مخلص الصغير
شكل لقاء “خمسون سنة على ولادة مجلة أنفاس” الحدث في اليوم الأول من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، وهو الحدث الذي احتضنته قاعة الراحل عبدالهادي التازي، لأنه يحتفي بنشاط امتدّ على مدى نصف قرن بكامله.
لقاء استعاد ذاكرة مجلة أنفاس التي أسسها اللعبي سنة 1966، إلى جانب شعراء وتشكيليين ومفكرين ومناضلين مغاربة، وكانت من ضمن وثائق الإدانة التي قادته إلى تجربة اعتقال طويلة وحارقة.
وقد حضر رفيق دربه في المجلة الناقد مصطفى النيسابوري، الذي حدثنا عن بداية تعرّفه على اللعبي وعن أول اللقاءات والاجتماعات، وصولا إلى إصدار العدد الأول من المجلة. كما تحدث التشكيلي المغربي محمد المليحي عن ثراء التجربة وغناها، وأهميتها بالنسبة إلى الثقافة المغربية المعاصرة، وبالنسبة إلى الفن التشكيلي المغربي المعاصر بشكل خاص، في لقائه مع الشعر والأدب والفكر والسياسة والمجتمع.
الاحتفاء بخمسينية مجلة أنفاس صاحبه حدث ثقافي هام، تمثل في الإعلان عن ميلاد “مؤسسة اللعبي للثقافة”، وهي مؤسسة أطلقها عبداللطيف اللعبي، ويقول عنها في لقاء مع “العرب” بأنها “مؤسسة للتفكير والمبادرة، أساسا”، وهي “تضطلع أيضا بمهمة حماية ذاكرة المؤسس والالتفاف حول القضايا التي طرحها وناضل من أجلها”.
ويضيف اللعبي بأنها سوف تضطلع بإنجاز أحداث ثقافية، “على أن تكون أحداثا نوعية، بحيث يمكن للحدث أن يقدم جديدا للساحة الثقافية، ويجعل الخطوط تتحرك”.
العروي وحمودي
السادسة والنصف مساء، وقد اقترب موعد إغلاق المعرض، وبدأت أجراس توديع اليوم الأول تدق. فجأة وصل كتاب العروي المنتظر إلى رواق ناشره “المركز الثقافي العربي”. إنه كتاب “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية: 1830-1912”.
وإذا كانت مجلة أنفاس اللعبي قد صدرت منذ 50 سنة، فإن هذا الكتاب قد ظهر منذ 40 سنة، في صيغة أطروحة دكتوراه تقدّم بها حينذاك الطالب عبدالله العروي.
وبهذا، صار بإمكان القارئ العربي التعرف إلى واحد من أسرار نبوغ العروي، والأصول الفكرية لهذا الرجل. كتاب يلخص لنا أطروحته انطلاقا من فرضية مفادها أنه “من الهين فهم وطنية ما أو ثورة أو حرب، أمّا الأصعب فهو معرفة كنه ومحتوى كل واحدة على حدة”.
لقد شكلت هذه الفرضية المنهجية، في ما يقوله العروي “دعامتنا وعدتنا طيلة فصول هذه الدراسة، التي لم نجعل من غاياتها الأولى التنظير للوطنية من خلال تحليل حالة خاصة”.
بقدر ما انصب اهتمام العروي على تقديم عرض مفصل للإرث التاريخي الذي أعطى للحركة الوطنية المغربية أشكالها التي تعرف بها حاليا. ليخلص العروي إلى أن الوطنية منظومة فكرية نجحت كنسق متراص في دحر فكرة السيادة المشتركة على الوطن، وهي عنده حركة سياسية، أيضا، ألغت وظيفية الاستعمار.
الكتاب هو أطروحة يكشف العروي لنا فيه مختلف العوامل التي اشتغلت تحت غطاء الحركة الوطنية، وكان لها الفضل في تحقيق استقلال المغرب، مثلما ينفذ الكتاب الموسوعي إلى كنه الظاهرة التي تعرف بالوطنية.
في رواق المركز الثقافي العربي، يظهر كتاب آخر “الحداثة والهوية” للأنثروبولوجي المغربي عبدالله حمودي. كتاب يبحث عن مصير المجتمعات العربية، وهو يدعو إلى إعمال المنهجية الأثيرة لدى الباحث، والمتمثلة في “الشك الإيجابي”.
الكتاب دشن النقاش الثقافي والفكري في معرض الكتاب بمدينة الدار البيضاء، إلى جانب أطروحة العروي. يتعقب الكتاب المصير العربي، من المغرب إلى سوريا، مرورا بمصر وتونس، وهو يتعقب مصائر هذه المجتمعات بالنقد والتحليل، كما يقول المؤلف.
وهي المجتمعات العربية التي عرفت تحولات غير مسبوقة منذ الانتفاضة من أجل الديمقراطية، التي أطاحت بالنظام السلطوي، بدءا من تونس، حيث أسقطت الانتفاضة رأس الحكم السلطوي، ودفعت البلاد نحو إصلاح المؤسسات ودمقرطتها، ثم بعد ذلك انتقلت إلى البلدان الأخرى من المغرب إلى المشرق. وقد اندلعت هذه الانتفاضات في نظر الباحث، لسبب أساس تمثل في هيمنة نظام الحزب الواحد، وطغيان الاستبداد والنهب الممنهج للبلاد العربية.
تتويج مبكر
إذا كانت الدورة الحالية من معرض الكتاب بالدار البيضاء لم تعرف احتفالية تقديم جوائز المغرب للكتاب، حيث ستقام لها احتفالية خاصة يوم 22 مارس المقبل، فقد انطلقت العناية بالتتويجات منذ اليوم الأول من المعرض، وأقيمت اللقاءات الأولى التي تحتفي بالكتاب المغاربة الذين صعدوا إلى منصات التتويج، في عدد من المسابقات الثقافية والأدبية العربية.
تقدم المتوجين الباحث نور الدين أفاية، الذي توج بجائزة أفضل كتاب عربي لسنة 2015، عن عمله “في النقد الفلسفي المعاصر، مصادره الغربية وتجلياته العربية”.
إلى جانب من وصلوا إلى قائمة الشيخ زايد للكتاب، ومن توّجوا بجوائز كتارا للإبداع الروائي، ومن وصلوا إلى قائمتي البوكر العربية، إضافة إلى لقاء خاص مع التونسي شكري المبخوت، المتوّج ببوكر 2015. أسماء فوق البوديوم، أو منصة التتويج، تجعل من معرض الكتاب بالدار البيضاء احتفالية استثنائية، انطلقت قوية، وستنتهي قوية، وهي تعدُ بالتحاق مثقفين وشعراء قادمين من كافة آفاق العالم.
_________
*العرب