العُقــد



جي دي موباسان ترجمة : د. زين عبد الهادي

1

كانت فتاة فائقة الجمال والجاذبية، ولدت داخل عائلة من الحرفيين وكأن القدر أخطأ في حقها؛ لم ترتبط بالحظ، فلا توقعات بحياة أفضل، ولا نصيب لها أن تتزوج أو تتعرف أو حتى تزف إلى رجل لديه ثروة وجاه. في نهاية الأمر لم يكن أمامها سوى الزواج بكاتب صغير في وزارة التعليم، كان ذوقها بسيطاً، لأنها لم تكن قادرة على أن تفعل شيئاً آخر، لكنها كانت سعيدة لظنها أنها تزوجت وفقاً لرؤيتها، فهي امرأة لا تنتمي لطائفة أو طبقة عالية المقام، وانما ستنتسب لأسرته المتواضعة والتي هي بالضرورة أسرة جميلة وساحرة، ستقوم بخدمتهم من أجل روح العائلة، وستسعدها مهارتهم الطبيعية، وذوقهم التلقائي، وخفة دمهم، فقد استطاعوا الرفع من شأنها حيث وضعوا بنتا فقيرة مثلها على مستوى أرقى سيدة على الارض.
عانت ماتيلدا بشكل متواصل، كانت تشعر بأنها ولدت من أجل كل شيء نفيس وغال، عانت من فقر بيتها، جدرانه الرديئة، كراسيه التالفة، ستائره القبيحة، جميع هذه الاشياء، كأن هناك امرأة أخرى من نفس طبقتها المتواضعة تعيش مكانها لم يسبق لها أن أهينت وتم ازعاجها بهذا القدر الذي لا يطاق.
ذلك الجانب لفتاة بريتونية صغيرة أتت لتقوم بالعمل في بيتها الصغير أثارت حسرات قلب مكسور وأحلاما ميؤوس منها في عقلها؛ فلقد تخيلت حجرات خارجية صامتة مليئة بالمطرزات الشرقية، إضاءة مشعة في تجويف برنزي عال، واثنين من الخدم ذوى القامة الطويلة بسروالين يمتدان إلى أسفل الركبة، ينامان في كرسيين ذوى أذرع ضخمة، حيث يسود دفء بهيج من الموقد.
تخيلت صالونا واسعا مزينا بحرير عتيق، قطعا أنيقة من أثاث مدعمة بزخرفة ونمنمات قيمة، وحجرات صغيرة وجميلة معطرة، وجدت فقط من أجل الحفلات الصغيرة للأصدقاء المقربين، ورجال أغنياء أثار احترامهم في نفوس جميع النساء الاخريات الشوق للتنافس على خدمتهم.
عندما جلست مقابل زوجها من أجل العشاء على طاولة غطيت ثلاثة أيام بملابس قديمة، رفع الزوج غطاء سلطانية الحساء وهو يهتف بسرور:
أها.. مرق اسكتلندي.. ما أطيبه!
كانت قد تخيلت حياة أخرى تقضيها ما بين وجبات لذيذة وأوان فضية لامعة، وطرز تعمر الحوائط تمثل مجموعة من الناس من عصور سابقة وطيورا غريبة في غابات خيالية، تخيلت طعاما لذيذا مقدما في أطباق مذهلة، تخيلت صهيل جياد، تستمع له مع ابتسامة غامضة، كما تلهو في ذات الوقت بشوكة الطعام مع الجلد الوردي لسمك التروتة أو أجنحة دجاج الهليون.
2
لم تكن تملك أي ملابس أو مجوهر ات، لا شيء تقريبا، وهذه هي الأشياء الوحيدة التي أحبتها، شعرت بأنها خلقت من أجلها، كانت متشوقة للغاية للجمال، للاشتياق ذاته، أن تصبح أكثر جاذبية، ثم بعد ذلك الحصول على كل شيء والوصول لكل شيء.
لم تكن تملك سوى صديقة ثرية، صديقة مدرسة قديمة، رفضت أن تزورها، لأنها كانت ستعاني نواحاً شديداً عندما تعود للبيت إذا قامت بهذه الزيارة، كانت واثقة بأنها ستبكي جميع الايام بأسى وندم ويأس وتعاسة.
ذات يوم مبهج عاد زوجها حاملاً مظروفاً كبيرا ًفي يده.. قال لها:
هذا الخطاب من أجلك!
سريعا مزقت المظروف وسحبت من داخله بطاقة دعوة مطبوعا عليها هذه الكلمات:
وزير التعليم ومدام رامبوينو يسعدهما تشريف الضيفين العزيزين
الأستاذ لواسيل وحرمه في مساء يوم الإثنين 18 يناير 
بدلاً من أن تصبح سعيدة كما يتمنى زوجها قذفت الدعوة بوقاحة عبر الطاولة وغمغمت قائلة:
وماذا تريد أن أفعل بهذا؟
لماذا حبيبتي؟ لقد اعتقدت أنك سوف تسعدين بها، أنت لم تخرجي قط وهذه مناسبة كبيرة، لقد بذلت جهداً كبيراً حتى حصلت عليها.. كل شخص يريد واحدة منها، إنها دعوة مميزة جداً وقليل جداً من سيذهبون إليها، حقاً سوف تشاهدين جميع الأشخاص من علية القوم هناك.
نظرت له بعينين غاضبتين وقالت:
وماذا سأرتدي من وجهة نظرك في مثل هذا الحدث؟
لم يفكر في هذا الأمر… تلعثم
لماذا؟ الفستان الذي ذهبت به للمسرح يبدو لطيفاً جداً بالنسبة لي!
فجأة توقف، وارتفعت دهشته، وفقد كلماته، عندما رأى زوجته قد بدأت في البكاء… دمعتان ضخمتان تدفقتا ببطء للأسفل من زاويتي عينيها نحو زاويتي فمها.
3
تلعثم وكرر كلماته:
ما الأمر معك؟ ما الأمر معك؟
بجهد عنيف تغلبت على حزنها وأجابت بصوت هادئ.. وهي تجفف وجنتيها المبللتين
لا شيء.. فقط أنا لا أمتلك فستانا ًلذلك لا أستطيع أن أذهب إلى هذا الحفل.. أعط دعوتك لصديق لك، زوجته يمكنها أن تحضر هذا الحفل بشكل أفضل مني.
شعر بتحطم قلبه.. لكنه تماسك وقال:
انظري لى ماتيلدا.. ما تكلفة الفستان الملائم الذي يمكنك ارتداءه في المناسبات بشكل جيد.. شيء ما بسيط جداً؟
فكرت لعدة ثوان.. تحسب السعر وأيضا تتساءل ما أضخم مبلغ يمكنها أن تطلبه دون أن تضع نفسها في موقف رفض فوري وتمنع صعود علامة تعجب في عقل كاتب يقظ؟
في النهاية أجابت ببعض تردد:
أنا لا أعرف بالضبط ولكني أعتقد أني قد أستطيع ذلك بأربعمائة فرنك.
شحب لونه.. فهذا هو المبلغ الذي كان يحتفظ به من أجل البندقية التي كان ينوي اقتناءها مع بعض الطلقات ليذهب الصيف القادم على أرض ناتير مع صديقه الذي ذهب ليستمتع بهواية الصيد هناك يوم الأحد. ومع ذلك قال:
جيد جداً سوف أعطيك أربعمائة فرنك لكن حاولي أن تحصلي حقاً على فستان جميل.
اقترب موعد الحفل ومدام لواسيل تبدو حزينة غير مرتاحة وقلقة.. فستانها أصبح جاهزاً ومن ناحية أخرى ذات مساء سألها زوجها:
ماذا حدث لك؟ أنت غريبة جداً في تصرفاتك الأيام الثلاثة الأخيرة؟
أجابته
أنا حقاً تعيسة لعدم امتلاك أي جواهر.. لا حجر كريم واحد لأرتديه.. ربما يجب ألا أذهب للحفل.
4
قال لها: ارتدي ورداً.. الورد مناسب تماما ًفي هذا الوقت من السنة بعشرة فرنكات يمكنك أن تحصلي على وردتين أو ثلاث.
(غير مقتنعة) ردت قائلة: لا. لا شيء يذل أكثر من الظهور بالفقر وسط العديد من النساء الثريات.
صرخ زوجها: كم أنت غبية.. اذهبي لمدام فوريستر واطلبي منها أن تعطيك بعض المجوهرات فأنت تعلمين جيداً أنها تملك الكثير منها، ولن ترفض!
أطلقت دموع الفرحة قائلة: هذا صحيح كيف لم أفكر في هذا قط؟!
في اليوم التالي ذهبت لترى صديقتها وتخبرها عن مشكلتها، توجهت مدام فوريستر لمنضدة زينتها وأخذت منها صندوقاً كبيرا،ً.. فتحته أمام مدام لواسيل وقالت:
اختاري عزيزتي!
