شهلا العجيلي: «سماء قريبة من بيتنا».. حكاية الأفراد العاديين


*ليلاس سويدان



رواية «سماء قريبة من بيتنا» للروائية السورية شهلا العجيلي من الروايات الست التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر). وهي الرواية الثالثة لها والتي أحبت زمن كتابتها لدرجة أنها منعتها عدة مرات أن تنتهي كما قالت. عن «سماء قريبة من بيتنا» ومضمونها وظروف كتابتها والجوائز الأدبية كان لنا هذا الحوار مع الروائية شهلا العجيلي.
روايتك التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر، ماذا تمثّل لك بشكل خاص ضمن مشروعك الروائي؟
– بالنسبة لـ«سماء قريبة من بيتنا» فهي روايتي الثالثة بعد «عين الهرّ»، و«سجّاد عجمي»، وقد صدرت حتى الآن في ثلاث طبعات. الرواية تقع في 350 صفحة، وتبحث في خريطة التحولات التي اعترت الشرق الأوسط منذ نهايات القرن التاسع عشر، مروراً بحربين عالميتين، إلى اللحظة الراهنة، لكن برؤية روائية بعيدة عن الرؤية السياسية المؤدلجة، أو عن معطيات التاريخ كما تصوّره الأنساق السلطوية، إنها حكايات عن حياة أفراد عاديين وتتبع لأصولهم العائلية، وهوياتهم الجغرافية وطموحاتهم وآمالهم، ورغباتهم في الحب والحياة وهم يصارعون أقداراً قاسية كما تقتضي الرؤية الملحمية التي اعتمدتها في هذه الرواية.
هذا النص كتبته في ظل كلاسيكية جديدة، هو مكوّن من حكايات مؤثّرة بحبكة قوية، تقف في وجه رخاوة الشكل الفني الذي عانته الرواية العربية طويلاً، وتقف أيضاً في وجه التشظي الذي يفرضه الواقع، لذا لذتُ فنيّاً بالترتيب والمنطق. لعل شعور المتلقي بالألفة مع الشخصيات أو تواصله معها يتصل بتلك الكلاسيكية التي تهتم بقضية فنية دقيقة هي قضية النموذج الذي نتواصل معه لأنه يختصر مجموعة من الأشخاص الذين نعرفهم، ونستطيع تصنيفهم إلى دراميين أو جميلين أو قبيحين أو بطوليين أو ثوريين أو تراجيديين. لا سيما أن فردية الشخصيات تظهر وقت المأساة الكبرى أو الجماعية وهي هنا الحرب، فيظهر الجشع الإنساني أوالعطاء، أوالأنانية.
الشخصيات متوترة لأنها تعيش مرحلة صعبة، تفقد فيها الأمان. إنها مهدّدة بالزوال، بالموت، والمرض، والهوية، والجوع، والتهجير، وما يهمّ هو أن هذا التوتر وصل القارئ، لقد عاشت شخصياتي في زمن صعب، لمدة مئتي سنة، وكانت محكومة بالتحوّلات، إنه عالمنا العربي حيث لا مكان للمطمئنين، وكذلك هي جغرافيا الثقافات الأخرى التي انتمت إليها شخصياتي، ثقافات موسومة بوسم الضحايا.
حدثينا عن هذه الرواية وظروف كتابتها ومضمونها والمختلف فيها عن رواياتك السابقة.
ـ في الحقيقة أحببت حقاً زمن كتابة الرواية حتى أنني منعتها عدّة مرّات من أن تنتهي، لم تستغرق أكثر من سنتين من العمل، ولم أعان فيها من مأزق البياض، وقد يعود ذلك إلى قسوة الحدث اليومي في وطني سوريا، تلك القسوة التي نالت مني شخصياً، من جسدي، وعائلتي، وجذوري، ومعتقداتي. وهكذا أعدت ترتيب التاريخ القريب الذي صنع مصير كل عائلة في هذا الشرق، بل كل فرد، واستعرت مشاهد من طفولتي، وغامرت في صناعة علاقات إنسانية غير مألوفة، وتأثرت بشخصياتي، بأشكالها ولغتها وبراءتها أحياناً، ورحت أراقبها بدهشة وهي تنهمك في حياتها الخاصّة، كأنني لست من صنعها.
قبل أن تترشح الرواية لجائزة البوكر، كيف استقبلها القرّاء والنقاد؟
– أستطيع القول إن استقبالها كان لائقاً جداً، فبعد صدورها بعشرة أيام استضافني «مهرجان شبّاك على الثقافة العربية المعاصرة في لندن»، في ندوة عن الجيل الجديد من الروائيين العرب، وقرأت فصلاً من الرواية تفاعل معه الجمهور، وتلقيت أسئلة مهمة عنها وعن تجربتي في الكتابة. على مستوى القرّاء أعتقد أنها تتلقى اهتماماً محبباً، لديها مقروئية عالية من قبل أفراد ومجموعات وقراءة معروفة بقرّائها الشغوفين، وقد اجتمعت مع القرّاء في تلك الأندية، وناقشوني بتفاصيل الرواية في حوارات مطوّلة، ثم عرفت عبر التلفزيون أنها كانت من الكتب الأكثر رواجاً في معرض الشارقة الأخير للكتاب. نفدت طبعتها الأولى، قبل الإعلان عن القائمة الطويلة للبوكر. على مستوى النقد، حظيت برؤيات نقديّة عميقة، إذ كتب عنها أكاديميون وروائيون لهم وزنهم، وأيضاً اهتمّ بها إعلاميون محترفون، ومعظمهم كانوا قد اطلعوا على تجربتي من خلال نصوصي السابقة، واتفقوا على أن الرؤية الملحمية في هذه الرواية تعيدهم إلى النصوص الكلاسيكية العالمية، الحافلة بالثقافة والمعرفة، وأنا أشكرهم جداً على تقييمهم.
البعض ينتقد الجوائز الأدبية ومنها جائزة البوكر، ويرى أنها خلقت حالة من هوس كتابة الرواية من أجل الجوائز، ما تعليقك؟
– لا جوائز مستحقة من غير إبداعات متميزة. الجوائز تضيف إلى العمل الإبداعي الانتشار الأوسع والترجمة، وتعلي من حسّ التنافس على صناعة الجمال. هناك قرّاء كثر ليس لديهم دليل لمعرفة الأعمال الجيدة التي تستحق وقتهم سوى قوائم الجوائز، لا يملكون وقتاً، أولا يعرفون كيف يبحثون أو أين يبحثون. الجوائز بعامة تضع الأعمال بسرعة بين يدي المتلقي، وما تزال البوكر هي الجائزة الأكثر إثارة للحرارة والتنافس في الساحة الروائية العربية، بالنسبة لي شخصياً فأنا أكتب قبل الجوائز، و«عين الهرّ» روايتي الأولى طبعت طبعتين بيروتية وقاهرية، ثم نالت جائزة الدولة في الآداب عام 2009، ووصول «سماء قريبة من بيتنا» إلى القائمة القصيرة للبوكر أمر مهمّ في تاريخي الروائي. أعتقد أن جماعة تنهمك بالكتابة والقراءة والتنافس على صنع الجمال، أفضل بكثير من جماعة لا تفعل ذلك! وفي النهاية الجوائز تأتي لأننا نكتب من منطلق حبنا للكتابة، ولانشغالنا الدائم والجاد بتطويرها، هكذا يتحول الشغف إلى حرفة، وما يهمّ الآن هو الخطوة التالية، ماذا بعد الجائزة أوالقائمة؟!
________
*القبس

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *