ترجمة: عبد الرحيم نور الدين
خاص ( ثقافات )
الرقمي المجاني، حياة جديدة للكتاب.. حوار مع روبير دانتون، مدير المكتبة الجامعية لهارفارد، وصاحب مبادرة “المكتبة الرقمية الأمريكية”
– روبير دانتون، أنت مؤرخ، متخصص في تاريخ الكتاب خلال القرن الثامن عشر ومدير المكتبة الجامعية لهارفارد. لماذا تدافع بحماس عن الكتاب الرقمي؟
* انخرطت في عالم الكتاب الرقمي عندما كنت رئيساً لجمعية المؤرخين الأمريكيين، خلال الفترة 1999-2000. كنا آنذاك في مواجهة أزمة النشر في المنشورات الجامعية، لكنه كان ينبغي، رغم كل شيء، ضمان الحياة لأطروحات الدكتوراه. كان يمكن للكتاب الرقمي أن يكون مستقبل المونوغرافيات التاريخية. من هنا إطلاق “غوتنبرغ الإلكترونية” Gutenberg-e من طرف جامعة كولومبيا، نشر رقمي مجاني لأفضل الأطروحات، والتي تختارها كل سنة لجنة مكونة من المؤرخين المشهورين.
في ظرف سبع سنوات، تم إصدار قرابة عشرين كتاباً إلكترونياً، بفضل هبات مؤسسات خيرية. كنا فريقاً صغيراً متلاحماً، كتاباً، مبرمجين، مكلفين بالتسويق، وكنا نشعر بأننا نشتغل كرواد، وبالفعل كان الأمر كذلك: إن غوتنبرغ الإلكترونية Gutenberg-e هي علامة على بداية الكتاب الأكاديمي الرقمي. لم يكن الأمر يتعلق فحسب بإعطاء صدى لأطروحات قيمة، لم تكن، في السياق المتأزم للمطبوع، تعثر على منفذ؛ لقد كانت الأداة الرقمية تمكن من عمل تحريري متجدد، ومن خلق كتاب مزيد، يضع رهن إشارة القارئ، ثروة وثائقية كبيرة: أرشيفاً، دعامات مصورة أو فيلمية، حوارات.
بسبب هذه التجربة، بالأخص، اقترح علي سنة 2007، إدارة أكبر مكتبة جامعية في العالم (تقريباً 20 مليون كتاب، أكثر مما تضمه المكتبة الوطنية الفرنسية BNF)، وهي مكتبة هارفارد. اقترحنا إذاً أن يلتزم كل الأساتذة بوضع مقالاتهم الأكاديمية رهن إشارة العموم، على شبكة الإنترنيت وأن تكون متاحة للاطلاع المجاني. جميع الكليات (بما فيها المرموقة جداً، أي كليتي القانون والطب) قبل الاقتراح، كونَّا مستودعاً إلكترونياً، ومرة كل شهر، كان الكتاب يخبرون بعدد تحميلات مقالاتهم التي تمت عبر العالم. إنها كانت بالنسبة لهم، طريقة لجلب اهتمام جمهور قراء، ما كانوا يبلغونهم أبداً، من خلال الدارة الكلاسيكية للمكتبات المشتركة في المجلات الورقية… لقد أوجد هذا النظام منافسين، واليوم أكثر من 60 جامعة تبنته في الولايات المتحدة.
– كيف امتدت الرقمنة من المقالات إلى الكتب؟
* القانون المؤسس للمكتبة الرقمية الأمريكية يعود إلى ندوة كنت نظمتها بتاريخ 1 أكتوبر 2010. اجتمع فيها أربعون شخصية، رؤساء لمؤسسات خيرية، مديرو مكتبات، ومبرمجون. بعد ثلاثين دقيقة من النقاش، أصبح الجميع متفقاً على خوض المغامرة. صارت الفكرة مثبتة ومكرسة، والاسم موجود: المكتبة الرقمية العمومية لأمريكا DPLA لم يبق لنا سوى تجنيد البلاد حول هذا الهدف، ولا سيما المكتبات العمومية التي يعتبر دورها مهماً جداً في الولايات المتحدة، وهو ما قمنا به، من خلال اجتماعات كبيرة مفتوحة ومتلفزة، ومن أجل خلق القاعدة التي ستمكن المكتبات من إدراج مخزونها الذي قد تكون أخضعته للرقمنة، وستمكن المبحرين على الإنترنت من الوصول إليها، أطلقنا دعوة لمشروع استجاب لها الشبان المبرمجون المنتمون إلى الجامعات الكبرى، ولم يطرح مشكلة المال أبداً، لقد كان الرهان أخلاقياً.
يوم 18 أبريل 2013، عندما بدأت ” DPLA” في العمل، كان باستطاعة الجمهور بنقرة واحدة، ولوج كل مكتبات البلاد الرقمية، أو لنقل تقريباً، لأن مكتبة الكونغرس لم تكن ضمن الدارة. من المكتبة البلدية الصغيرة في الغرب الأوسط، حيث كان السكان يأتون بوثائق شخصية لرقمنتها، إلى أكبر مكتبة جامعية في العالم تقترح مخطوطات ثمينة من العصر الوسيط، مروراً ببنك المتاحف الأمريكية للمعطيات، إنها تقريباً 5،8 مليون مادة رقمية، اليوم على الشبكة، وبعد زمن قصير، سيبلغ العدد 20، وقد يكون 30 مليوناً.
– ما هي علاقاتك بنظرائك الأوروبيين؟
* إن الأوائل الذين قاموا برقمنة مخزون مكتباتهم لوضعه على الشبكة مجانياً، عبر سطح بيني وحيد، هم الأوروبيون، بـ”أوروبيانا” Europeana، التي بدأت عام 2005، عندما كان جان-نويل جانوني Jean-Noël Jeanneney رئيساً للمكتبة الوطنية الفرنسية، والتي تمكن من الوصول إلى 39 مليون مادة رقمية. من البداية، كنا نتمنى أن تكون دعامتنا التقنية متوافقة مع دعامتهم، لتأسيس مكتبة رقمية عالمية في نهاية المطاف.
ومن جانب آخر، حينما دشنا المشروع قدمنا في صفحة الاستقبال معرضاً افتراضياً عن الهجرة الأوروبية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، كموضوع رمزي يعكس رغبتنا في التعاون. لولا أنه منذ بعض الوقت، تبدو المكتبة الرقمية الأوروبية متوقفة، فعلى خلاف DPLA، وهي منظمة خصوصية ذات هدف غير ربحي، أوروبيانا هي مؤسسة أوروبية عمومية رهينة مخاطر ميزانية الاتحاد الأوروبي.
– هل DPLA منافسة لـ”غوغل –بحث-كتب” Google Books Search، مشروع المكتبة الرقمية لعملاق الإنترنت الأمريكي؟
* لم تأتِ رغبتنا في خلق مكتبة رقمية مجانية، كرد فعل على مشروع غوغل، وإن كانت الشركة الكاليفورنية قد انطلقت في رقمنة رصيدها من الوثائق قبلنا، منذ 2004. هدف مؤسسة غوغل هو تحقيق الربح في ازدراء تام لحقوق المؤلف. لقد كانت تذهب إلى المكتبات الجامعية، حيث توجد المادة الأولية التي تقوم برقمنتها على نفقتها الخاصة، لتقدمها فيما بعد على الإنترنت كخدمة بمقابل، لكنها كانت ترقمن، دون تمييز، الكتب التي أصبحت ضمن الملك العام، وتلك التي لا تزال محمية بحقوق الملكية الفكرية، لذلك قامت نقابة المؤلفين Authors Guild وجمعية الناشرين الأمريكيين Association of American Publishers برفع دعوى قضائية، وتم التوصل إلى اتفاق، لكنه رفض في مارس 2011، من طرف القاضي الفدرالي ديني تشين Denny Chin الذي اعتبر أنه يمنح غوغل احتكاراً لا يتوافق مع قانون الولايات المتحدة.
DPLA هي مشروع مختلف جداً، وطبعاً فهو لا يمنح حق الاطلاع على الكتب المحمية بالملكية الفكرية. إنها تحترم القانون حول حق النشر الذي هو عينه في الولايات المتحدة وفي فرنسا: حقوق المؤلف تبقى سارية 60 سنة بعد موت المؤلف، غير أنها تراهن على تنازل العديد من المؤلفين عن حقوقهم، باتفاق مع الناشر، والترخيص بنشر مجاني لمؤلفاتهم. هذا ما قمت به بخصوص كتابيَّ الأولين، وأنا على استعداد مجدداً لتكراره مع كتاب “مغامرة الموسوعة” (دار نشر سوي، 2013)، وبالفعل، فما الفائدة من التشبث بحقوق المؤلف، بعد أن يكون الكتاب قد مات تجارياً، أي، بالنسبة للكتب العلمية أو كتب التاريخ، بعد بضعة أشهر!
* مجلة “التاريخ” الفرنسية في عددها 411 (مايو 2015)