خاص ( ثقافات )
في مجموعته الرابعة “كُمُستير”، يسلط القاص الأردني جعفر العقيلي الضوء على قضايا وهموم من واقع الناس وحياتهم اليومية، باستخدام التخييل، وجماليات اللغة، وطرافة الحدث والاصطدام معه بما يحقق الدهشة التي تجعل من القصة حقلاً للأفكار العميقة والدلالات الفنية.
ووفقاً للناقد د.عماد الضمور، فإن العقيلي “يُكثّف فن القصة القصيرة في إشعاع دلالي، يختلس من الفن الدرامي طرائقه في تصعيد وتيرة الأحداث، ومن الرواية كثافتها السردية، محافظاً على هوية القصة القصيرة التي تميّزها في اقتناص اللحظة الحالمة والقدرة على تعميق الإحساس بالوجود”.
ومن أجواء المجموعة الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية، نقرأ من قصة “تصفية حساب”: “لم أفتح فمي. لم أنطق. لكنّ عينَيّ بدتا تدعوانه للدخول، فيما اتخذَ وضعيةَ هدوءٍ يُضْمِرُ عاصفةً عمّا قريب. عاينتُ أعضائي وانفعالاتها إزاءه بوصفي (آخَرَ). كأنّني انفصلتُ عنّي. كأنَّ ثالثاً بيننا؛ أنا وهو، أو كأنني ثالثٌ بيني وبينه!
هَمّ بتخطّي الباب كأنْ لم يعد يراني. عدتُ إليَّ وأنا أشكّ في وجودي، فلو كنتُ على هيئتي التي أعرفني عليها، لألقى التحيةَ، صافحَني، هزّ رأسَه، قال شيئاً، حرّك يدَه. أما ألّا يفعل أياً من هذا كلّه، فليس سوى تجاهُلي والهزء مني كما وشى سلوكه. يا لضآلتي!”.
كما أُلحق بالمجموعة مختارات مما كُتب حول تجربة العقيلي بأقلام عدد من الكتاب والأدباء والنقاد العرب، ومنهم الكاتب يوسف يوسف الذي رأى أن العقيلي يكتب لقارئٍ على شاكلته، ينتمي بفكره إلى التغيير في الحياة، ولتقديم النموذج الأمثل لما يجب أن يكون الإنسان عليه في الواقع الذي سيحاول زحزحته. ومن هنا فإن شخصيات قصصه ليست من صنف البشر العاديين، كما إنها تحمل رغبة كبيرة لتكون شخصيات فاعلة في الوجود.
وكتب الناقد د.عباس عبد الحليم عباس: “هكذا يطمئن القارئ إلى قاصٍّ يشاركه همومه وانشغالاته، ويعيد تكوين قضاياه وطرحها برؤية جمالية خاصة (من ناحية فنية) وبرؤية فكرية ونقدية مختلفة (من الناحية الموضوعية)، مع الحرص على إقناع القارئ أيضاً بأنه أمام نصوص قصصية مخلصة لفنّ القصة ومعمارها الأصيل، وحريصة في الوقت نفسه على تحديث آلية الطرح، عبر لغتها المكثفة، وشحنها بثراء التأويل وإمكاناته، والعناية المتميزة بعناوين النصوص وعتباتها”.
أما القاصة والناقدة د.نهلة الشقران، فتقول: “ما يميّز قصص العقيلي أنّها لم تكتفِ بوصف فكرة واحدة عامة لكل قصة، بل تفرّعت أفكار ثانويّة أخرى من الفكرة العامة، بمعانٍ جديدة ورؤى عميقة تنمّ عن فكر وثقافة، ثم ترابطت هذه المعاني الجزئيّة، لتصوّر الفكرة المقصودة في كلّ قصة وتشكّل المعنى العام لها مكتملاً من كل زواياه”.
ومما يقوله العقيلي حول أبطاله القصصيين: “أنا ابن التسعينات بكل ما يمكن أن تحمله هذه المفردة من معانٍ، في التسعينات بدأتْ نذر العولمة، وفي التسعينيات بدأ الانهيار العربي، وفي التسعينات بدأت تجربة خروج العمل السياسي إلى العلن وانكشافه أجوفَ عارياً. هذه التجارب التي بدت كَسَيلٍ دون توقف، أنتجت انعكاساتها في نصي القصصي.. بطلي في الغالب ضائع الذات، يبحث عن نفسه وسط ركام من الوجوه المتشابهة أو غائبة الملامح. إنه بطلٌ تكرار، أو بطلٌ أنموذج، بطل تراه ولا تراه في آن، بطل قد يكون أنا، وقد يكون أنت”.
يذكر أن “كُمُستير” هي المجموعة القصصية الرابعة للعقيلي، الذي أصدر قبلها: “ضيوف ثقال الظل” (2002)، و”ربيع في عمّان” (2011)، و”تصفية حساب” (2014).