*أثيل حمدان
للأوبرا الهزلية أو الكوميدية الكثير من المحبين، وكان قد انتشر هذا النوع بشكل كبير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحتى أربعينيات القرن التاسع عشر. وبرز بين أهم مؤلفيه:
روسيني، دونازيتي، موزارت. ومن أشهر إبداعاته الأخير الكوميدية (كلهن هكذا)، التي تقع في فصلين وتدور أحداثها في مدينة نابولي الإيطالية، خلال منتصف القرن الثامن عشر. إذ عرضت للمرة الأولى في عام 1790. وكتب نصها الشعري المعد خصيصاً للغناء الأوبرالي، شريك موزارت في الكثير من الأوبرات، الشاعر لورنزو دابونتي.
الفصل الأول
في أحد المقاهي يظهر دون الفونسو، الكهل الأعزب مع اثنين من الضباط الشبان: فيراندو وجوليلمو، وهم يتبادلون الحديث في هدوء. ثم يحتد النقاش بينهم لأن دون الفونسو يؤكد أن جميع النساء لا يعرفن الإخلاص. أما الشابان فاحتجا بشدة مؤكدين أن الفتيات من أمثال خطيبتيهما، لا يمكن أن يغدرن بمن منحهن الثقة.
ويظل الثلاثة يتناقشون، بلا أن يتمكن أيهم من إقناع الآخر. فيعقد دون ألفونسو مع الشابين رهاناً قدره مبلغ كبير من المال، وفحواه أن فتاتيهما لن تظلا على إخلاصهما لو تعرضتا للامتحان. يقبل الشابان الرهان ويوافقان على شرط تمثيل أي دور يطلبه منهما دون الفونسو، ذلك ليثبت وجهة نظره.
في الحديقة
ينقلنا موزارت في المشهد التالي، إلى حديقة منزل الشقيقتين: «فيوردليجي» و«دورابيللا». فنراهما تغنيان أغنية تعبر عن حبهما السعيد. ثم يدخل دون الفونسو ليخبرهما أن خطيبيهما سيغادران المدينة غداً ضمن فرقتهما العسكرية، متوجهين إلى منطقة الحدود. فيدخل الضابطان ويودعان الفتاتين ويتبادل الجميع الوعود على الوفاء الأبدي.
وفي المشهد التالي، نرى الخادمة الشابة (دسبينا) وهي تشكو من كثرة طلبات سيدتيها (الأختان) وتنوع أوامرهما.. بعد برهة، يتسلل دون الفونسو فيجد دسبينا بمفردها، فيلمح إلى استعداده لرشوتها مقابل مساعدته، فتوافق بخبث.
فصول المؤامرة
يستدعي دون الفونسو شابين من الخارج، ويقدمهما لدسبينا كضيفين من ألبانيا.. ولكنهما في الحقيقة ليسا إلا فيراندو وجوليلمو متنكرين، ذلك لإخفاء حقيقتهما عن الفتاتين.
فتفاجأ الفتاتان فعلاً برؤية رجلين غريبين يركعان أمامهما.. وحينها، تنهرهما الفتاتان وتقولا، إنهما تحبان خطيبيهما. فيدخل دون الفونسو، ويقول إن هذين الشابين من أصدقائه، ليعاود الشابان الإعراب عن حبهما، لكن الفتاتين تقولان إنه لا شيء في العالم، يمكن أن يحولهما عن الوفاء لحبيبيهما..
وهنا يرقص الشابان فرحاً يعرضان على دون الفونسو أن يتنازلا عن نصف قيمة الراهن. لكنه يقول إن ابتهاجهما سابق لأوانه ويطلب متابعة التمثيل، مؤكداً أنه سيضحك في النهاية. فينصرف الشابان سعيدين، ويبقى دون الفونسو مع دسبينا التي تطمئنه أنه سيكسب الرهان.
الحب عن طريق الموت
في المشهد التالي، نتبين الأختين في الحديقة، وفجأة يدخل الشابان المتنكران.. ثم يتجرعا زجاجتين صغيرتين ويقعا على الأرض. ولحظتذاك، يصرخ دون الفونسو: إنهما تناولا سماً.
ويطلب من دسبينا الذهاب معه للبحث عن طبيب. فتضطرب الفتاتان وتقتربان من الشابين لمحاولة تخفيف آلامهما. ويعود دون الفونسو مع الطبيب (دسبينا متنكرة) الذي يخرج من حقيبته أداة غريبة يحركها فوق الشابين فتعود إليهما الحياة.
ولكنهما يتظاهران بحديثهما أنهما يظنان أنهما انتقلا إلى العالم الآخر، وأن الفتاتين من الملائكة، ولكن عندما يؤكد لهما الآخرون أنهما لم يموتا، يطلبان من الفتاتين مكافأتهما بقبلة على ما تحملاه من أجلهما من معاناة وعذاب.. فترفضان.
الفصل الثاني
يبدأ الفصل الثاني في منزل الشقيقتين، حيث تغني دسبينا شارحة لهما آراءها في الحب، وساخرة من تزمتهما. إذ تقول، إن النساء خلقن كي يعشقهن الرجال وأنهما تحرمان نفسيهما من السرور.
وتظل تؤكد وجهة نظرها إلى أن تنجح في زحزحة موقفهما الصارم قليلاً وتسأل: ماذا سيحصل لو قدر لهما أن تلتقيا من جديد بهذين الشابين، فيدخل دون الفونسو ويدعو الأختين إلى شاطئ البحر لأنه أعد لهما مفاجأة سارة هناك. وبالقرب من الشاطئ، نرى قارباً صغيراً وفي داخله الشابان المتنكران وهما يغنيان أغنية شاعرية. وعندما تصل الفتاتان ينزل الشابان لتحيتهما ولكنهما تتلقيان التحية بتحفظ.
يبتعد دون الفونسو ليخلو الجو للعاشقين. فيطلب جويليلمو من دورابيللا (خطيبة صديقه) محادثته، وتوافق في دلال. بينما يصطحب فيراندو أختها فيورد ليدي في نزهة على الشاطئ. ثم يقدم جوليلمو لدورابيللا عقداً في طرفه قلب، فتعطيه عقدها الذي يحمل حلية تحتوي على صورة لخطيبها فيراندو، ويسيران معاً بلطف.
لكن، وبعد مسافة بسيطة في مشوار الجانبين، يعود فيراندو الذي لم يكن موفقاً في مغازلة خطيبة صديقه، حيث ردت فيوردليجي على عبارات الغرام بالشتائم والعبارات القاسية، وقالت له إنه نذل يحاول خداعها.
وعقب قليل، يقص الشابان، كل على الآخر، ما جرى لهما. فيخبر فيراندو صديقه أن حبيبته فيوردليجي صدت محاولاته وظلت على إخلاصها لحبيبها. ويسر جوليلمو كثيراً. لكنه يخبر صديقه أن خطيبته دورابيللا لم تكن بالوفاء نفسه، ويريه عقد دورابيللا الذي يحمل صورته، فيجن جنون فيراندو ويقسم على الانتقام. غير أن جوليلمو يهدئ من غضبه ويقول له إن دون الفونسو ربما على حق في أن كل النساء لا يعرفن الإخلاص والوفاء.
في المشهد التالي، تعرب دورابيللا عن أسفها لأنها استجابت لتوسلات الألباني (شكل التنكر)، بينما تفخر فيوردليجي بوفائها لحبيبها جويليلمو. فتقول فيوردليجي، إنها تملك في خزانة ثيابها ملابس عسكرية، وتقترح على أختها التنكر في زي جنود لتلحقا بخطيبيهما. لكن يدخل فيراندو متنكراً في زي الألباني، فيتعرف على فيوردليجي رغم تنكرها ويقرر مغازلتها لينتقم من صديقه جويليلمو.
فيبثها عواطفه بحرارة.. إلى أن تضعف مقاومتها فتلقي بنفسها بين ذراعيه. وفجأة يدخل جويليلمو ويغضب لرؤية خطيبته الحقيقية بين ذراعي صديقه ويهجم على فيراندو لكن دون الفونسو يفرق بينهما وينصحهما بأن يتزوج كل منهما خطيبة الآخر. ويذكرهما برأيه القديم في المرأة وإخلاصها، مغنياً بسخرية مازحة: كلهن هكذا.
احتفال أليم
في المشهد الأخير نرى منزل الأختين وقد أعد للاحتفال بزواجهما من الألبانيين. يحضر دون الفونسو معه موثق العقود (دسبينا في تنكر جديد)، والذي يقرأ عقدي الزواج ثم يوقع الأربعة على عقود الزواج، ولكن ما أن يفرغوا حتى نسمع صوت موسيقى عسكرية في الخارج. فيجري دون الفونسو ليستطلع السبب ويعود ليقول إن الضابطين فيراندو وجويليلمو، عادا إلى المدينة وإنهما في طريقهما إلى المنزل.
يستولي الرعب على الأختين. تدفعان الألبانيين خارج الصالة وتعودا في قمة القلق والاضطراب. يدخل الضابطان ويُقبِلان على خطيبتيهما بحرارة وشوق، بينما تقابلهما الفتاتان بفتور واضح. فيسأل جويليلمو عن سبب وجود موثق العقود فتسارع دسبينا إلى الكشف عن شخصيتها الحقيقية، زاعمة أنها ارتدت هذه الثياب من أجل حفلة تنكرية.
ويلتقط فيراندو عقدي الزواج، ويقرأهما ثم يلتفت نحو الفتاتين ويتهمهما بالخيانة وقلة الوفاء. فتنهاران وتعترفان بأنهما خانتاهما فعلاً. ويعترف الشابان أنهما أيضاً خدعا الفتاتين. ويضعان حداً لتمثيلهما.
يعيد جويليلمو إلى دورابيللا عقدها الذي أخذه منها.. وترد هي العقد الذي قدمه لها وتفرح الفتاتان بعودة حبيبيهما الأصليين وتلقيان على دون الفونسو اللوم، في كل ما حدث. ولكنه يقول إن الموضوع كله لم يكن سوى مزاح الغرض منه إثبات أن المرأة لا تعرف الوفاء وأن جميع النساء هكذا. ويسدل الستار عن هذا العمل الأوبرالي الرائع.
1964
استعملت موسيقى موزارت كثيراً في السينما بشكل عام. وكان لموسيقى هذه الأوبرا، مكان في الكثير من الأفلام، منها: عمل المخرج الأميركي ديردن ستارينغ، في فيلمه (أوومن إن سترو): ( A woman in straw ).
1984
وظّف المخرج التشيكي ميلوش فورمان موسيقى العمل، بذكاء خلاق، في فيلمه الشهير (أماديوس): (AMADEUS ).
1987
لعل الفيلم الأوبرالي للمخرج البولوني المخضرم، كشيشتاف تشيروفسكي، من أجمل الأفلام الغنائية التي حملت اسم الأوبرا وجسدت أحداثها بحرفية.
________
*البيان