«مهرجان السينما الأوروبية الـ 22».. رجل غامض يقرع الباب


*نديم جرجوره


بعد تأخّر إطلاقها في الموعد السنوي المعتاد (تشرين الثاني ـ كانون الأول من كل عام)، تبدأ الدورة الـ 22 لـ «مهرجان السينما الأوروبية» مساء اليوم الاثنين، 25 كانون الثاني 2016. الصالة لم تتغيّر منذ دورات عديدة سابقة: «متروبوليس ـ أمبير صوفيل» (الأشرفية). البرمجة أيضاً: أفلام أوروبية مُنتجة أساساً في الدول الأعضاء في «الاتّحاد الأوروبي». على الهامش، هناك تكريمات وكلاسيكيات وعزف موسيقي حيّ يرافق عروضاً مختلفة.
«بعثة الاتحاد الأوروبي» في بيروت تُنظّم المهرجان سنوياً، بالتعاون مع سفارات ومعاهد ثقافية أوروبية عاملة كلّها في العاصمة اللبنانية. البعثة تختار مناطق لبنانية متفرّقة لعرض بعض أفلام كلّ دورة، كما أنها تهتمّ بأفلام طالبية محلية.
لن يكون تأخير إطلاق «مهرجان السينما الأوروبية في بيروت» نحو 4 أسابيع عائقاً يحول دون متعة المُشاهدة والتواصل والتفاعل. السؤال عن سبب التأخير لن يُجدي نفعاً، فالأهمّ ـ بالنسبة إلى مهتمّين ومعنيين بالسينما الأوروبية وبالفن السابع، كما بالمهرجان نفسه ـ كامنٌ في إقامة دورة جديدة، تُقدّم تنويعاً واضحاً من الأفلام الأوروبية، واحتفاءً بكلاسيكيات سينمائية، وانتباهاً لاشتغالات طالبية لبنانية. الأهمّ كامنٌ أيضاً في الاطّلاع السينمائيّ على جديد القارة العجوز وقديمها أيضاً، إذ إن المهرجان ـ الذي تُقام دورته الـ 22 بين 25 كانون الثاني و6 شباط 2016، في صالتي سينما «متروبوليس ـ أمبير صوفيل» (الأشرفية) ـ معتادٌ على إيجاد توازن بين إنتاجات حديثة وقديمة، في مساحة زمنية تصل إلى 12 يوماً، تنتقل عروض بعضها (بالتعاون مع فروع «المعهد الثقافي الفرنسي» فيها)، بدءاً من 4 شباط 2016، إلى مناطق لبنانية متفرّقة: صيدا (4 و5/ 2)، والنبطية (4 ـ 6/ 2)، وصُوْر ( 4 ـ 6/ 2)، وجونية (8 ـ 12/ 2)، وطرابلس (11 ـ 13/ 2)، وزحلة (16 ـ 18/ 2)، ودير القمر (16 ـ 19/ 2).
«بورغمان»
الافتتاح معقودٌ على الفيلم الهولندي «بورغمان» (2013) لألكس فان فارمردام (7.30 مساء اليوم الإثنين، 25 كانون الثاني 2016 في الصالتين 1 و2، بناءً على دعوات خاصّة، ويُعاد عرضه 5.30 مساء الثلاثاء، 2 شباط 2016، الصالة 2). يُشارك الفيلم في المسابقة الرسمية للدورة الـ 66 (15 ـ 26 أيار 2013) لمهرجان «كانّ». يفوز بجائزتي أفضل فيلم من «المهرجان الأوروبي لأفلام الفانتازيا في ستراسبورغ» (جائزة ميليِيَس الفضّية) و «المهرجان الدولي للفيلم في كاتالانيا». ينال ترشيحات وتسميات عديدة، منها ترشيح لـ «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي (2014). غرائبية الفيلم مبنية على مسار شخصية غامضة. مُشرَّدٌ يُدعى كامبل بورغمان (يان بيجوويه) يتجوّل في أزقّة هادئة في ضاحية ثرية. يختار بيتاً. يرنّ جرس الباب. يُفتح له. أصحاب المنزل بورجوازيون. يطرح أحد تعريفات الفيلم السؤال التالي: «أهو حلم، أو شيطان، أو صُوَر، أو تجسيد واقعي لمخاوف؟». سؤال يدعو إلى مقاربةٍ هادئةٍ للنسق الدرامي ـ الجمالي من دون معرفة مسبقة بالمناخ الإنسانيّ العام، ومن دون فهمٍ ـ ولو مُبسَّط ـ للشخصية الأساسية وجوانبها وخلفياتها ومتاهاتها، كما للشخصيات الأخرى.

