د.جنيفر كونست / ترجمة : آماليا داود.
خاص ( ثقافات )
من الخارج يبدو النجاح براقًا، وحتى يبدو أنه يهدئ الإحساس بعدم الأمان الذي يشعر به الكثيرون، ولكن بالنسبة لبعض الناس، وخاصة للمبدعين، هناك مخاطر تأتي مع النجاح، ومن المهم أن نولي اهتمامنا لتلك المخاطر لأنها ترتبط ببعض التجارب المؤلمة، مثل : شل القدرة الإبداعية، وقلق الآداء، والتسويف، والاكتئاب، ومشاكل بالعلاقات، وتعاطي المخدرات، والمشاكل الصحية، وحتى الموت المبكر .
المبدعون لديهم حساسية عالية، ويعانون من الطموح للمثالية والشك الذاتي، وعادة ما يكافحون من أجل القيام بالعمل اللازم للنجاح، مع أنهم يملكون الموهبة لفعل ذلك، لا بد أنكم تعرفون شخصا موهوبا قام القلق بإحباط موهبته؛ لاعتقاده بأن عمله لن يكون جيداً كفاية، والاعتقاد الداخلي لديهم قد يبدو كالتالي : إذا لم يكن العمل مثاليا، فلن يكون جيداً، والاعتقاد الأعمق لديهم يكون : إذا لم يكن العمل مثالياً، أنا لست جيداً .
بعد أن يحصل المبدع على بعض النجاح، تقوم الحيوية الداخلية بالعيش عليها لكنها تأخذ شكلاً مختلفاً والقلق الذي يصاحب ذلك النجاح يكون بالإيمان بعدم ثباته، مما يسبب القلق المنهك من احتمالية عدم القدرة على النجاح مرة أخرى . والاعتقاد الأساسي يكون شيئاً من هذا القبيل : إذا كنتُ لا أستطيع النجاح مرة أخرى، فقد يكون النجاح صدفة، ثم الاعتقاد الأعمق يكون : إذا لم أستطع النجاح مرة أخرى، هذا يعني أني محتال ولم أكن جيداً في المقام الأول .
الشخص المبدع حساس ويستمع إلى حساسيته، ويبدو أن المبدعين لديهم نوع من أنواع الشخصية التي لديها حس غير متناسب مع المسؤولية، فهم سريعو الإحساس باللوم عند الفشل، ويتلهفون للإعجاب عند النجاح، وهذا الأمر محفوف بالمخاطر، لأن إحساس المبدع الجيد حول نفسه يعتمد على النجاح، بالتالي تكون الضغوط كثيرة، خاصة بالنسبة للعملية الإبداعية التي تتطلب إلى الكثير من الضعف والمخاطرة والشجاعة .
وهناك فكرتان من التحليل النفسي قد تساعدنا على التخلص من مخاطر النجاح الإبداعي:
الفكرة الأولى : الانفصال، والذي يتضمن فكرة عدم أخذ الأمور بشكل شخصي، هذا الموضوع ليس سهل التنفيذ، لكن من المفيد أن تكون قادراً على الانفصال عن أعمالك، حتى علاقاتك وجمهورك، والنقاد، بمعنى آخر أنت لست أعمالك، أنت مرتبط بأعمالك لكنك لست أعمالك، والقدرة على فصل نفسك عن أعمالك هي الكأس المقدس للصحة النفسية .
الفكرة الثانية قد تكون مفيدة أيضا وهي فهم ضغوط القدرة الكلية، فيمكن أن يكون الدافع للمثالية يررتبط في قلة الثقة بالنفس واحترامها، بمعنى آخر متجذر في إحساس متضخم بقوة الشخصية وأهمية الذات، وقود القدرة الكلية الاعتقاد بأنك مركز الكون، وكل شيء يعتمد على وجودك، ونفشل في الاعتراف بأهمية دور الآخرين في حياتنا، والحالة العقلية عند النجاح تتجه نحو أننا وحدنا من نستحق الفضل، والجانب السلبي عندما نفشل أننا وحدنا من يستحق كل اللوم .
الكاتبة اليزابيث غيلبرت تحاول نصح المبدعين من خلال مساعدتهم على الانفصال عن أعمالهم، ورفع عبء القدرة الكلية، وتقول أن فكرة تحقيق النجاح الجزئي هي فكرة راديكالية كمضاد لمخاطر النجاح الإبداعي، وتقترح بأن نعيد إيماننا بالجنيات، وتبرر ذلك بأن تلك الفترة لم تكن تضغط المبدعين للنجاح، لأن الناس لم تعتقد أن المبدعين ينجحون وحدهم، وكان هناك تفاهم ثقافي بأن الإبداع يأتي من عوالم أخرى، وعمل عبقري آخر مثل الجنيات والآلهة، واعتبر الفنان كقناة، وإناء، وذلك يعني أن لا نجاح أو فشل ينتمي إلى الفنان نفسه، وتم تقاسم عبء النجاح أو الفشل .
وسوف يفاجئك أن يقوم محلل نفسي بالموافقة على هذا الرأي، لكنني أفعل ذلك، أنا اعتقد أن هذه الفكرة بأن عملنا ليس لنا : تحررنا، ثم هناك فكرة كارل يونغ عن العقل اللاواعي الجماعي مع الوعي بأننا نتأثر بكل ما جاء قبلنا، ونحن مرتبطون بالكون بطريقة حقيقية بطرق لا يمكن رؤيتها .
وهناك حل آخر اقترحته الطبيبة النفسية ميلاني كلين لتحقيق صحة نفسية والسعادة ألا وهي الامتنان، وعرضت الفكرة بأنها مرضية للنظر في حياتنا كهدية، وهذا الاعتراف يمكن أن يساعد في تحريرنا من قيود القدرة الكلية، لأننا نمنح الامتنان لمن يرجع لهم الفضل : أمهاتنا وأبائنا، وأمهاتهم وأبائهم وهكذا، وبالقيام بذلك نحن ندرك أن للآخرين الفضل في نجاحنا وفشلنا، ومثل هذا الاعتقاد يساهم في تخفيف الضغوط .
إذا استطعنا أن نحول تفكيرنا من السعي للنجاح لإثبات قيمتنا إلى السعي لاستخدام موهبتنا، سوف يكون لدينا حماية موثوقة لتخطي مخاطر النجاح . الامتنان يجلب الوعي بالآخر، الذي بدوره يساعدنا عن الانفصال، ويضعنا في موقف التبعية المفيدة والتواضع، والتي تكون بدورها الترياق للقدرة الكلية وتفتح أمامنا إمكانية التمتع واستخدام الموهبة التي أتيحت لنا .
Copyright 2015 Jennifer Kunst, PhD