تطلعت لبعض الأساور ثم عقد من اللؤلؤ ثم صليب معدني من ذهب وحجر كريم صنع بمهارة.. جربت تأثير الجواهر أمام المرآة.. مترددة.. غير قادرة على أن تجبر عقلها أن تتركها، ولكي تستسلم سألتها:
لا تمتلكين أي شيء آخر؟!
نعم؟ انظري في الصندوق بنفسك..
فجأه.. اكتشفت في الصندوق الحريري الأسود عقداً ألماسياً ممتازاً في علبته.. بدأ قلبها في الخفقان.. اهتزت يدها وهي تضعه حول عنقها فوق فستانها الأنيق وظلت في سعادة بمشاهدة نفسها ثم بتردد.. سألت بحزن:
هل تستطيعين منحي هذا؟ فقط هذا بمفرده؟
نعم.. طبعاً.
قفزت بنفسها على صدر صديقتها.. عانقتها بجنون وذهبت مع كنزها الثمين!
جاء يوم الحفل ونجحت مدام لواسيل، فقد كانت أجمل امرأة حضرته.. أنيقة.. رشيقة. مبتسمة.. وتفوقت على نفسها بسعادة.. جميع الرجال حدقوا فيها بسرور.. يبحثون عن اسمها ويطلبون ودها والتعرف عليها.. جميع المسؤولين في السلطة متشوقون لرقصة الفالس معها، حتى الوزير نفسه.
5
رقصت بسعادة وسكرت بسعادة.. غيمة من السعادة في هذا التعظيم العالمي لها والمقرون بالإعجاب. ومن أمنيات أثارتها.. من النصر التام الغالي جداً على قلبها الأنثوي.
في الرابعة صباحاً غادرت بينما منذ منتصف الليل كان زوجها يمضى وقته بالنوم داخل حجرة قاحلة صغيرة مع ثلاثة رجال آخرين كانت زوجاتهم يستمتعن بوقتهن.. كان قد ألقى رداء على كتفه أحضره من أجلهم عند العودة للمنزل.. كان فقرهما يتعارض تماماً مع فستان الحفل.. لكنها في هذه اللحظة كانت متشوقة للإسراع بالخروج لذلك، ولم تلاحظ ما ترتديه النسوة الأخريات من فرو ثمين.
قال لها لواسيل:
انتظري قليلاً.. سوف تأخذين برداً في الخارج.. تمهلي سوف أحضر تاكسي.
لكنها لم تستمع له وأسرعت بنزول السلالم، وعندما خرجا إلى الشارع لم يمكنهما العثور على تاكسي وبدآ يبحثان عن واحد.. كانا يصرخان في السائقين الذين يعبرون الطريق مسرعين.
محبطين ويرتعشان.. قاما بالمشي حتى نهر السين وفي النهاية وجدا على رصيف الميناء عربة قديمة تُرى فقط في باريس بعد هبوط الظلام، بينما كانا في أشد الخجل من ملابسهما الخفيفة في ظلام وبرودة باريس إلى أن اقلهما التاكسي حتى بابهما في ريو دي مارتيرس وبحزن سار كل واحد منهما إلى غرفته.. هذه نهاية الليلة لها وله.. بينما كان يفكر أنه يجب أن يكون على مكتبه في الوزارة نحو العاشرة.
اخذت الرداء الذي يحيط بكتفها ونظرت لنفسها في تألقها أمام المرآة لكن فجأة انطلقت في البكاء والعويل فالعقد كان قد اختفى من حول عنقها.
6
سألها زوجها وهو شبه عار:
ماذا حدث لك؟
أدارت وجهها باتجاهه في انزعاج بالغ
أنا. أنا. أنا.. يبدو أن عقد مدام فوريستر.. قد فُقد.
ماذا؟ مستحيل!!!!!!!!!!
بحثا في ثنايا فستانها. ثنايا البالطو… في المحفظة، في كل مكان لم يستطيعا أن يجداه.
سألها: هل أنت متأكدة أنه كان معك عند خروجك من الحفلة؟
نعم أنا لمسته في ممر بيت الوزير.
لكن لو كنت فقدته في الشارع كان يجب أن نسمع سقوطه.
نعم كان يجب…. هل أخذت رقم التاكسي؟
لا لا. هل لاحظته انت؟
لا.
