*المهندس فتحي الحبّوبي
خاص ( ثقافات )
«نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكّر ..
ومتعصّبون إذا لم نرد أن نفكّر..
وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكّر.. »
من مقولات أفلاطون
من اللّافت للانتباه، أنّ سعة الأفق هي من معاني اسم أفلاطون باليونانيّة ، بحيث يصحّ فيه القول أنّه اسم على مسمّى. لا سيّما وأنّ أفلاطون يشجّع في مقولته المذكورة مطلع المقال، على التفكير الذي هو رديف للأفق الواسع. ولا ريب في ذلك فأفلاطون إنّما هو تلميذ لسقراط الذي، من نافلة القول التأكيد على أنّه، يعدّ من أعظم الفلاسفة على مرّ التاريخ، إن لم يكن أعظمهم. ويمكن اعتباره – بتعبير الفكر الشيعي- سيّد شهداء الفكر الحرّ، الذين دفعوا حياتهم قربانا على مذبح حريّة الفكر في سبيل الإصداع، بصوت عال وليس همسا، وبقوّة في غير ما إستكانة ولا ضعف، عن آرائهم وأفكارهم المبدعة الحرّة. تلك الأفكار المحرّرة للإنسان من عبوديّته لصنم السلطة السياسية ولأرباب سلطة المؤسّسة الدينيّة الأحاديّة الرؤية والفكر، الممارسة للإرهاب الفكري المنظّم على الفكر المختلف والمتسيّدة ، في الأغلب الأعمّ، للجهل والتجهيل وللجمود والتكلّس الفكري الخانق للإبداع. وهو ما تأباه طبيعة الحياة القائمة على الحركة والتحوّل الذي لا ينقطع بفعل الطوفان المعرفي الذي يقتصر إنتاجه -للأسف- على الدول العلمانيّة دون غيرها.
فسقراط القائل« إذا أردت أن أحكم على إنسان ، فإنّي أسأله كم كتاباً قرأت وماذا قرأت » أي أنّ شيخ الفلاسفة، لا يساوي بين العارف والجاهل عند إصدار أحكامه، لا سيّما وهو القائل «المعرفة هي الخير والجهل هو الشرّ» ، كانت له وقفة حازمة في وجه السفسطائيين، المجادلين اعتمادا على تضليل الخصم، المهيمنين على الفكر الفلسفي في عصره. إلّا انّه تجرّأ، في البدء، على انتقادهم رغم ذلك، وحاربهم بقوّة الحجّة وعقلانيّة محاوراته ذات البعد التنويري والصبغة التحريضيّة، كوظيفة أساسية لتحرير العقل. ثمّ تجرّأ ،ثانية، وانتقد السلطة، فاتّهمه خصومه بإفساد الشباب والزندقة بما هي في المفهوم الإسلامي الذي جاء لاحقا، النفاق بإبطان الكفر وإظهار الإيمان- وهي أسهل التهم الجاهزة في عصره كما التكفير اليوم- مما كلّفه، بعد مكابدة فكرية شاقّة، حكما بالإعدام دون مراعاة لشيخوخته، وهو الذي تجاوز عقده السابع. وهو من هو، قامة فكريّة شامخة وهامة فلسفيّة سامقة يشهد ويشيد بها الجميع.
