مثّلت الدعاية ــ البروباغاندا ــ إحدى الوسائل التي يلجأ إليها عالم السياسة والاقتصاد وغيرهما من ميادين النشاطات العامّة من أجل تحسين صورة عملها أو تحسين صورة أحد رموزها. ذلك عبر استخدام مجموعة من الآليات التي لا تولي الحقيقة الكثير من اهتمامها ولا تعتبرها المقياس الذي تقيّم على أساسه عملها.
فـ«كيف تعمل الدعاية ــ البروباغاندا»، هذا هو عنوان كتاب «جازون ستانلي»، أستاذ الفلسفة في جامعة يال الأميركية بعد أن كان قد قام بالتدريس في جامعات «روتجرز» و«ميتشيغان» و«كورنيل».
تتوزع مواد هذا الكتاب بين سبعة فصول مسبوقة بمقدمة يدرس فيها المؤلف «مشاكل الدعاية». ثمّ يتعرّض في الفصل الأول لـ«الدعاية في تاريخ الفكر السياسي» فـ«الدعاية المعرّفة» ثمّ دراسة «الدعاية في المنظومة الليبرالية الديمقراطية». ويحمل الفصل الرابع من الكتاب عنوان «اللغة كآلية للرقابة والسيطرة» قبل تكريس الفصول الثلاثة الأخيرة لـ «الإيديولوجيا» و«الإيديولوجيات السياسية» وأخيرا إيديولوجيا النخب من حيث دراسة حالات معيّنة.
وفي جميع الحالات يتم التأكيد أن الهدف المركزي للدعاية هو العمل على «صياغة الرأي العام» و«كسب تأييد مختلف المجموعات الاجتماعية» و«بناء رؤية محددة للعالم». هذا في سلسلة مترابطة يتم من خلالها خدمة هدف معيّن. والإشارة أن مثل هذه الآليات تلجأ لها كثيرا الدول ذات الأنظمة الشمولية ــ التوتاليتارية ــ ولكن تستخدمها بالتأكيد أيضا دول المنظومة الليبرالية الديمقراطية، كما يشرح مؤلف هذا الكتاب.
يفتح المؤلف في هذا السياق قوسين كي يؤكد أن اللجوء إلى العمل الدعائي ــ البروباغاندا ـ يطرح بـ «التعريف» عددا من الإشكاليات بالنسبة للبلدان التي تتبنّى النظام الديمقراطي. ذلك على أساس أنها تتعارض مع مبادئ «المساواة في الفرص». بل لا يتردد جازون ستانلي في القول إن الدعاية تطرح نوعا من «القطيعة» من حيث انها تنشر غالبا أفكارا خاطئة في نظر المفاهيم الديمقراطية النظرية للإيديولوجيات المطروحة في العالم الغربي.
ويسرد المؤلف العديد من الأحداث والمواقف التي يجدها معبّرة عن «الدعاية المسيئة» لصورة الديمقراطية والتي تكبح مشاعر التضامن الإنساني. هكذا يعود إلى الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية لعام 2012 عندما احتج مدير إحدى حلقات النقاش على التلفزيون موجّها كلامه لـ«نيوتن غينغريش» عضو الكونغرس الأميركي لعدّة دورات والمرشح آنذاك لنيل ترشيح الحزب الجمهوري له للمنصب الرئاسي عندما قال:«على السود الأميركيين المطالبة بفرص عمل وليس ببطاقات للحصول على الطعام» وإضافته أن «الأطفال الفقراء يفتقرون لأخلاقية العمل».
ومن ذلك النقاش وغيره من النقاشات المماثلة يرى المؤلف أن الدعاية ــ البروباغانداــ في المنظومة الليبرالية الديمقراطية تتسم دائما بالكثير من «التستّر» وعدم الوضوح. ذلك على عكس البلدان الشمولية التوتاليتارية، حيث أن الدعاية بالغة الوضوح بحيث أنها لا تثير القلق، مثل الدعاية للصواريخ الكورية الشمالية أو الدعايات التي شاعت في الحقبة الشيوعية.
وكتاب عن الدعاية ــ البروباغاندا ــ وكيفية عملها في بلد مثل الولايات المتحدة ومحاولة الإجابة عن دورها في الإجابة على أسئلة من نوع : لماذا هناك أعداد كبيرة من السود في السجون الأميركية؟.
البيان