*فاطمة أحمد
خاص ( ثقافات )
وسط السباق الثقافي تجاه الرواية التي ستحظى بجائزة بوكر العربية عام 2016م، سارعت كغيري من الأكاديميين، والمهتمين بعالم الأدب إلى قراءة عدد لابأس به من الروايات التي رشحت للفوز بهذه الجائزة.
ومن بين هذه الروايات التي قرأتها “نوميديا” للروائي المغربي طارق بكاري، التي تحكي حياة “مراد” الرجل الأمازيغي اللقيط، والذي عانى التهميش والإقصاء من قبل مجتمع قريته “إغرم” المغربية، فيتم طرده من القرية ليعيش في المدينة حالة تأزم، وضياع، وانكسار بين ذكريات الماضي، وشقاء الحاضر والذي يظهر في تعدد علاقاته مع المرأة، تلك المرأة التي تكون حاضرة بقوة في النص الروائي عبر جسدها. إنه الجسد الذي يجمع بين الشخصيات النسوية داخل المتن السردي، فجوليا، وخولة، ونضال، ونوميديا… كلهن جسد من رؤية مراد الشخصية الرئيسية في الرواية.
ثمّة أمران مهمّان يتركز عليهما المتن السردي في رواية نوميديا هما:
– الآخر: وهو المستعمر الذي يشكل طيفه حالة من الخوف والخطر، ولا يظهر إلا في نهاية السرد عبر الشخصية الفرنسية جوليا.
– المرأة: التي تكون حاضرة دائماً بجسدها.
توقفني عبارات من مثل: “أمّا الجسد … يا للعنة الجسد!” “تطوّق خصرها العاري بيديها كعارضات الأزياء، وتقترب شيئاً فشيئاً وعطشي إليها يقفز..” “وشهيقها يعلو وينكسرُ ليستحيل إلى زفراتٍ متقطّعة، ثم وأنا أتابع تأوّهاتها بلذّة، مددت يدي إلى مواطن ضعفها.” “حين التحم جسدانا كانت يداها تشتبك بالندوب الراسية على ظهري وتئن، وتتأوّه، وتصرخ بكلّ ما فيها من جنسٍ وشهوةٍ، وتستزيدني بلهفة كأن عطشَ سنين يسكن هذه المرأة الفتنة!” إنها عبارات مخيّبة جداً!!! فلو توغلنا في النسق الثقافي المضمر لهذه التراكيب وغيرها سنجد االخطاب الذكوري الذاتي الذي يعبر به عن نفسه أكثر من مخاطبة الآخر. إذ ثمّة علاقة ثقافيّة مضطربة بين الرجل والمرأة داخل المتن السردي، فصارت المرأة في هذه الرواية موضوعاً للمتعة والنشوة!!
ولا يخفى على المتلقي التغييب المتعمّد للصورة الحقيقية للمرأة في رواية نوميديا، فثمة نماذج نسوية كثيرة في حياتنا: الأم المكافحة، المثقفة الواعية، الزوجة النبيلة… لا نجد أثرها في هذه الرواية.
لا أنكرُ دور الجسد في تكوين صورة المرأة، لكن من الخطأ الفادح اختزال المرأة إلى جسد فحسب، ومن ثمّ استبعاد الأبعاد العميقة لنفسية المرأة، وأحاسيسها، ومشاعرها، وطريقة تفكيرها، وكل ما يتعلق بعالمها!!
لم أعثر على الجمال في ظل الإغراق التام في عالم الجسد، وأتساءل ما السبب الذي يدفع كتّابنا ليظلّوا منغمسين في درك الجسد. لماذا يصرّ كتابنا على تحويل الجماليات إلى اللاجماليات في نصوصهم ليصبح اختراق المحظور الشغل الشاغل للروائيين الذي يريدون تثبيت مكانٍ لهم في الصف الأوّل في الساحة الثقافية- الأدبيّة!! باعتقادي لا شيء يشفع للتدهور القيمي، والانحدار الأخلاقي!! ألا يعلم كتّابنا العرب الأعزّاء أن مواضيعاً مثل “التحرش الجنسي، أو العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة، أو اختراق تابو الجسد…” باتت مكررة، ومشوّهة، ولم تعد تهمّنا.
بوصفي فتاة سوريّة شابة تعيش في ظلال حرب لم يتوقف منذ خمس سنوات، أبحث في سطور الرواية عن الحكمة، والسكينة، تلك التي تأخذني للاستلقاء على شاطئ السلام وتأمل الجميل، وربما التوغل في جماليات القبح، لكن بعيداً عن ثقافة الاختراق، وتعدي المحظورات سواء أكانت اجتماعية، أو سياسية، أو دينية.