ما كابده سقراط، لا يطرح إشكالية العلاقة بين المفكّر الحرّ والسلطة فحسب، بل وكذلك بين من يفكّر، ومن يكفّر من يفكّر. وهي ذات العلاقة العدائية المتأزّمة عموما، بين العقلُ الأصولي والعقل الحداثي ، بين حامل لواء الفكر الحرّ و من يعادي الفكر والحريّة في آن معا. بتعبير آخر، هي العلاقة القائمة بين المفكّر والجاهل و/أو المجهّل. إنّها في نهاية التحليل، إشكالية العلاقة بين التفكير الذي من مقوّماته، العقل والعقلانيّة والنقد العلمي وقوّة الحجّة ورحابة الأفق، بما يعني الحوار بالكلمة و الانفتاح على الآخر المغاير ، وبين التكفير الذي من مقوّماته، القراءة المتشدّدة و الإنتقائية للنصّ الديني، والإستقواء بالقرآن والعقيدة على الفكر، والغلوّ والتعصّب، وضعف البصيرة بحقيقة الدين، والتحجّر الفكري وخنق الحريّات الفرديّة وفرض الرأي الواحد ومعاداة الديمقراطيّة والتعدّديّة في أيّ مجال وضيق الأفق بما يعني الانغلاق على الذات و الحوار باللكمة القويّة بدلا من الكلمة الهادئة و المحاججة والبرهان بما يولّد التثاقفً. لا بل وإطلاق تهم الإلحاد والزندقة والتعنيف والتقتيل والتفجير عند الاقتضاء. وذلك بالرغم من أنّ القرآن يؤكّد أن (لا إكراه فى الدين) ويقول (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) و(عليكم أنفسكم لايضرّكم من ضلّ إن اهتديتم).
ومعلوم أنّ التكفير ليس من ممارسات المفكّرين بالمطلق، في حين أنّ التفكير-على الأرجح- ليس من ممارسات التكفيريين، الذين يكفّرون كلّ من يخالف النمطيّة الفكريّة السائدة. رغم الآيات القرآنيّة التي تدعو إلى التفكير والتدبّر والتأمّل أي إلى استعمال العقل كما جاء في قوله تعالى ( أفلا يعقلون) و( أفلا يتدبّرون). والتكفيريون غير مقتنعين بضرورة النقد الذاتي والتراجع، إلّا في الحدود الدنيا التي استوجبتها مراجعات بعض الحركات السلفيّة. وهي المراجعات التي أدّت بهم إلى تبنّي خيارات ، كانوا في السابق يكيلون لها سهام النقد اللاّذع، ويعتبرونها أعجز من أن تفهم الواقع، وبدرجة أقل أن تغيّره. ولعلّ أشهرها، مراجعات جماعة الجهاد المصريّة، المتعلقة بمسالة التكفير والجهاد. وقد حصلت بعد دخول أغلب قياداتها إلى غياهب السجون، على إثر حادثة المنصّة الشهيرة التي أودت بحياة السادات وجاءت بالكارثة حسني مبارك. حيث أنّها أقرّت فيما أقرّته، أنّ التكفير كان سببا في أهدار دماء الأبرياء. يضاف إلى ذلك، تراجعات ضئيلة لقلّة من مشايخ السعودية، وكذا المراجعات المغربية والليبية وربّما السودانيّة التي لا يكاد يكون لها تأثير بالمطلق.
لذلك أكاد أجزم أنّه ليست هناك صراعات فكريّة بين المفكّرين والتكفيريين.لأنّها لو وجدت-وهذا مستبعد- فستكون عبثيّة وغير ذات جدوى كما هي الحوارات في ما يسمّى بالمسرح العبثي أو مسرح اللاّمعقول، ولا سيما في مسرحيّة ” في انتظار غودو” للكاتب الأيرلندي صموئيل بيكيت. بما يعني أنّها ستكون بالقطع، بعكس المعارك والصراعات الأدبيّة التي ميّزت أوروبا، انطلاقا من القرن السادس عشر إلى غاية القرن الثامن عشر. حيث أنّ المقارنة غير واردة، بين صراعات ومعارك المفكّرين فيما بينهم، وهي معارك تنتج التلاقح الفكري الخلاًّق، كما تنتج التقدّم وتتّجه دوما إلى الحياة سعيا إلى تحسين ظروفها، وبين صراعات مابين مفكّرين و عاطلين أو معطّلين عن التفكير. فالتكفيريون، هم أحفاد وسليلو فكر الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب وخاصّة الكبائر. وقد عارضهم علي بن أبي طالب مستغربا تصرّفاتهم حيث قال لهم :(من علّمكم قتل النّاس على آرائهم) و(بينى وبينكم قتل النّاس وظلمهم) وقال فيهم :(أنتم شرّ النّاس جميعا). ومن دلالات حماقتهم أنّهم يستنكرون بشدّة أن يمدّ أحدهم يده لقطف تمرة من بستان على ملك الغير، لأنّ ذلك اعتداء على مال مسلم. لكنّهم يكفّرون عليّا أبن أبي طالب، الذي خرجوا عن منهجه، ثمّ يقتله أحدهم ليلة القدر من شهر رمضان، قائلا وهو يضربه(يا ضربة من تقي ما أراد بها إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا). اعتقادا منه بأنّ ذلك يقرّبه إلى الله!!! و هو ما يفسّر السعار الذي يتلبّس التكفيريين للقتل. كما يعني أنّ أصابعهم ملطّخة بدماء مخالفيهم الأبرياء، حتّى ولو كانوا من بينهم. ممّا يكشف تناقض طروحاتهم دون لبس.
والتكفيريون لا تستهويهم الحياة بقدر ما تستهويهم صناعة الموت لمن يكفّرونه ويهدرون دمه لمجرّد أنّه توصّل إلى رؤية، غير التي يعتبرونها الحقيقة المطلقة، أو فكر مخالف، يعتبرونه، هم، خروجا عن الملّة والدّين. فالتكفيري لا يعترف بنسبيّة الحقيقة التي هي من مرتكزات الحداثة التي تواكب حركة التاريخ والمستجدّات المعرفيّة، والتي يناصبها التكفيريّون العداء، رغم دورها المتعاظم في إيجاد الحلول لتحدّيات الواقع و معالجة أزمات المجتمع المتزايدة حدّتها على جميع المستويات.
من نتائج هذه الرؤية الضيّقة للفكر الديني السلفي التكفيري المنغلق على ذاته، أن قاسى الكثيرون من خيرة ناقدي الفكر الديني، عبر التاريخ القديم والحديث، ويلات ومآسي وأهوال تفوق لفظاعتها طاقة التحمّل. لقد مارسها عليهم من يحنّون لتطبيق أحكام الردّة في غير سياقها الموضوعي.
فهذه الفرقة الكلاميّة المعروفة بالمعتزلة يقع تكفير فلاسفتها وفقهائها، لا لشيء سوى أنّهم، أكّدوا على مسؤولية الإنسان عن مصيره، وعلى التمييز ما بين الطبيعة وما بعد الطبيعة، وعلى التفريق ما بين التناهي واللاتناهي. كما اعتمدوا على منهج العقل وقدّموه على منهج النقل في تأسيس العقيدة التي تضمّنت، نفي شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمّته، و نفي كرامات الأولياء، والقول بأنّ القرآن مخلوق. ومن المفارقات أنّ مسألة خلق القرآن أفضت فيما بعد، في عهد الخليفة المأمون، إلى مذابح رهيبة لمن يعتقدون أنّ القرآن قديم منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. وهو عكس ما يعتقده المعتزلة وأشهرهم الجاحظ الذي كفروه هو الآخر.
وهذه فرقة إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء وهي حركة إسلاميّة سرّيّة متأثّرة بالفلسفة اليونانيّة والفارسيّة والهنديّة والفكر الحرّ عموما، ساعية للتوفيق بين العقائد الإسلاميّة والحقائق الفلسفيّة، ترى أنّ « الشريعة قد دنّست بالجهالات، واختلطت بالضلالات؛ ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلّا بالفلسفة»، تتّهم بالإلحاد و تكفّر هي الأخرى طبقا لمقولة «من تمنطق فقد تزندق» ومن بين من وقع تكفيرهم ضمنها، نذكر أبن سينا والفارابي.
ولعلّ مأساة ابن المقفّع الذي ينتمي فكريّا إلى هذه الفرقة تختصر هول ما لحقها من عناء. ذلك أنّ جسده قد قطّع و أكره على أكله مشويًّا حتى مات وهو في مقتبل العمر، ولم يتجاوز السادسة والثلاثين، لمجرّد كتابة مخطوطة للخليفة العبّاسي السفّاح، أبو جعفر المنصور، سمّاها رسالة الصحابة، تضمّنت رؤِيته للإصلاح متعدّد الأبعاد؛ لعيوب الخلافة والمستخلفين والقادة والجنود والقضاة وحتّى جباة الجزيه…
ولقي الحلّاج بعد تكفيره، مصيرا مشابها، حيث تمّ صلبه حيًّا، وفي مرحلة ثانية وقع تقطيع جسده هو الآخر، لأنّه هو وابن العربي الذي كفّروه أيضا، يعتقد بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ. وهو ما يعرف بوحدة الوجود، ويعني توحّد الخالق بمخلوقاته. حتّى أنّ الحلّاج قال يوما في هذا المعنى : (مافي جبّتي إلّا الله) و(أَنَا اللَّهُ).
ولعلّ تكفير ابن رشد وإحراق مكتبته، من أهمّ أسباب التخلّف الفكري للعرب والمسلمين؛ لأنّه يعتبر-عن جدارة- أفضل فيلسوف أنتجته الحضارة العربيّة الإسلاميّة على مدى تاريخها المديد. فهذا المفكّر الفذّ، الذي كاد يؤلّه العقل رغم تديّنه الشديد، وبذلك يكون رائدا للعلمانيين دون منازع، شرح كل التراث الأرسطي العظيم بما جعل فكره مهيمنا على برامج الجامعات في أوروبا القرون الوسطى وحتّى نهاية القرن السادس عشر. حتّى أن الفيلسوف الإيطالي بيترو بمبوناتسي) Pietro Pomponazzi ( أسّس مدرسة عرفت باسم “المدرسة الأرسطيّة الرشديّة”، إضافة إلى ورود اسمه في الكوميديا الإلهيّة “La Divine Comédie ” ” لدانتي (Dante) i مع زمرة من الفلاسفة العظماء. ورغم أن ابن رشد الذي يقول : » إن الحقّ لا يضاد الحقّ بل يوافقه ويشهد له « ويرى أن» » الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها«، و لا يرى تعارضا بين الدّين و الفلسفة ، فإنّه اتّهم من قبل شيوخ الفقه بالأندلس في عهد ملوك الطوائف ، بالكفر والإلحاد، وحرقت جميع مؤلّفاته الفلسفيّة كما منع من الاشتغال بالفلسفة والعلوم ما عدى الطبّ. ثم أبعد من الأندلس إلى مرّاكش وتوفّي بها غريبا. و بموته انتصرت مدرسة النقل لزعيمها الغزالي، نهائيّا، على المنهج العقلي وأغلق باب الاجتهاد واستسلم المسلمون لنوم عميق وسكون رهيب، لا يزال يلازمهم إلى اليوم .فلعلّهم استمرؤوه .
أمّا البيروني، الذي تمّ إطلاق اسمه على بعض معالم القمر، وقال عنه المستشرق سخاو: »إن البيروني أكبر عقليّة في التاريخ«. وهو صاحب موسوعة ” القانون المسعودي في الحياة والنجوم” التي كافأه عنها السلطان مسعود الغزنوي ، فيما رفض البيروني، قبول هديّته. وهو من أشهر الشخصيّات العلميّة، ويعتبر من أعظم من أنجبتهم الحضارة الإسلاميّة، لنبوغه في فروع علميّة عديدة ولا سيّما الفلك. حتّى انّه قال بوجود قوى للجاذبيّة بين الأجسام، قبل أن يكتشفها نيوتن بستّة قرون. ممّا ما حدا بجامعة موسكو أن تقيم له تمثالا يخلّد ذكراه في متحفها الجيولوجي. إلّا أنّ البيروني تمّ تكفيره بعدما ناقش مسألة تكوين مرصد للتنبّؤ بأحوال الطقس. ضرورة أن ذلك من اختصاص الله وحده !!!
وأماّ أبو حيّان التوحيدي، الكاتب المعتزلي المبدع، الملقّب بشيخ الصوفيّة وفيلسوف الأدباء، ذلك العبقري، صاحب كتاب الإمتاع والمؤانسة”-وهو من عيون الأدب العربي- فقد أحرق كتبه بنفسه نتيجة الأحباط ، بعد أن تجاوز التسعين من العمر. ولمّا اتّهم بالزندقة والإلحاد لقوله بالتعطيل-وهو النفي والإنكار- طلبه الوزير الصاحب لغرض قتله، فهرب، واستتر منه، ومات في الإستتار.