الدورة الجديدة هذه تُقدِّم 33 فيلماً روائياً، بعضها أفلام أولى أو ثانية لمخرجيها. أفلام مُنتجة بين العامين 2013 و2015، باستثناء فيلم واحد فقط، مُنتج في العام 2012: «كارمينا أو الانفجار» (إسبانيا، 70 د.، بالإسبانية المرفقة بترجمة إنكليزية) لباكو ليون (10.15 ليل 26/ 1، و8 مساء 30/ 1، الصالة 1). ماذا تفعل مديرة متجر لبيع المنتجات الإيبيرية في إشبيلية، إزاء تعرّضها هي ومتجرها للسرقة مراراً؟ في الـ 58 من عمرها، تحاول كارمينا (كارمينا باريّوس، والدة المخرج. علماً أن شقيقته ماريا ليون تؤدّي دوراً أساسياً أيضاً) أن تحثّ شركة التأمين على دفع تعويضات. تفشل. تريد حلاًّ يُحقِّق أكثر من غرض: استعادة الأموال المسروقة. الثأر لنفسها من السارقين. جعل هؤلاء يدفعون ثمن أفعالهم الجُرمية. الانتقام من شركة التأمين نفسها. لكن الأهمّ من هذا كلّه يبقى المال. إنها مُعيلة وحيدة لعائلتها المؤلّفة من 3 أولاد وزوج سكّير وعاشق. ماريا، الابنة البكر، تبلغ الـ 22 من عمرها، لكن لا يُعوَّل عليها كثيراً، خصوصاً أن لا طموحات جدّية لديها في الحياة.

للعام الـ 15 على التوالي، يهتمّ «مهرجان السينما الأوروبية» بالأفلام الطالبية اللبنانية. يختار بعضها بالتعاون مع إدارات الجامعات والكليات والمعاهد السينمائية. يُشكّل لجنة تحكيم يُعلن عنها أثناء توزيع جائزتين اثنتين مساء 6 شباط 2016، بحضور رئيسة «بعثة الاتحاد الأوروبي» في بيروت كريستينا لاسن. الجائزتان ليستا ماليتين، كما في بداياتها. يُتاح للفائزَين فرصة المُشاركة في مهرجان دولي بارز يُقام في أوروبا، ويختصّ بالأفلام القصيرة، بفضل تعاون المهرجان مع «معهد غوته» و «المعهد الفرنسي».
كلاسيكيات وتكريمات
الكلاسيكيات السينمائية الأوروبية متنوّعة. ألفرد هيتشكوك وفرانكو زيفيريلي وفرنسيس فيبر وغيرهم حاضرون. «بعثة الاتّحاد الأوروبي»، التي تُنظّم المهرجان سنوياً منذ 22 عاماً (الجهد الأساسيّ عائدٌ لبُشرى شاهين)، تريد دوراً يمزج الفني بالثقافي والاجتماعي، ويضع متعة المُشاهدة البصرية إلى جانب أولوية التنبّه إلى التحوّلات الدولية الخطرة في شؤون متفرّقة. هذا العام، تختار مسألة النفايات. 5 بعد ظهر الثلاثاء 2 شباط 2016 (الصالة 1)، يُعرض وثائقيّ إنكليزي بعنوان «حضيض» (2012، 98 د.، بالإنكليزية) لكانديدا برادي، مع الممثل جيريمي أيرونز، الذي يتابع مخاطر تلوّث الهواء واليابسة والمياه، ويكتشف حجم المشكلة العالمية للنفايات وآثارها، بقيامه بجولة في العالم، يزور خلالها «مواقع جميلة لكنّها ملوّثة». وثائقيّ يُضيف جانباً تمثيلياً لتبسيط المفردات العلمية والتقنية، ولتقريب المسألة من المُشاهدين. أيرونز يلتقي علماء بيئة ورجال سياسة وأناساً عاديين مُصابين بأمراض مختلفة، و «سُبُل عيشهم» متأثّرة بدورها بالتلوّث الناجم عن النفايات.
تكريم عمر الشريف، والاحتفاء بمرور 400 عام على وفاة شكسبير، وإيجاد حيّز للكوميديا «على الطريقة الأوروبية»، أمورٌ أساسية في الدورة الـ 22 هذه: يتمثّل الأول بعرض «لورنس العرب» (1962، 227 د.، بالإنكليزية والعربية المرفقتين بترجمة فرنسية، 8 مساء 2/ 2، الصالة 2) لديفيد لين؛ والثاني بعرض «ترويض النمرة» (1967، 121 د.، بالإنكليزية، 10.15 ليل 30/ 1، الصالة 2) لفرنكو زيفيريلّي. «الكوميديا الأوروبية» مرتكزة على 4 أفلام، تُعرض كلّها 10.15 ليلاً في الصالة 2: La Chevre (فرنسا، 1981، 91 د.، بالفرنسية) لفرنسيس فيبر (26/ 1)، و «مونتي بايتون والكأس المقدّسة» (المملكة المتحدة، 1975، 91 د.، بالإنكليزية) لتيري جيليام وتيري جونز (27/ 1)، و «باسم الشعب الإيطالي» (إيطاليا، 1971، 103 د.، بالإيطالية المرفقة بترجمة فرنسية) لدينو ريزي (1/ 2)، و«الجلاّد» (إسبانيا، 1963، 87 د.، بالإسبانية المرفقة بترجمة فرنسية) للويس غارسيا برلانسا (4/ 2). إلى ذلك، فإن «سيّد التشويق» هيتشكوك حاضرٌ في المهرجان، عبر «ابتزاز» (Blackmail)، المُنجز في العام 1929، والذي يُعتبر «أول فيلم بريطاني ناطق»: خطيبة رجل أمن يعمل في «اسكوتلنديارد» تقتل عشيقها وتُخفي آثار وجودها في الاستديو الخاص به، لكنها تنسى غرضاً ما لها فيه. تحقيقات تتوزّع في اتجاهات مختلفة، ومسارات متداخلة ومتصادمة. يُرافق العرض ـ المُقام بالتعاون مع «جمعية متروبوليس» 8 مساء الاثنين، 1 شباط 2016 في الصالة 1 ـ عزفاً موسيقيّاً إلكترونيّاً للّبناني ساري موسى، الذي يعزف الموسيقى التصويرية باستخدام جهاز كمبيوتر محمول وآلات إلكترونية مختلفة.
«مهرجان السينما الأوروبيّة» هذا حالة ثقافية يتابعها مهتمّون عديدون. 22 دورة تكشف شيئاً من تاريخ بلد وحراك ومشاهدات. كثيرون يتابعون وقائعه عاماً تلو آخر. كثيرون يقولون إن جزءاً من ثقافتهم السينمائية ناتجٌ من مشاهدة أفلام المهرجان. دولٌ أوروبية تنتمي إلى «الاتحاد الأوروبي»، تجد أفلاماً منها طريقها إلى بيروت بفضل المهرجان. تتّسع المساحة الجغرافية للاتّحاد، فتتّسع خارطة المُشاهدة السينمائية. دورات سابقة تتيح عروضاً لأفلام روائية طويلة لبنانية، يتمّ ترميمها بفضل جهد ما لـ «مؤسّسة سينما لبنان». لكن هذا لم يعُد حاضراً. الاهتمام بما يجري سينمائياً في البلد متوقّفٌ على أفلام الطلبة.
دورة جديدة زاخرة بأفلام حديثة تُضيف شيئاً من إبداع بصري مطلوب على المشهد اللبناني.