بدآ في النظر لبعضهما في ذهول، وفي النهاية عاد لواسيل لارتداء ملابسه مرة اخرى.
سوف أذهب لجميع الاماكن التي تمشينا بها.. وابحثي أنت أيضاً هنا فربما تجدينه.
وانطلق خارجاً.. بينما ظلت بملابس سهرتها تفتقر القوة للذهاب للسرير… التفت حول نفسها على الكرسي دون إرادة أو قوة للتفكير، في السابعة صباحا ًعاد زوجها ولم يعثر على شيء.
ذهب لمراكز البوليس.. للجرائد ليعرض مكافأة لمن يعثر على العقد. لشركات التاكسيات. لكل مكان يمكن أن يجد فيه الأمل، بينما انتظرت هي طوال اليوم في نفس حالة الارتباك بسبب هذه الكارثة المخيفة، في المساء جاء لواسيل ووجهه شاحب.. إذ لم يعثر على أي شيء.
7
قال لها يجب أن تكتبي لصديقتك وتخبريها أنك كسرت مشبك عقدها وسوف تقومين بإصلاحه.. سوف يعطينا ذلك فسحة من الوقت حتى نبحث حولنا
بنهاية الاسبوع فقدا كل الآمال، لواسيل الذي بدا عليه أنه كبر في العمر خمس سنوات قال لها:
علينا أن ان نسدد ثمن العقد الألماسي.
في اليوم التالي اخذا العلبة التي كانت تحمل العقد للجواهرجي الذي كتب اسمه داخل العلبة.
فحص الجواهرجي الصندوق وقال:
ليس أنا الذي باع العقد.. لكن يمكنني إعادة صناعة المشبك.
ذهبا لجواهرجي لآخر يبحثان عن عقد يشبه العقد الأول.. يستشيران ذاكرتيهما.. كلاهما متعب مع تنامٍ لمشاعر الندم والكرب داخل عقليهما.
في محل بمنطقة “باليه رويال” وجدا عقداً من الألماس يشبه تماماً العقد المفقود.. قيمته 40 ألف فرنك . وتحدث البائع عن إمكانية أن يمتلكاه بستة وثلاثين ألف فرنك فقط.
توسل للجواهرجي ألا يبيعه لمدة ثلاثة ايام وأنهما سوف يقومان بتوفير المبلغ في حال إن لم يجدا شبيهاً تماماً بالعقد الأول قبل نهاية فبراير.
كان لواسيل بحوزته 19 ألف فرنك، تركها له والده كميراث وكان ينوي أن يستدين الباقي، حيث حصل على ألف من رجل.. وخمسمائة من آخر.. وفرنك فرنسي من هنا. وفرنك فرنسي من هناك.. استدان ودخل في اتفاقيات ديون بالربا الفاحش، ذهب لكل المرابين وجميع فئات مانحي الأموال.. رهن كل ما امتلكه في سنين حياته.. خاطر بتوقيعه دون سابق معرفة، وأقسم أغلظ الأيمانات بأنه يستطيع إعادة هذه الأموال في موعدها وهكذا مضى في طريق التعاسة المظلمة التي سقطت فوق كتفيه.. مع احتمالات بمزيد من الحرمان الجسماني والتعذيب الأخلاقى للنفس.. ذهب لكي يحصل على عقد جديد ويضع في خزينة الجواهرجي ستة وثلاثين ألف فرنك.
8
عندما أخذت مدام لواسيل العقد لمدام فوريستر قالت لها بصوت بارد:
كان يجب أن تحضريه مبكرا عن ذلك فلربما أحتاجه في أي لحظة.
ارتعدت من الخوف حين قامت صديقتها بفتح العلبة.. هل يمكن أن تلاحظ أن العقد تم استبداله.. في ماذا سوف تفكر؟.. ماذا ستقول؟ هل ستتهمها بالسرقة؟.. لكن مر الموقف بسلام ولم تلاحظ السيدة فوريستر الأمر.
أتت مدام لواسيل للحياة التي يسكنها الفقر الوضيع، بعد أن لعبت هذا الدور البطولي الذي قامت به لأول ولآخر مرة في حياتها.. يطاردها هذا الخوف من الدين الذي يجب أن يدفع.. سوف تدفعه.. باعا منزلهما وأجرا شقة ضيقة وصغيرة في أعلى طابق من مبنى تحت السطح مباشرة.
قامت بكل مهام الشغل الثقيل في البيت.. المهام الكريهة في المطبخ..غسلت الأطباق.. ضعفت أظافرها الوردية إثر غسيل الأوانى الرديئة وكحت قاع المقلاة.. غسلت الكتان المتسخ والقمصان وأفواط الصحون ونشرتها على الحبال.. كما كان من واجباتها كل يوم أن تأخذ صندوق القمامة للشارع.
تحمل المياه…. تقف على أي رصيف شارع لكى تأخذه بنفسها وأصبحت ترتدي ملابس امرأة فقيرة. تذهب للفكهاني. للبقال.. للجزار…. السلة معلقة بيدها.. تساوم على السعر.. تسب.. تقاتل من أجل كل بنس بائس من أموالها، كل شهر تدفع نقود الدين.. والوقت يقترب، بينما يعمل زوجها في المساء.. يدفع باستقامة ديونه وفوائد الديون للتجار.
استمرت هذه الحياة عشر سنوات وفي نهايتها كان كل شيء قد تم دفعه. حساب المرابين وفوائده.
تبدو مدام لواسيل الآن وقد تقدمت في العمر، وأصبحت تشبه جميع النساء الأخريات القويات.. صلبة.. خشنة تعيش في أسرة فقيرة، شعرها مصفف بشكل سيئ.. تنورتها أصبحت ملتوية وبالية، وكفاها أصبحتا حمراوين.. تتحدث بصوت حاد والماء ينزلق من الطابق العلوي عندما تنظفه، لكن أحياناً عندما يكون زوجها في المكتب.. تجلس تحت النافذة وتفكر في هذا المساء الطويل الذي مر في الحفل عندما كانت جميلة جداً وحظيت بإعجاب كبير.
9
ماذا كان يحدث إن لم تفقد هذه الأسرة الجواهر؟ من يعرف؟ من يعرف؟ كم أنت غريبة أيتها الحياة؟ كم تغيرت؟
ذات يوم أحد ذهبت للتمشي طويلاً في شارع “شامب أليسيس” لكي تنعش نفسها بعد عمل الأسبوع.. فجأة وجدت أمامها امرأة تتحدث مع طفل تحثه على أن يسير.. كانت مدام فوريستر. ما زالت كما هي.. ما زالت صغيرة.. ما زالت جميلة. ما زالت جذابة.
تناوبت على مدام لواسيل بعض الأفكار.. هل يجب أن تتحدث معها؟ نعم.. بالتأكيد والآن فقد سددت كل ديونها.. سوف تخبرها بكل شيء.. لماذا لا؟
اقتربت منها قائلة:
صباح الخير جيانا.
لم تتعرف الأخرى عليها وتفاجأت من هذه الطريقة الاعتيادية التي تخاطبها بها امرأة فقيرة.
تلعثمت:
لكن.. مدام. أنا لا أعرفك. أنت بالتأكيد أخطأت.
لا أنا ماتيلدا لواسيل.
اجهشت صديقتها بالبكاء
أوه ماتيلدا المسكينة.. كيف تغيرت؟
بالفعل أنا لاحقتنى ساعات صعبة منذ أن رأيتك آخر مرة وحزن كثير.. وكل هذا بسبب حكاية تتعلق بك.
حكاية تتعلق بي؟….. كيف هذا؟
تتذكرين العقد الألماسي الذي أخذته منك من أجل حفل الوزارة؟
نعم.. أذكره جيداً.
حسناً…. أنا فقدته في تلك الليلة.
كيف؟……….. لقد أحضرته لي مرة أخرى.
لقد أحضرت لكي عقدا آخر، فقط يشبهه، وخلال عشر السنوات الماضية كنا ندفع ثمنه.. تدركين أن هذا ليس سهلاً بالنسبة لنا، فقد كنا لا نملك نقودا لذلك. حسناً.. لقد دفعنا ثمنه في النهاية.. وأنا سعيدة حقاً!
10
توقفت مدام فوريستر وقالت:
تقولين إنك اشتريت عقداً من الألماس بدلاً من عقدي؟
نعم.. ألم تلاحظي هذا؟ إنهما متشابهان إلى حد بعيد!
وابتسمت في فخر تلك الابتسامة البريئة، بينما تقدمت مدام فوريستر وأمسكت يدها في عمق وقالت:
أوه… ماتيلدا المسكينة. لكن العقد الذي كنت أمتلكه تقليد.. كانت قيمته لا تزيد على خمسمائة فرنك على الأكثر!!

ــــــــــــــ
* القاهرة.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *