محمد ولد محمد سالم
لو لم تكن رواية “زمن الخيول البيضاء” للكاتب إبراهيم نصر الله رصداً لآخر سنوات ذلك الزمن الفلسطيني الجميل، ووثيقة على كيفية نشوء الجريمة “الإسرائيلية” في فلسطين، والغطاء الذي وفره الإنجليز لها، لو لم تكن كذلك للقيت في العالم من الاحتفال والترحيب ما لقيته رواية مثل “مئة عام من العزلة” لغابيرييل غارسيا ماركيز، فإذا كانت الميزة في رواية ماركيز هي ذلك الأسلوب الجميل والسرد الحميم الذي يرصد تاريخ أمة كانت مجهولة للغرب، وتقديمه في إهاب فانتازي جميل، من خلال تتبعه لحياة أسرة أركاديو بوينديا مؤسس قرية ماكوندو وحياة البطل الكولونيل أورليانو أركاديو وقيادته للثورة ضد حكومة المحافظين الظالمة وبطولته الأسطورية، وغوص الرواية في تفاصيل حياة أهل تلك القرية وأجيال من أبناء مؤسسه، فإن هذا بالضبط وأكثر ما تفعله رواية “زمن الخيول البيضاء” في سردها لحكاية الشعب الفلسطيني منذ ذلك الزمن الهادئ، الذي كانت قرية “الهادية” تعيش فيه وادعة بين المروج الخضراء لا يعكر صفوها شيء .
بدأت مشاكل القرية تتوالى منذ أواخر الدولة العثمانية التي أفلست فصارت ترفع الضرائب وتبيع الأرض لليهود الذين استوطنوها وتملكوها، كانت مأساة “الهادية” مزدوجة، فقد قبل أهلها بوجود كنيسة، لكن قساوسة الكنيسة زوروا امتلاك الأرض الزراعية، وصاروا يضاعفون الضرائب على أهلها، ولما امتنعوا عن ذلك جاءهم الجنود الأتراك ونهبوا قريتهم، وضربوا رجالهم، ثم باعت السلطنة جزءاً من أرضهم لليهود الذين سيتعزز وجودهم بعد زوال السلطنة ومجيء الإنجليز فأصبحوا حماة المستوطنة، ما شجع اليهود على توسيع الرقعة التي يمتلكونها كلما سمحت لهم الفرصة بذلك، وصاروا يقتلون كل من اقترب منهم .
كانت تلك التطورات إيذاناً بانتهاء زمن الدعة والحياة الهانئة التي مثلها الشيخ محمود شيخ القرية، وبداية حياة “البطولة” والنضال التي مثلها ابنه “خالد”، وأسطورياً سيعد ظهور تلك الفرس العربية الأصيلة البيضاء “الحمامة” ذات مساء في القرية إيذاناً بابتداء ذلك الزمن البطولي، فعلى بساط الرباط العجيب الذي يرقى إلى رباط الدم بين خالد والحمامة تنسج حكايات البطولة التي تبدأ من كمينه لجنود الأتراك وقتلهم عن آخرهم، ولا تنتهي إلا أيام النكبة، حين يقتل الإنجليز خالد، وهو يناضل في الجبال الفلسطينية ويضطر أهل قرية الهادية إلى سلوك طريق التشرد والشتات فراراً من المذابح التي ترتكبها عصابات الهاجانا .
لا يستخدم إبراهيم نصرالله الفانتازيا جزافاً، بل هي موظفة توظيفاً رهيفاً يجعل القارئ يتقبلها بسلاسة، ومن دون الإحساس بنشازها في إيقاع السرد، فنعيمة بنت خالد تنشأ لديها قدرة خارقة على تدجين الحيوانات، جعلتها تستطيع إسكات هيجان جمل عظيم كان يدمر بيت جيرانهم، وكذلك تجعل الغزالة تلجأ إليها هرباً من ذلك الفارس الذي أراد اصطيادها، ما يكون سبباً في حبها وزواجها من ذلك الفارس .
زمن الخيول البيضاء رواية تستحق احتفاء عالمياً مثل أي رواية إنسانية عظيمة، لكنّ خطأها الوحيد هو أنها وثيقة إدانة للصهيونية في عالم ما زال يقدس الصهيونية وينكر جرائمها
– الخليج