3 دول ضيوف
صربيا: «مقاطعة» (2015، 92 د.، بالصربية والألمانية، ترجمة إنكليزية) لغوران رادوفانوفيتش (5.30 بعد ظهر 29/ 1، و8 مساء 4/ 2، الصالة 1): إلى كوسوفو العام 2004، يعود نيناد (10 أعوام) بحثاً عن مكان لائق لدفن جدّه. الانقسامات الطائفية قوية، والحرب قاسية، والناس مشتّتون ومتشرّدون ومتقاتلون.
سويسرا: «جرسٌ لأورسلي» (2015، 100 د.، بالفرنسية) لكزافييه كولر (5.30 مساء 30/ 1، الصالة 2): حكاية حفيد مقيم مع جدّيه في مزرعة، حيث الحب الأول. لكن الفقر قاتلٌ، والصبيّ يخوض مغامرة في الشتاء لاسترجاع جرس بقرة معلّق في مكان يبيت فيه قطيع من الحيوانات.
نرويج: «صوت أعلى من القنابل» (2015، 109 د.، بالإنكليزية والفرنسية) ليواكيم تريير (8 مساء 31/ 1، و5.30 بعد ظهر 5/ 2، الصالة 1): عشية تحضير معرض للمصوّرة إيزابل ريد، بعد 3 أعوام على رحيلها، يلتقي أرملها وولديهما، فإذا بسرّ ما يكشفه اللقاء هذا.
الختام: «3000 ليلة»
ختام الدورة الـ 22 لـ «مهرجان السينما الأوروبية» مخصَّص بالفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة الوثائقية الفلسطينية مي المصري، «3000 ليلة» (2015). في سجن إسرائيلي، تواجه أسيرات فلسطينيات قمعاً يُمارسه سجّانٌ مُحتلّ، ومضايقات تقوم بها سجينات إسرائيليات بتُهم جُرمية متفرّقة (قتل، مخدّرات، إلخ.). لن يطول الواقع هذا. التمرّد مسار فلسطيني يؤدّي إلى مواجهة المحتلّ (أكان سجّاناً أم مسجوناً) بطرق سلمية مختلفة. حكاية تُشكّل جزءاً من حكايات فلسطينية يُعتَقَل أصحابها في السجون الإسرائيلية أعواماً مديدة، تُروى بلغة سينمائية مرتكزة على نصّ واقعيّ.
«3000 ليلة» (إنتاج لبناني فلسطيني أردني فرنسي مشترك، 103 د.، بالعربية المرفقة بترجمة إنكليزية)، المتنقّل بين مهرجانات دولية عديدة، يختتم الدورة هذه (9.30 مساء السبت، 6 شباط 2016، الصالة 1) في «عرض لبناني أول»، يسبق إطلاق العروض التجارية اللبنانية بأيام قليلة، علماً أنه يُتوقّع أن تبدأ العروض هذه في منتصف شباط 2016.
_________
*السفير

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *