* توفيق عابد
تكريما للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وتزامنا مع يوم الأرض، أقامت النحاتة المعروفة منى السعودي بالمشاركة مع ابنتها ضياء البطل، معرضا تشكيليا بعنوان “تحية لمحمود درويش” في معرض “جكاراندا إمدجز” وسط العاصمة الأردنية عمّان، ويستمر حتى 14 أبريل/نيسان الحالي.
ويضم المعرض 30 لوحة ومنحوتة مرسومة بمقاطع مختارة من قصائد درويش هي الأكثر تأثيرا في القلوب والعقول, والأكثر ارتباطا بالقضية الفلسطينية التي أفنى الشاعر الراحل حياته في خدمتها وسخّر قصائده للدفاع عنها وإبقائها قضية عادلة وحية تستفز الضمير العالمي.
وقد أعادت القصائد المختارة التأكيد على مفاهيم الوطن والحرية والإنسان, وكأنها استشعرت ما يعيشه اليوم عدد من البلدان العربية رغم أن بعضها نظم قبل 37 عاما, كقوله “أرى عصرا من الرمل.. يغطينا ويرمينا من الأيام.. غيوم تشبه البلدان.. أثناء تجوالك”.
المرأة والطائر والزيتون
وتجمع اللوحات والمنحوتات التي تعتبر نصا موازيا للقصيدة بين مفهومي المرأة والطائر وورقة الزيتون التي ترمز إلى الوطن الفلسطيني، في تخطيط أقرب ما يكون إلى تخطيط “ماكيت” نحتي, بينما ترمز لوحات أخرى إلى الدفء والحب “العناق” ربما في إشارة غير مباشرة إلى الوحدة الوطنية التي يفتقدها الشعب الفلسطيني حاليا.
وربما ترمز منى السعودي وابنتها من خلال الطائر الذي فرض نفسه كعنصر رئيسي في أغلب اللوحات، إلى انتظار شعب فلسطين لطائر البشارة الذي يبشر بالزمن الجميل القادم وهو تحرر الوطن. أما المفردات الأخرى فبدا أن لها علاقة بالكوفية الفلسطينية كرمز للفلسطينيين والإنسان القوي والعنيد, وتلازم البندقية مع المقاتل الفلسطيني.
والملاحظ أن منى وابنتها استعملتا نوعا حديثا من الخطوط يجمع بين الكوفي والديواني والريحاني، لكنه خط لا ينتمي إلى الخطوط الكلاسيكية العربية، فهو قريب في تشكيله إلى التكوين الفني بعيد عن قواعد الخط العربي.
أما الشمس التي جاءت واضحة فتعني تطلع شعب فلسطين إلى الحرية، وهي أيضا دعوة للحياة “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”, “في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها”. أما الطائر الذي يتكرر فهو على الدوام شقيق الحرية وهي مبتغى الشعب الفلسطيني.
وتقول النحاتة منى السعودي إن علاقتها بالشعر قديمة، فالفنون كلها تلتقي وتتوالد، ويظل الشعر بالنسبة لها مصدر إلهام وخاصة شعر درويش الذي يلهمها منذ السبعينيات بالعديد من الرسومات والمنحوتات.
وتضيف أنه من خلال معرض “تحية إلى درويش” قدمت عبارات منتقاة من عدة قصائد تلخص شعره وموقفه من فلسطين والأرض والإنسان فلسفة وشعرا وانتماء وحنينا.
الرسم والكتابة
من جهته يرى الناقد التشكيلي محمد العامري أن الشعر تاريخيا كان مدارا تشاركيا مع الرسم منذ المخطوطات العربية الأولى، حيث كان العرب يجاورون بين الرسم والكتابة, وانتقلت هذه المسألة إلى أوروبا، لكن الأمر كان معكوسا فكتبت قصائد عن أعمال فنية ومنحوتات.
وقال العامري إنه في بداية الستينيات عمل الفنان العربي على إعادة إنتاج النص الشعري بصريا, ومنهم من تورط في النص الشعري كفعل أوتوغرافي محاولا تقليد القصيدة بالرسم ومستسلما لصورها.
وأضاف أن هناك تيارا آخرا اعتبر الرسم نصا موازيا للقصيدة التي تستفزه، منهم العراقيان ضياء العزاوي ورافع الناصري, والمغربي محمد القاسمي وفي تجربة لوركا ودرويش للتشكيلي جهاد العامري, مشيرا إلى تجربته الشخصية في “أثر الفراشة” عام 2008.
واعتبر العامري في حديثه أن منى السعودي من الفنانات اللواتي اهتممن برسم الشعر، ولها تجارب سابقة مع الشاعر أدونيس وتجاربها الشخصية، إضافة إلى أنها تكتب وترسم.
وأشار إلى أن منى السعودي تكتب النص مقروءا في رسوماتها، وتتميز تخطيطاتها بحسها النحتي “كما لو أننا أمام رسم أولي لمنحوتة من حجر أو برونز, وتعتمد في صياغة رسوماتها على تداخلات الأقواس والثقوب، وتعتبر من الرائدات اللواتي رسمن القصائد”.
تجدر الإشارة إلى أن اللوحات مستوحاة من ثلاث قصائد لدرويش هي “تلك صورتها وهذا انتحار العاشق” و”نشيد إلى الأخضر” و”الأرض” التي كتبها درويش ليوم الأرض.
________
*(الجزيرة)