سُلْطَانُ العَارِفِينَ .. مُحْي الدِّين بن عَرَبِي




*د.بليغ حمدي إسماعيل


خاص ( ثقافات )
هذا قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيما يرويه عن جبريل عن الله ( عز وجل ) ، أنه قال : ” ما تقرب إلي عبدي ، بمثل أداء ما افترضت عليه ، وأنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وفؤاده : فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي ينطق ، وبي يمشي ، وبي يعقل ، وبي يبطش ” ، ووفقاً لهذا الحديث فإن الحقيقة الصوفية تشير إلى أن من أحب الله ، وأحبه الله ، فقد تمت ولايته بالحب ، والمحب على الحقيقة ، من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه ، ولا مشيئة له غير مشيئته ، على خلاف منطق الفقهاء ، حيث يرون أن حب الله لابد وأن يتمثل في الطاعة والاقتداء بالنبي المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) عملاً بقوله تبارك وتعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ، كما أنهم يقرون أنه لا يجوز وقوع الحب إلا بين متماثلين ، وطبقاً لهذا فلا مماثلة بين العبد وربه . 
لكن المتصوفة يجيزون الحب الإلهي مستندين أيضاً على أساس متين وقويم وهو القرآن الكريم عملاً بقوله تعالى ( والذين آمنوا أشد حباً لله ) ، وقوله في محكم التنزيل ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) ، وهذا الحب لا يتحقق إلا بمعرفة كاملة وتامة بالخالق تبارك وتعالى ، وإذا ذكرت المعرفة وكانت إحدى شرائطها المحبة ، تتم الإشارة دوماً إلى سلطانين لا ثالث لهما ؛ سلطان العاشقين ابن الفارض الذي أبدع شعراً فأجاز واختزل مواجيده الصوفية ناظماً :
قلبي يحدثني بأنك متلفي 
روحي فداك عرفت أم لم تعرفِ .
لم أقض حق هواك إن كنت الذي 
لم أقض فيه أسىً ومثلي من يفي . 
ما لي سوى روحي وباذل نفسه 
في حب من يهواه ليس بمسرفِ . 
وسلطان ثان وأخير ، وهو سلطان العارفين محي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد ، الملقب دوماً بالشيخ الأكبر ، وإن كان لقبه الثاني بـ ( سلطان العارفين ) هو اللقب الذي يسود ذكره ويلازمه في مكاتيب الصوفيين وتأريخ أقطاب الصوفية في الإسلام ، وهو لقب لم ينله إلا بعد أن تبوأ مكانة ومقاماً بين رجالات التصوف مكابدة ومعاناة ومعرفة وتوسعاً في الحقائق والمشاهدات ، وقد قال عنه شهاب الدين السهروردي إنه بحر الحقائق. وهو بحق سلطان العارفين وإن بدا بشعره عاشقاً أيضاً ، حينما نراه ينظم ناشداً : 
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي 
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني 
فقد صار قلبي قابلاً كل صورة 
فمرعى لغزلان وديراً لرهبانِ
وبيتاً لأوثانٍ وكعبة طائفٍ 
وألواح توراة ومصحف قرآنِ
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني . 
وكثير من العامة لا يعرف أن ابن عربي من أسرة عريقة النسب والعزة والكرم ، فهو من نسل حاتم بن عبد الله الطائي ( حاتم الطائي ) ، وهو الفارس الجواد المشهور بكرم الأخلاق والآداب ، ولقد ولد ابن عربي الذي نجد اسمه في بعض كتابات المستشرقين عنه بابن العربي في مرسية وهي مدينة في جنوب شرق الأندلس سنة 560 هجرية ، وانتقل في الثامنة من عمره إلى إشبيلية مع أسرته فبدأ دراسة وتعلم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، وكان أستاذه في علم القراءات أبا بكر محمد بن خلف اللخمي الإشبيلي وهو من أكبر العارفين والمتميزين بالقراءات وعلوم العربية . 
