كُرَةٌ مُتمَرِّدَة


*عبد الرحيم التوراني


خاص ( ثقافات )

في الملعب الكبير كانوا يمررون الكرة بين أرجلهم. كل فريق يجتهد لزرعها في مرمى الخصم. رغم الحيل والمراوغات العالية التفنن، أبت الكرة أن تسكن في أي شباك. 
صفَّرَ الحكم صافرة النهاية. ظلت الكرة في وسط الملعب مُنْهكَة مُهْمَلة. عرضة لتحرش العشب المحروث. أحنت رأسها وتدحرجت بعون الريح خارج الملعب. تربأ بنفسها أن تكون شهوة الأرجل والرؤوس والشباك والعشب المجثث، تزفها صافرة لفرحة شامتة، أو لفرجة صاخبة.
قالت الكرة بغرور قاتل:
– لست مازوخية ولا متمنعة، كما يظنون، بل إني أحب من يحس بأنوثتي، لا لمن يلطمني ويركلني فقط. أنا الكرة، من شكل استدارتي توصف الأرض، وتبزغ الشمس، ويكتمل البدر. وانتفاخ البطون من رسمي، ومن تكوري كريات الدم التي تسري في العروق، ولا تنسوا الرؤوس البشرية الفارغة. نظيفة أنا وليس في بطني سوى الهواء.
ردت المدرجات الفارغة صدى كلماتها الجوفاء، وأطلقت الريح صفيرها العالي على هيأة أصفار. 
اقتيدت الكرة المتمردة بعد بقْرها وتبديد ما بداخلها إلى مكان المتلاشيات، وجيء بِكُرات مطيعة سهلة للمداس وللدفن في أي شباك.
)الدار البيضاء، المغرب)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *