مهند النابلسي
خاص ( ثقافات )
فيلم رسوم متحركة لافت بمطاردات شيقة ومشاهد للطبيعة الآخاذة تضاهي الواقع!
قبل حوالي 65 مليون عام، تقطن عائلة الديناصورات (من فئة آباتوصاروص) “النباتية” المسالمة في منطقة سهلية تقع بين ثلاثة جبال، وهي مكونة من أب وأم وثلاثة أولاد هم “ليبي وبوكو وآرلو” (بأصوات الممثلين مليح باديلا وماركوس سكرايبر وارايموند أوتاوا)… أحد أبناء العائلة المكونة من “هنري” (يقوم بالدور جيفري راش) وإدا (اسم الأم)، وهو الأصغر آرلو (خجول جداً)، ويعاني من صعوبة في التأقلم، ويفتقد الإقدام والجرأة، ويفشل بوضع بصمته الطينية على صومعة الذرة فيما ينجحون جميعاً بوضع بصماتهم، لذا يحاول أبوه إكسابه الشجاعة واصطحابه معه أثناء مغامراته وعمله الزراعي في البراري، ولكنه يفقد حياته أثناء محاولته تشجيعه لمواجهة الظروف الصعبة، حيث يداهمه طوفان مائي جارف أثناء ملاحتقهما لفتى الكهوف البدائي، وكان والده قد حذره مما يبدو لأول وهلة وكأنه “حشرة صغيرة” مزعجة مشاغبة تتغذى على مخزون المحاصيل الزراعية وطلب منه أن يصيدها بكمين محكم، ولكنه يتردد بالإمساك بها، وتفلت من الشباك مراراً لشراستها وذكائها، ليكتشف أن هذه “الحشرة” ليست سوى “فتى كهوف بدائي أول”، ثم يتصاحبان وينجذب كلاهما للآخر كأطفال أصدقاء، وينجح “فتى الكهوف الظريف سبوت” في إنقاذ صديقه الديناصور الصغير “آرلو” من الكثير من المواقف الصعبة والمآزق التي يمران بها بفضل ذكائه وشقاوته ورشاقته وسعة حيلته، كما يوفر له التوت الأحمرالبري كغذاء، ويواجهان معاً الأهوال وصراع الديناصورات البرية آكلة اللحوم (الستيراكوصورص) التي تربي الأبقار الوحشية لهذا الغرض في المراعي الممتدة، مع الديناصورات المجنحة “العدوانية” الشرسة التي تسرق الطرائد (الأبقار الوحشية) وتهاجم الجميع، حيث ينجح كل من سبوت وآرلو بتحديد مكان الطرائد المفقودة وإنقاذها لمصلحة “الستيراكوصورص” التي تقدرهذه الخدمة الذكية وتحميهما من هجوم كاسح للتيرانوصورص، ثم ينقذ “الديناصور الظريف” صديقه “فتى الكهف الوحشي “سبوت” (راداً له الجميل) من هجوم هذه الديناصورات المجنحة التي تسعى جاهدة لافتراسه بعد أن علق داخل غصن شجرة أثناء حدوث فيضان مائي كبير..
تتكرر المطاردات المثيرة والصراعات بين الأطراف الثلاثة (آرلو وسبوت من جهة، وديناصورات الستيراكوصورص المتفهمة والتيرانوصورص المجنحة المتوحشة) في صراع جامح بأجواء البراري المتوحشة الساحرة، وتتكرر مشاهد الطوفان المائي العارم والعواصف العاتية وقصف الرعود والمطاردات اللاهثة لصراع البقاء في ظل ظروف “مناخية-بيئية-وحشية” قاسية لا ترحم الكائنات، ثم يلتقي هذا “الطفل البشري” اليتيم البريء المشرد الذي فقد عائلته بالصدفة مع عائلة “كهوف” بشرية جديدة طيبة مكونة من أبوين وطفلين، وتتبناه العائلة الجديدة، ويفترق الصديقان بوداع حزين مؤثر، فيما يعود الديناصور الصغير “آرلو” لوحده أخيراً لمنزل عائلته القديم وتستقبله أمه مع شقيقيه بترحاب شديد بعد أن فقدت الأمل في عودته، ثم ينجح أخيراً بطبع بصمته الطينية مثبتاً وجوده ودوره الوظيفي!
الشريط يؤكد على مغزى وجود العائلة كوحدة اجتماعية صغيرة لكل الكائنات، وعلى أهمية الشجاعة والإقدام، وكيفية التعلم وبناء مقومات الحياة والتناغم بين مختلف الكائنات الحية (الديناصورات النباتية الضخمة وإنسان الكهوف البدائي كمثال)، كما أن قصته مؤثرة وذات بعد رومانسي حزين، ونرى “الطفل الديناصور” آرلو يحلم بوالده الراحل هنري وهو ينقذه من قيوده ويدعوه للتحرر والانطلاق بلا خوف أو وجل ومواجهة الصعاب، كما يبين اهتمام عائلة الديناصور الزراعية بالحصاد وتربية الدجاج البري الظريف، كما نرى كيفية تبجيل الصداقة بين الكائنات الحية “الصغيرة والضخمة” وتناغمها بعض النظر عن حجمها المتفاوت وأصلها وحجمها “الحيواني” المختلف وطبيعة تفكيرها…
فيلم تحريك جميل “كوميدي وإنساني وبيئي” حقاً حافل بالمؤثرات البصرية والصوتية المدهشة التي تعكس مدى التطور التقني بصناعة المؤثرات في أفلام التحريك الحديثة، ويصلح لجميع الفئات العمرية وللعائلات لأنه ممتع ومليء بالمشاهد الخلابة الملونة وبالأحداث الشيقة الطريفة!
بقي أن أذكر أن اسم كاتب القصة والمخرج هو بيتر سوهن وقد طور الفكرة بوب بيترسن، وقام بأداء الأصوات كل من جفري رايت وفرانسيس ماك دورماند ومليح نيبي-باديلا، وقد نال الشريط تقديراً نقدياً جيداً (حوالي 70%) ولاقى إقبالاً على شباك التذاكر، وهو منجز بنظام “الثري دي” الحاسوبي ويحفل بالمؤثرات المدهشة والغرافيك الملون “الأخاذ”، كما أن قصته مبنية على فرضية “عدم تعرض الديناصورات للانقراض بتأثير اصطدام نيزك ضخم بكوكب الأرض” في ذلك الزمان السحيق القدم حيث لم يثبت وجود الإنسان بأصوله البدائية حينئذٍ!