وتذكر الكتب أنه التقى بفيلسوف قرطبة وقاضيها ابن رشد ، وهو نفسه يشير إلى ذلك في كتابه الفتوحات المكية حيث لقائه الطويل معه وإثباته تفوق العلوم الصوفية على العلوم العقلانية . يقول بشأن هذا اللقاء : دخلت يوماً بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد ، وكان يرغب في لقائي لما سمع ، فبعثني والدي إليه في حاجة قصداً منه حتى يجتمع بي ، فإنه كان من أصدقائه ، وأنا صبي ما بقل وجهي ولا طر شاربي ، فلما دخلت عليه قام من مكانه إلى محبة وإعظاماً ، فعانقني وقال لي : نعم ، فقلت له : نعم ، فزاد فرحه بي لفهمي منه ، ثم أني استشعرت بما أفرحه من ذلك ، فقلت له : لا ، فانقبض وتغير لونه ، وشك فيما عنده ، وقال : كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي ؟ هل هو ما أعطاه لنا النظر ؟ . 
فقال له : نعم ، لا ، وبين نعم وتطير الأرواح من موادها والأعناق من أجسادها ، فاصفر لونه وأخذه الأفكل ( الأفكل على وزن أحمد أي الرعدة ) ، وقعد يحوقل ، وعرف ما أشار به إليه ، وهو عين المسألة التي ذكرها هذا القطب أعني مداوي الكلوم . 
وربما حالة الاستبداد التي سادت في أثناء اضمحلال وتدهور الأندلس الإسلامي هي التي دفعت الكثير من العلماء والأدباء والشعراء إلى الارتحال من الأندلس ومنهم ابن عربي رغم أن كثيراً من مؤرخي هذه الحقبة الزمنية يرون أن ابن عربي لم يكن مختاراً في القيام بالرحلة خارج أندلسه ولكنها كانت توجيهاً ربانياً . المهم في رحلته هذه أنه ارتحل إلى المشرق نحو تونس التي توقف فيها كثيراً ، ثم توجه إلى مكة المكرمة ماراً بمصر المحروسة التي لم يتوقف فيها طويلاً . 
وفي مكة المكرمة ، توافد عليه العلماء والأولياء من كل مكان وزاوية يطلبون علمه ومعرفته الموسوعية ، وهناك توثقت صلته بإمام الحرم المكي آنذاك الشيخ ( مكين الدين أبي شجاع زاهد بن رستم الأصفهاني ) . ثم ارتحل مجدداً إلى الطائف ومنه إلى مكة ثانية ثم القاهرة فالإسكندرية ومكة مرة ثالثة . ويذكر الرواة أنه التقى بمصر سلطان العاشقين ابن الفارض . وقصة اللقاء أن سلطان العارفين ابن عربي طلب من ابن الفارض أن يأذن له في شرح تائيته الكبرى فأجاب ابن الفارض بقوله : ” إن كتابك الفتوحات المكية شرح لها ” . 