: وأمّا عميد الأدب العربي طه حسين- فقد أفتى بتكفيره مفتى الجمهوريّة المصريّة في حينه، لما ورد في كتابه “في الشعر الجاهلي الذي ظلّ ممنوعا إلى وقت قريب. لأنّ التكفيريين رأوا فيه محاولة للاعتداء على التراث العربي الإسلامي وزرع الأساطير والشبهات في قلب السيرة النبويّة لتلويثها بعد أن نقّاها مؤرخو الإسلام!!!
وأمّا في التاريخ الحديثّ فلا يمكن تجاوز محنة الباحث الأكاديمي نصر حامد أبى زيد، المتخصّص في الدراسات الإسلاميّة ، دون التعرّض لها. فهي جاءت بعد تكفير فرج فوده وقتله، وإثر محاولة نصر حامد، الحائز على جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر، ممارسة الفكر النقدي العلمي الخالص، بتأليفه لكتاب نقد الخطاب الديني الذي أعتبر فيه أنّ الخطاب الديني “خبيث” وماكر، يخلط ما بين النِّصاب الديني والنِّصاب الفكري. ثمّ هو يعتمد على آليّة النقل ، دون تدبُّر وتفكُّر؛ بما يناهض الإبداع. حيث أنّ العقل النقلي يفتقر إلى أبسط آليات التفكير العقلي، النقدي. وقد خلص نصر حامد أبى زيد إلى أنّ التكفير هو ليس فقط، سمة أساسية من سمات الخطاب الديني – معتدلا كان أو متطرّفا- بل هو كذلك، سمة أساسيّة من سمات العقل النقلي الذي يسبّب العقم الفكري. كما خلص إلى وجوب التحرّر من سلطـة النصّ القرآني و من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان.لذلك وقع أتُهامه بالارتداد والإلحاد، ثمّ وقع التفريق بينه وبين زوجته قسراً، على قاعدة “أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم” .ممّا أضطرّه للعيش بالمنفى حتّى أشتدّ به المرض فعاد إلى مصر، أسبوعين فقط قبل وفاته.
وحتّى لا أثقل على القارئ بتفاصيل أسباب تكفير ناقدين آخرين للفكر الديني الذي يقدّسه السلفيون كأنّما هو الدّين ذاته، فيما هولا يعدو إلّا أن يكون”قولاً دينيًّا” مختلفا عن النصّ الإلاهي المقدّس. فإنّي أكتفي فيما يلي، بإشارات عجلى لبعضهم ودون توسّع.
من هؤلاء، نذكر محمود محمد طه وهو مفكّر سوداني، كفّروه ثمّ أعدموه، و ابن الرواندي الذي كفّروه، والمفكّر حسين مروة الذي قتلوه، ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي الذين كفّروهما واتهموهما بأنّهما عميلان للغرب. أمّا على الوردى وعلى شريعتي، اللذان نقدا الدّين والأنبياء وأصناف من رجال الدين، ودعيا إلى ثورة في الفكر الإسلامي فاعتبرا تنويريين ووقع تكفيرهما بذلك
.هذا، إضافة إلى تكفير كل من المفكرين، الطاهرالحدّاد، رائد تحرير المرأة في تونس، و فضل الرحمن وهو باكستاني، ومحمّد أركون وهو جزائري، ومحمّد عابد الجابري وهو مغربي، وحسن حنفي وهو مصري، وشعراء كالمعرّى، والمتنبّى، والرصافى، والجواهرى، ونزار قبّانى، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السيّاب و كثيرون غيرهم، ممّن أنهكتهم محنة التفكير الحرّ، الذي يكاد يصبح وصمة عار في زمن فتاوى التكفير المجاني التي تجنح عن الصواب و لا تصدر إلّا عن أموات بلا قبور أو أحياء يعادون الحياة ولا يعيشون عصرهم، بل يخوضون حربا دائمة على العصر ومنتجاته. لكنّها حرب خاسرة بالتاكيد ولو طال أمدها.