تحكي الرواية قصة نبيل، عازف التشيللو، في بغداد، وهو موسيقي رومانسي حالم. لكن، في يوم من الأيام، وأثناء عودته إلى منزله، وقد وضع آلته في صندوق كبير على ظهره، يجد نفسه وجها لوجه أمام مجموعة متشدّدة، فتحطم آلته الموسيقية وتضربه وتهينه، عندئذ يقرر نبيل الهجرة إلى أوروبا، وبدء حياة جديدة مع الموسيقى والحب. غير أنه هناك، وهو يعيش مع أفكاره الفلسفية ولا سيما المتعلقة بالهارموني والمدينة الفاضلة عند الفارابي، والفن العاري والكلاسيكية في الموسيقى، وأيضا قصة حبه مع فاني، يجد نفسه وجها لوجه أمام اليمين المتطرف، الجماعات المتشددة في الغرب، والفاشية الجديدة، وهو ما يقابل التشدّد الإسلامي. الرواية، في عموم أطوارها، ساخرة، وتتركز أحداثها حول: الأفكار الفلسفية، الفن، وتناقضات السياسة، والتطرف والواقع.
تأتي هذه الرواية كفاتحة لمجموعة كتب ستصدرها منشورات المتوسط للكاتب علي بدر بالتتالي، ففي الفترة التي انقطع فيها عن النشر بين العامين 2012 و2015، انصرف في بلد إقامته الجديد بلجيكا، للعمل في مجال السينما ككاتب سيناريو، وقد أنجز بدر في تلك الفترة العديد من القصص القصيرة، فضلا عن مجموعة من الروايات القصيرة، انتهج في معظمها أسلوب السخرية من بعض الأفكار السائدة حول الفن والبورنوغرافيا وتناقضات السياسة والدين والواقع.
يستمد علي بدر أفكاره من خليط نظري بين تياري ما بعد الحداثة وتيار ما بعد الاستعمار، وهو يرتكز في كتاباته إلى نصوص مهمة من كتابات مثل هومي بابا وغياتري سبيفاك وغيرهم، ولذلك عدت رواياته نوعا من الكتابة الباروكية القائمة على إحياء الأصوات المقموعة والمهمشة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
من أجواء الرواية نقرأ “كان البلاج الذي يظهر في الخلفية جميلا جدا، تنيره أشعة شمس ذهبية ساطعة، شاطئ رملي، وشمسية منصوبة، وقنينة نبيذ وكؤوس، بينما أمواج البحر تتكسّر على الرمل. كان نبيل قد انغمر -تماما- في المشهد، فهذا النوع هو ما يحبّه حقا من أفلام البورنوغرافيا، وقد شعر بالحرية الكبيرة في هذا المقطع الذي أخذ يتصاعد شيئا فشيئا؛ حيث كان جسد المرأة المبلل يلمع تحت أشعّة الشمس، لقد مد نبيل رأسه، كما لو كان يريد أن يكون داخل الجهاز، لحظات، وقد انقطع نفسه، وجفّ فمه، كان يراقب الرجل الذي يطوق جسد صديقته، ويغيّر الأوضاع، على موسيقى قوية، ولكنها غامضة، لم يكن الأمر قد استغرق طويلا، قبل انتهاء المشهد، رنّ جرس الموبايل، وقد طلب منه المهرّب الهبوط، فهو بانتظاره في السيارة بالأسفل”.
علي بدر روائي عراقي حصل على العديد من الجوائز، وترجمت أعماله إلى الكثير من اللغات الأجنبية، صدر لـه “بابا سارتر” 2001، “شتـاء العـائلة” 2002، “صخب ونساء وكاتب مغمور” 2003، “الوليمة العارية” 2004، “الطريق إلى تل المطران” 2005، “الركض وراء الذئاب” 2006، “مصابيح أورشليم” 2007، “حارس التبغ” 2008، “ملوك الرمال” 2009، “الجريمة، الفن وقاموس بغداد” 2010، “أساتذة الوهم” 2011، “الكافرة” 2015.
_______
*العرب