وما يميز ابن عربي أنه يشبه النحلة النشيطة ، إذ ينتقل من روض معرفي إلى آخر ، ينهل ويتعلم ويعي ويفطن ما يتعلمه ، وكانت عزيمته لا تعرف الكلل ، ونبغ في مجاله وميدانه حتى أجازه أساطين عصره من أمثال ابن عساكر إمام هذا الوقت وزمانه ، وكذلك ابن الجوزي الذي كان علامة العصر والزمان والتاريخ . ويمكننا أن نلمح نشاط قطبنا الصوفي الكبير في مؤلفاته ، حيث ترك عدداً ضخماً من المؤلفات في شتى العلوم الصوفية تقدر بحوالي ثلاثمائة كتاب من أشهرها الفتوحات المكية التي تقع في أربعة مجلدات ضخمة ، وكتاب فصوص الحكم ، ويعد هذا الكتاب من الدرر التي كتبت في تاريخ التصوف الإسلامي بمجمله ، إذ استطاع فيه ابن عربي أن يقدم رؤية صوفية إزاء بعض التي يمكن توصيفها بالفلسفية المجردة والتي تحتاج إلى عناية كبيرة بتقديمها إلى القارئ العربي بقصد توضيحها وتيسيرها عليه ، وديوان ( ترجمان الأشواق ) ، وهذا الأخير اجتهد المفسرون وفقهاء التاريخ أن يضعوا حدوداً جغرافية وتنظيرات تأويلية له عن مقصده وهدفه ولمن كتب . ومن هذه الاجتهادات ما جاء في كتاب نفح الطيب بأن شيخ الحرمين مكين الدين كانت له أخت أطلق عليها شيخة الحرمين ومربية البلد الأمين ، واسمها الأصلي ( النظام ) ، وقد عرف عنها أنها من أرباب الأحوال والمقامات ، ولقد جمعت بين الحسنيين المعنوي والظاهري ، ولقد تم وصفها بأنها من العابدات الزاهدات . ولقد أعجب بعلمها ومعرفتها شيخنا ( ابن عربي ) بل كانت أيضاً مصدر إلهام له وتجسد ذلك في ديوانه ( ترجمان الأشواق ) . 
وفي هذا الديوان نسج ( ابن عربي ) قصائد رمزية على طرائق الصوفيين الذين يتغزلون فيها بإنسان ، وهم لا يقصدون من وراء ذلك سوى الإشارة إلى معانٍ سامية ، وخوفاً من سوء الفهم والإدراك لصنيع ابن عربي في ترجمان أشواقه لجأ إلى وضع شرح للديوان خشية أن يتبادر إلى ذهن العامة فهم خاطئ لا يتناسب وجلال القصائد الصوفية الماتعة . 
وابن عربي كصوفي وقطب كبير يختلف تمام الاختلاف مع نظرائه من أهل التصوف ، فلقد ابتعد عن التقليد الذي كان شائعا ًفي زمانه ، ولم يهتم بأن يكون مردداً لكلام من سبقوه بغير تفهم لمقاصدهم الرئيسة ، فأتى بأسلوب رشيق وجديد ومليئ بالمفارقات والدهشة ، بل كما يشير جوزيبي سكاتولين في كتابه ( التجليات الروحية في الإسلام ـ نصوص صوفية عبر التاريخ ) إلى أن ابن عربي جاء بمتضادات مفهومية يتحير العقل إزاءها ، ومن أمثال ذلك عبارته الشهيرة ” سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها ” . فكيف يكون الخالق هو عين المخلوق ؟ . 
ولقد اشتدت المجادلات حول مثل تلك العبارات الأكبرية كما يذكر جوزيف سكاتولين في كتابه ، إلا أن المقصود منها لم يكن مجرد الغموض والإغراب لدى سامعيها بقدر ما كان إيقاظ روح القارئ إلى إدراك أعمق وأوسع للحقيقة الإلهية التي لا تنحصر في القوالب العقلانية العادية ، إنما تظل دائماً وأبداً متعالية ومتسامية عن كل إدراك بشري. 
وها هو ( ابن عربي ) تتكون شخصيته الصوفية عن طريق جهاد شاق وصعب ومتواصل ، عن طريق القيام برياضات تنوعت بين الجوع والسياحة والأسفار الطويلة والعزلة المطلقة والصمت وذكر الله والتفكر في مخلوقاته ، بجانب مجالسة ومصاحبة وملازمة الصالحين وأولياء الله ، والحرص كل الحرص على الالتزام بشرع الله وأحكامه وأوامره ونواهيه .
والشرع في رأي ( ابن عربي ) ليس تمثلاً ظاهرياً أو صورة سطحية للمرء ، لكن كان يراها صاحبنا كالشجرة الفارعة الباسقة ثمارها المعرفة ويقين الحقيقة ، ويرى أنه كلما أمعن المريد في ممارسة الشرع ظهرت له حقائق كان يغفلها ، وتكشفت أمامه أسرار كان يجهلها ، ولن يتحقق هذا إلا بإقامة الشريعة على أصولها . 
واستحقاق شيخنا ( ابن عربي ) لقب سلطان العارفين جاء من عمقه في تفسير وكشف أسرار العبادات ، فهو لا يرى في العبادات أنها مجرد ممارسات يومية ، بل يعتني بتأويلها وهو على إصراره في أن يضيف عمقاً فلسفياً للعبادات تؤهله بالفعل لنيل لقب سلطان العارفين ، ومن ذلك نصيحته للمريد وهو يتأهب للصلاة ، فنجده يقول في ذلك : ” فإذا توضأت فاسع في الخروج من الخلاف وتوضأ أسبغ وضوء ، وسم الله في بدء كل حركة ، واغسل يديك بترك الدنيا منهما ، ومضمض بالذكر والتلاوة ، واستنشق بشم الروائح الإلهية ، واستبر بالخضوع وترك الكبر ، واغسل وجهك بالحياء ، وذراعيك بالتوكل ، وامسح رأسك بالمذلة والافتقار ، وامسح أذنيك باستماع القول واتباع أحسنه ، واغسل قدميك لإيطاء كثيب المشاهدة ، ثم اثن على الله بما هو أهله ، وصل على رسوله الذي أوضح لك سنن الهدى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقف في مصلاك بين يدي ربك من غير تحديد ولا تشبيه ، وواجهه بقلبك كما تواجه الكعبة بوجهك وتحقق أن ما في الوجود أحد إلا هو وأنت فتخلص ضرورة ، وكبره بالتعظيم ، ومشاهدة عبوديتك ، وإذا تلوت فكن على حسب الآية المتلوة فإن كانت ثناء عليه فكن أنت المحدث وهو الذي يتلو كتابه عليك فيعلمك الثناء عليه فيما يثني به على نفسه ” . 
وإذا كان موضوع الكرامات من أبرز الموضوعات التي تحتل مكاناً ومساحة عند الحديث عن التصوف وأهله ، فإن صاحبنا ( ابن عربي ) له رأي في هذا الموضوع ، فهو يرى أن الكرامة الحقيقية هي الاستقامة على الجادة ، والمضي قدما إلى الأمام دون الالتفات إلى أي عارض يعترض الطريق . ويشير إلى ذلك بقوله : ” لا تطلب من الله في خلوتك سواه ، ولا تعلق الهمة بغيره ، ولو عرض عليك كل ما في الكون فخذه بأدب ولا تقف عنده ، وصمم على طلبك فإنه يبتليك ، ومهما وقفت مع شئ فاتك ، وإذا حصلته لم يفتك بشئ ” . 
ولابن عربي نظرية عميقة في الإنسان الذي يراه كوناً جامعاً ، أي ووفقاً لتصور ابن عربي فإنه يجمع التجليات الإلهية في الكون كله ، وعلى أساس ذلك طور ( ابن عربي ) مفهومه الخاص بالإنسان الكامل الذي يمثل لديه أقصى وأشمل تحقيق للكائن البشري الذي يتجلى في تاريخ الأنبياء . واستطاع جوزيف سكاتولين أن يقوم بسبر أغوار هذا المفهوم عند ( ابن عربي ) حينما أشار إلى أن فكرة الإنسان الكامل في تصوف ابن عربي تتضمن أبعاداً عديدة ومعقدة منها مفهوم الحقيقة المحمدية ، ومفهوم ” ختم الولاية ” . 
وهذا المعنى أورده ابن عربي في كتابه ( فصوص الحكم ) في الجزء المعنون بـ ” فص حكمة فردية في كلمة محمدية ” فنجده يقول : ” إنما كانت حكمته فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني ، ولهذا بدئ به الأمر وختم : فكان نبياً وآدم بين الماء والطين, ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين. وأول الأفراد الثلاثة, وما زاد على هذه الأولية من الأفراد فإنها عنها. فكان عليه السلام أدل دليل على ربه, فإنه أوتي جوامع الكلم التي هي مسميات أسماء آدم فأشبه الدليل في تثليثه, والدليل دليل لنفسه ولما كانت حقيقته تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشأة لذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الموجودات (حُبّب إليّ من دنياكم ثلاث) بما فيه من التثليث, ثم ذكر النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة فابتدأ بذكر النساء وآخر الصلاة, وذلك لأن المرأة جزء من الرجل في أصل ظهور عينها ومعرفة الإنسان بنفسه مقدمة على معرفته بربه, فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه, لذلك قال عليه السلام {من عرف نفسه عرف ربه} فإن شيءت قلت بمنع المعرفة في هذا الخبر والعجز عن الوصول فإنه سائغ فيه, وإن شيءت قلت بثبوت المعرفة.
فالأول أن تعرف أن نفسك لاتعرفها فلا تعرف ربك: والثاني أن تعرفها فتعرف ربك فكان محمد أوضح دليل على ربه, فإن كل جزء من العالم دليل على أصله الذي هو ربه فافهم. فإنما حبب إليه النساء فحن من إليهن لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه, فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب الحق في قوله في هذه النشأة الإنسانية العنصرية {ونفخت فيه من روحي} ثم وصف نفسه بشدة الشوق إلى لقائه فقال للمشتاقين (ياداود إني أشد شوقاً إليهم) يعني المشتاقين إليه وهو لقاء خاص: فإنه قال في حديث الدجال إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت, فلابد من الشوق لمن هذه صفته. فشوق الحق لهؤلاء المقربين من كونه يراهم فيحب أن يروه ويأبى المقام ذلك فأشبه قوله (حتى نعلم) مع كونه عالماً, فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لاوجود لها إلا عند الموت, فيبل بها شوقهم إليه كما قال تعالى في حديث التردد وهو من هذا الباب (ماترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له من لقائي فبشره وماقال له لابد له من الموت لئلا يغمه بذكر الموت.
ولابد من التأكيد على أن كتابه هذا ( فصوص الحكم ) قد أثار ضجة في حياته وحتى وقتنا الراهن ، وبين مؤيد ومعارض تأرجح الحكم على فصوصه ، فلقد هوجم عليه ابن عربي كما لم يهاجم صُوفِىٌّ على كتاب! حتى أن الذهبىَّ وصفه بأنه من أردأ تصانيف ابن عربي، ثم ذكر نصاً قوله: ” فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفرٌ ، فواغوثاه بالله ” ، بينما وصف صدر الدين القونوي ـ تلميذ ابن عربي ـ الفصوص بأنها: من أنفس مختصرات شيخنا، وهو من خواتم منشآته وأواخر تنزلاته، ورد من منبع المقام المحمدي والمشرب الذاتي والجمع الأحدي، فجاء مشتملًا على زبدة ذوق نبينا . 
وكم من حملة وجهت إلى صدر وعقل وعقيدة ابن عربي ، وكم من تهمة لحقت به مثل الزندقة وهي التهمة التي واجهته عند زيارته إلى مصر المحروسة وبها قبض عليه وكاد أن يلقى حتفه بها لولا أن نفراً استطاع أن يؤول كلامه النثري ونظمه الشعري فنجا . ومشكلة ابن عربي هي مشكلة معظم أقطاب الصوفية أنهم يتحدثون بإشارات ورموز معرفية ولغوية لا يفطن كنهها العامة وربما الخاصة أيضاً ، وهم في اعتقادهم ومظانهم أنهم يحادثون صفوة الخاصة فقط ، وربما نجد لهم مبرراً في ذلك أنهم لم يكترثوا بنقل معارفهم كونهم في أحوال ومقامات مستدامة ، ووجد لا ينقطع ولا ينقضي مع الله تبارك وتعالى فلم ينشغلوا بمستويات الفهم والإدراك لطروحاتهم الفكرية . 
___________
*مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية 
كلية التربية ـ جامعة المنيا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *