المثيل كوميديا سوداء صادمة وذكية!



مهند النابلسي

خاص
في رؤيته للفيلم المثير للجدل “المثيل” بدا الناقد السينمائي البريطاني أيان سميث منبهرا جدا بهذا العمل، وقد طرح بشأنه سؤالين : كيف تشعرون عند مشاهدة هذا الفيلم؟ ولماذا تشعرون بذلك؟” 
لكن بعد انتهاء العرض بدت لي الإجابة بسيطة ومقتبسة من طيات السيناريو المتداخل، فبعد نجاة بطل الفيلم من الموت بأعجوبة عقب إقدامه على الانتحار عبر القفز من طوابق عُليا، قال لمرافقه ولفتاته وهو في سيارة الإسعاف: أحب الشعور أني فريد، ولا أحب أن تُسرق مني شخصيتي!

من الممكن اعتبار هذه الفكرة ملخص الفيلم،كما أن ثمة فكرة جوهرية أخرى في العمل هي أنه اذا لم تكن مدعيا وجريئا ووقحا وانتهازيا فقد تعجز عن تحقيق طموحاتك في الحياة ، بل قد يُسرق منك جهدك كما قد تُسرق فتاة أحلامك، وقد يكون هذا واقعا مريرا ومؤلما.
قصة الفيلم مقتبسة عن قصة قصيرة للروائي الروسي الشهير “ديستوفسكي”، تدور كلها حول نفس الموضوع، وتتحدث عن دور موظف مثابر بسيط- يؤدي دوره- الممثل جيسي أيزنبيرغ، يلتقي بالصدفة بمن يعتقد أنه نسخة مطابقة له ويعمل بمكتبه تحديدا، ثم تحدث له جملة تداعيات وتعقيدات تقوده للجنون ومحاولة الانتحار،بسبب اعتقاده بأن مثيله رئيس العمال “المتحذلق-المتعالي” هذا يحاول أن يهمشه وينتزع مكانته في الحياة والعمل.
يعاني الفيلم من افتقاده لهوية محددة فهو خليط متداخل من الخيال العلمي والسيكلوجي والتشويق والفانتازيا الغرائبية ، ونجد السخرية المبطنة والكوميديا السوداء في كثير من السلوكيات والمشاهد والأحداث؛ من ضمنها انحباس شنطة الموظف المثابر “سايمون جيمس” في باب القطار أثناء مغادرته، حيث لا يستطيع التعرف إلى شخصيته عند دخوله إلى مبنى العمل، كما يفاجىء بعدم تعرف “البواب” الصارم إليه على الرغم من تواجده لسبع سنوات في عمله الروتيني، ونلاحظ أن معظم الأحداث فيما بعد ترتبط بحالة “عدم التعرف إليه”، وكأنه كائن شبحي غير مرئي أو خشبي مثل اللعبة بينوكيو، ويبدو كأنه خارج نفسه وكيانه، وأن مديره المقيت “بابادوبولس” وكأنه يقرعه دوما بسبب سوء إدائه وتقصيره في العمل، ويستمر ذلك حتى يظهر مثيله الانتهازي اللئيم الذي يسرق عمله وجهوده وحتى فتاته الجميلة، كما ينجح ببراعة في أن يحوز على إعجاب المدير وجميع العاملين! وبمشهد لافت نراه يدخل إلى المطعم مع مثيله، حيث تتجاهل النادلة الوقحة طلبه البسيط المقتصر على مشروب غازي، بينما تقدم قهوة وبيضا مقليا لبديله نظرا لجرأته.
وعندما تموت والدته في سكتة دماغية نرى البديل يسارع لتقمص شخصيته، وهنا يكاد المخرج “ريتشارد أيوادي” أن يفقد خيوط السيناريو فيقحم المشاهد في لقطات سيريالية جديدة ليستكمل “كوكتيل” السرد ابتداء من مشاهد الدجاجة المذبوحة إلى حالة الدفن حيا في منتصف الليل التزاما بوصية الوالدة المرحومة؛وحتى عند حضوره الحفل يحدث إرباك واضح بين دوره ودور البديل تحديدا أثناء التفاعل مع صديقته الجميلة التي لا يتجرأ على إعلان حبه لها، فيما يدخل البديل على الخط ليسرق حبيبته وإبنة مدير الشركة “ميلاني”.
من الممكن ملاحظة تأثر المخرج بقصص كافكا السوداوية وروايات جورج أوريل المستقبلية حول نمذجة الوجود الإنساني والحكومة العالمية القاسية التي تتجسس على البشر، تماما كقصص التجسس الأمريكي الراهنة على الانترنت والمكالمات الهاتفية والموبايلات، حيث يتناول الفيلم الوشاية وطباعة نسخ التقارير بأسلوب فعال عصري لينتهي بمقولة “منافقة” تظهر بشكل تهريجي متناقض من فم مديره المتشدق بابادوبولس حين يقول : “الناس هم المورد الأساسي” 
الجدير بالملاحظة أن المخرج اقتبس مشاهد عدة من أفلام شهيرة وسلك طرقا متعرجة ومعقدة لايصال فكرته وكان بإمكانه استخدام وسائل سينمائية مباشرة أكثر جاذبية ومرحا وأقل غموضا وكآبة؛ فقد بدا بطل الفيلم خجولا ومتوحدا ، فهو يفكر بالانتحار، ويعاني من العزلة ويعرف في أعماق نفسه بأنه يحظى بالحياة مرة واحدة فقط، وتقوده عزلته ووحدته للتلصص على العالم من حوله بواسطة المنظار المركب بمحاذاة نافذته المطلة على السكان والشارع، حيث يرى حالات انتحار، والغريب أن المنتحر يلحظ انه يراقبه فيسلم عليه بايماءة من يده قبل أن يقفز من الشرفة، كما نلاحظ أنه يلجأ في نهاية الفيلم للانتحار بنفس الطريقة بعد أن يقهره بديله، والغريب أنه ينجو بطريقة غير مفهومة ليلخص بسذاجة قصة حياته لفتاته الجميلة التي تصحبه بسيارة الاسعاف: أحب أن أشعرأني فريد! ومن لا يحب ذلك؟

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *