تكدسها فوق بعضها البعض في الحمّام وفي غرفة الخادمة الشاغرة. عالية صبحي مثال المرأة الشرقيّة التي “تقتلها الحياة، فيحييها الأدب”، تتزوج أمّها من رجل آخر بعد وفاة والدها في ريعان شبابه، فتشعر في قرارة نفسها بأنها قد أصبحت “زائدة على العائلة، وبأنها ملحق غير ضروريّ”. إنها مثال المرأة الشرقيّة التي تقرّر، بعد طلاقها من زوجها، “الحشرة العنّينة”، وهي لا تزال في العشرين من عمرها، أن تعيش لوحدها في “جلود كتّابها المفضلين”، فهي “الجسد الطافح بالجُمل واللحظات، والقلب المشرق بالتعاريج الرائعة للعبارات التي لا تتلامس البتّة”.

الانتقام من القاتل
وأمّا دومينيك إدّه، فهي روائيّة فرنسية من أصول عربية، ولدت في بيروت سنة 1953. عرفت بوصفها محرّرة الطبعة الفرنسية من كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد، ومترجمة للكثير من أعماله الأخرى. تسرد روايتها الحالية، “كمال جان”، الحاصلة على جائزة رابطة القلم البريطانية لأفضل رواية مترجمة، حكاية كمال جان، المحامي السوري صاحب الماضي المضطرب.فعندما كان صبيّا، يقدم عمّه، رئيس المخابرات السوريّة، على قتل والديه تاركا كمال يتيما وهو في الثانية عشرة من عمره.
وفي محاولة من عمّه التكفير عن جريمته، يتكفل بمصاريف تعليم كمال، حتى يصبح محاميا ناجحا يعمل في مدينة نيويورك. وفي أثناء عيشه في منهاتن، تصل إلى مسامعه أخبار بأنّ عمّه يحضر لهجمة إرهابيّة على باريس، ينفذها مراد، شقيق كمال، والذي ينتمي إلى أحد فصائل الجهادية السلفيّة. ولكي ينقذ مراد، ويحقق رغبته الدفينة في الانتقام لمقتل والديه، يضطر كمال إلى التعاون مع وكالة المخابرات المركزية لاغتيال عمّه. شخصية كمال في الرواية شخصية هادئة على السطح، ولكنها تخفي في داخلها جنونا مستعرا يجعل من المستحيل على أيّ شيء أن يحول دون محاولته القضاء على عمّه وإسقاط النظام السوري.
الترشيحات لم تغفل عن أعمال الروائيين الشبان كالأسترالي عمر موسى والبنغلاديشي ضياء حيدر رحمن
سيرة متخيلة
وأمّا ليلى العلمي، فهي كاتبة أميركية من أصول مغربيّة، ولدت بالرباط سنة 1968. انتقلت في العام 1992 للعيش في أميركا، وحصلت على درجة الدكتوراه في اللغويات من جامعة جنوب كاليفورنيا. صدرت روايتها الأولى، “الأمل ومطاردات خطرة أخرى” سنة 2005 (وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة أوريغن للكتاب)، وفي العام 2009، نشرت روايتها الثانية، “ابن سريّ”، والتي كانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة أورانج البريطانية.
وأمّا روايتها الحالية، “حكاية المغربيّ”، فهي سيرة متخيّلة لإستيفانيكو (أو مصطفى الزّموري)، العبد المغربي الذي يُعدّ أول أفريقي تطأ قدماه سواحل فلوريدا بالولايات المتحدة الأميركية. كان قد أُخذ، بعد أن بيع في سوق الرقيق، في بعثة استكشافية أبحرت في العام 1527 من ميناء شَلُوقة في طاقم يتكون من ستمئة رجل ومئة حصان، بقيادة القشتاليّ بانفيلو دي نارفاييث. لم ينج من البعثة التي كان هدفها ضمّ المنطقة التي تعرف الآن بساحل خليج الولايات المتحدة إلى التاج الأسباني. وما إن حطّت البعثة الرحال في فلوريدا، حتى ضربتها المجاعة وهجمت عليها الأمراض، فلم ينج من الطاقم سوى أربعة، كان إستيفانيكو أحدهم.
“حكاية المغربيّ” رواية تاريخية، لا تسرد التاريخ وفق الحكاية التي كتبها النّاجون، بل تجعل من اللغة المتخيّلة تاريخا للحكاية التي لم يقلها أحد.
وقد سبق لهذه الرواية أن فازت بجائزة الكتاب الأميركي وجائزة الكتاب العربي الأميركي وجائزة إرث هيرتسن/رايت على حد سواء، كما ترشحت لجائزة المان بوكر وجائزة البوليتسر في العام 2015.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يترشح فيها للجائزة روائيّون من أصول عربيّة؛ فقد نال ديفيد معلوف الجائزةَ في العام 1996 عن روايته “تذكُّر بابل”، والطاهر بن جلون في العام 2004 عن روايته “تلك العتمة الباهرة”، وراوي الحاج في العام 2008 عن روايته “لعبة دي نيرو”.
القدامى والجدد
ولا تخلو قائمة الدورة الحالية من أسماء روائيّة بارزة، كالياباني هاروكي موراكي بروايته “تسوكورو تازاكي الشاحب وسنوات حجّه”، والبرازيلي باولو كويلو عن روايته “زنى”، والأيرلندي كولم تويبن بروايته “نورا وبستر”، والبريطاني مارتن إيميس بروايته “منطقة المصالح”، والجامايكي مارلون جيمس بروايته “سبع جرائم قتل” (والتي فازت بجائزة المان بوكر في العام 2015)، والكندية ريتشل كاسك بروايتها “خلاصة” (القائمة القصيرة لجائزة فوليو وجائزة بيليز وجائزة غيلر في العام 2015 على حد سواء)، والبريطاني إيان ماك إيوان بروايته “قانون الأطفال”، والأميركية مارلين روبنسن بروايتها “ليلى”، والأسكتلندية آلي سميث بروايتها “كيف نكون كليهما معا” (جائزة كوستا للكتاب 2014، وجائزة بيليز للرواية النسوية في العام 2015)، والأميركي أنطوني دورَر بروايته “كل النّور الذي لا نستطيع أن نراه” (والتي فازت بجائزة البوليتسر في القَصّ للعام 2014)، والأسبانية كارمن بولّوسا بروايتها “تكساس: السرقة العظمى”.
ولم تغفل الترشيحات عن أعمال الروائيين الشبّان الذين يتصدرون مشهد الرواية الجديدة في بلدانهم، على رأس هؤلاء: الأسترالي عمر موسى بروايته “هي ذي تأتي الكلاب”، والبنغلاديشي ضياء حيدر رحمن بروايته “في نور ما نعرف”، والهولندي قادر عبدالله بروايته “الملك”، والماليزي نازهران خوسيه أحمد (نصران أحمد بن حزام) بروايته “شفرة مايكل أنجلو”، والدنماركي جوناس بنغتسون بروايته “حكاية خرافية”، والسويسري باتريك بولتشوسر بروايته “جنادل”، والألمانية شتيفاني دي فيلاسكو بروايتها “حليب النمور”، والبرازيلي دانيال غاليرا بروايته “خبز منقوع بالدم”، والأوكرانية ماريانا غابونينكو بروايته “مَن هي مارثا؟”، والأوزبكي حميد إسماعيلوف بروايته “البحيرة الميّتة”.
ومن الروائيين الذين سبق لهم الفوز بالجائزة: هيرتا مولر في العام 1998، وأورهان باموق في العام 2003، وجيم غرايس في العام 2015.
__________
*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *