الإسبانية ليتا كابيوت ترسم تعابير بصرية في «لون الندى»


*محمد أبو عرب


تطرح الفنانة الإسبانية ليتا كابيوت في معرضها «لون الندى» الذي يستضيفه غاليري «أوبرا» في دبي، واحدة من الأطرواحات التي لم يتوقف الفن عن معالجتها، والمتمثلة في جماليات الشكل البشري، وما يمكن أن يكشفه البورترية من قراءات عميقة للنفس الإنسانية، فتعمل على تقديم صورة لونية غنائية للمرأة، تفتح فيها الباب من جديد على سلسلة غير متناهية لقراءة البورترية، وما يمكن أن تثيره جماليات المرأة بصورة عامة. 
وتكشف الفنانة في معرضها الذي يتواصل حتى الثامن والعشرين من الشهر الجاري، عن رؤية متفردة في العمل الفني، تشتغل فيها على طاقة اللون وقدرته على الانسجام مع موضوع اللوحة، إذ تظهر في أعمالها الغنائية اللونية التي تصل فيها إلى روح المرأة، فشخصيات لوحاتها تبدو أشبه بنساء متمردات، وأخريات هاربات من فوضى الحياة، إلى جمالهن الداخلي، وصفاء أرواحهن. 
يظهر ذلك الاشتغال على المرأة الصامتة الوحيدة في اللوحة، وكأن الفنانة تحوّل التعبير اللغوي من شكله المنطوق على شفاه شخصيتها، إلى تعابير بصرية لونية تتجلى في اختيارتها لمشهد المرأة في لوحتها، فتحضر نساء الفنانة بفساتين مزخرفة، وألوان صاخبة، يجلسن، على أرائك، ومقاعد، ويحتضن قبضة من الورد، ولا يظهر مما يردن قوله غير لمعة عيونهن، وشكل شفاههن، وسكون أيديهن. 
ترسم كابيوت كل ما تريد عن المرأة بعفوية العارف، والخبير في المساحة، واللون، والشكل، ودلالة كل ذلك في كادر العمل، فتصل مع المتلقي إلى عمق المرأة من خلال توظيفها الالتقاطات القريبة جداً لوجه المرأة، التي تتجاوز البورتريه وتصل إلى تعابير الوجه بكل ما يمكن أن تفصح عنه الملامح. 
وتعمل كابيوت على تحولات المرأة وسيرة صمتها، وجمالها، بتقنيات متعددة، أبرزها المساحة الكبيرة للوحة، فغالبية أعمالها تأتي بأحجام كبيرة، وتكاد الأعمال المعروضة في «لون الندى» تكون الأصغر من حيث الحجم مقارنة مع تجربتها السابقة في الموضوع ذاته. 
تعرف كابيوت أثر المساحة بصرياً في المتلقي، فتضخم الشكل لتضاعف أثره، وتكشف عن جماليات تفاصيله الدقيقة، فرغم عملها على اللوحة في الإطار التعبيري، إلا أنها تقترب في الكثير من لوحاتها إلى الواقعية، لتفتح بذلك مساحة أوسع على معالجة التفاصيل، والكشف عن كوامن وجه المرأة، سواء في اللون، أو الخط، أو الشكل، حيث تتحول وجوه أعمالها إلى فضاء مشرع على القراءة جمالياً.
إلى جانب ذلك تعمل الفنانة على صورة المرأة في مختلف ثقافات العالم، وما يمكن أن تطرحه من موضوع شاعري، جمالي، قابل للتأويل في مسارات بصرية متعددة، إذ ظلت المرأة في الكثير من الثقافات تشير إلى مفهوم الخصب، والجمال، والأمومة، والأرض، والحب، والفرح، وغيرها من المفاهيم، فتختار الفنانة من بين ذلك دلالات كثيرة، يعلو فيها صوت المرأة الجميلة، المرتبطة بالحب، وفكرة القصيدة، والواثقة بجماليات حضورها كفكرة وشكل. يتجلى اشتغالها ذلك في ملامح النساء التي تختارها في لوحاتها، فكل منهن تنتمي إلى عرق وسلالة مغايرة، فمنهن المرأة الأوربية الشقراء، وأخريات ذات الأصول اللاتينية، إضافة إلى نساء شرق آسيا، والمرأة العربية، وغيرها من أجناس النساء في العالم.
ليس ذلك وحسب فكابيوت تحاول إنتاج علاقات متقابلة ومنسجمة في موضوع المرأة في أعمالها، فترسم في الكثير من الأعمال المرأة الحاملة لقبضة الورد، أو المبعثرة لها، وكأنها بذلك تفتح منفذاً على سلسلة العلاقات المتشابهة بين المرأة والوردة، فكلتاهما ظل على الصعيد الأدبي والإنساني بصورة عامة، يرتبط بالحب، والجمال. 
شكّل ذلك كله فرصة أمام الفنانة للانتقال من الزوايا القريبة للشكل في أعمالها إلى الزاويا الأكثر اتساعاً، إذ تنوعت الأعمال بين لوحات تقترب من وجوه النساء، وأخرى تبتعد لتظهر صورهن كاملة بالأثواب المزخرفة. 
ولم يقتصر المعرض على ذاك المزاج من الأعمال التعبيرية الواقعية المتتبعة لجماليات المرأة في العالم وحسب، وإنما انفتح على تجربة الفنانة في النحت، والأعمال ذات التعبيرية الخالصة.
تؤكد الفنانة ارتباط رؤيتها بالجماليات الشعرية للمرأة من خلال اختيارها لعنوان المعرض، فالمرأة تتحول في أعمالها إلى قطرة ندى، وما كل محاولاتها اللونية المتواصلة سوى محاولة لتلوين الشفاه، واللامرئي، أي «لون الندى». 
____
*الخليج

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *