حوار مع مؤلف رواية “أريج الريحان”


* حاوره وترجم الحوار: علي بونوا


خاص ( ثقافات )

ولد الروائي الإسباني (مارثيليانو غاليانو) سنة 1942 في مدينة طليطلة. هاجر إلى ألمانيا منذ صغره. اشتغل طيارا مساعدا في الخطوط الجوية بمدينة فرانكفورت؛ وانتقل لاحقا رفقة زوجته وأولاده للعيش بالعاصمة الاسبانية مدريد. نشر العديد من يومياته على صفحات مجلة (روندا إبيريا) التي توزع على المسافرين خلال الرحلات الجوية. غاليانو قارئ نهم وكاتب راكم عدة مشاركات في المسابقات الأدبية وتأهل للأدوار النهائية لأغلبها ومتخصص في كتابة الرواية التاريخية. أصدر روايته الأولى (أريج الريحان) سنة 2009 ولاقت استقبالا لافتا من لدن النقاد والقراء. وفي 2013 صدرت له الرواية الثانية تحت عنوان (الأسير الغرناطي) وهي أيضا رواية تاريخية تدور أحداثها حول اعتقال الوزير الغرناطي لسان الدين بن الخطيب بمدينة فاس المغربية. 

في هذا الحوار يقربنا الكاتب (مارثيليانو غاليانو) من عمله الأدبي ويحكي لنا عن بداياته الإبداعية ويبين سبب اختياره للرواية التاريخية دون غيرها كما يوضح السر وراء اهتمامه بالتاريخ الأندلسي والغرناطي بالتحديد. هذه الأمور وأشياء أخرى نترك اكتشافها لقرائنا الأعزاء وقارئاتنا العزيزات عبر نص هذا الحوار الوجيز الروائي الإسباني مارثيليانو غاليانو: 
– علي بونوا: بداية، لماذا اخترت التخصص في الرواية التاريخية؟
+ مارثيليانو غاليانو: كاتب الرواية التاريخية يغويه سحر التاريخ، وما يصبو إليه من خلال حكاياته هو أن يحب قراؤه هذا التاريخ. كتابة الرواية التاريخية تتطلب مجهودا توثيقيا كبيرا ودرجة معينة من الإطلاع. وقد يجيز الكاتب لنفسه التصرف في بعض الأحداث التاريخية لكنه لا يستطيع أبدا أن يزيف الحقائق التاريخية. الرواية التاريخية تمتزج فيها الوقائع الحقيقية والأحداث الخيالية لكن شريطة أن تتطابق في الحكي مثل قطع لعبة (البازل).
– علي بونوا: هل ميلادك في مدينة طليطلة التي كانت تتعايش فيها الديانات الثلاث خلال العهد الأندلسي، له تأثير على اختياراتك وأعمالك الأدبية؟
+ مارثيليانو غاليانو: أعتقد أن مدينة عظيمة مثل طليطلة تبصم شخصية الإنسان. أشعر بفخر كبير تجاه مدينة كانت مثالا للتسامح والتعايش بين ديانات وأعراق مختلفة في زمن كانت فيه وحشية السيف تفرض نفسها على قوة العقل. بدون شك، الآثار العربية في مدينتي كانت محددا حاسما لاهتمامي بالأندلس إلى حد الشغف.
– علي بونوا: كيف كانت بداياتك في الإبداع الأدبي؟ ومن أين جاءك الميول للأدب؟
+ مارثيليانو غاليانو: خلال سنوات إقامتي في ألمانيا شاركت في المسابقة الأدبية لإحدى الجرائد الأسبوعية الإسبانية ”سييتي فيتشاس” (في نسختها الأوروبية) حيث تأهلت للدور النهائي لدورتي 1967 و1969. ميولي للأدب جاء من هوايتي للقراءة ولا يمكن أن يكون غير ذلك. لكي تكتب يجب أن تقرأ وهذا أمر ضروري.
– علي بونوا: بالإضافة إلى يومياتك المنشورة في مجلة (روندا إبيريا) أصدرت إلى حد الآن روايتين: ”أريج الريحان” في سنة 2009 و ”الأسير الغرناطي” في 2013، الروايتان معا تتناولان تاريخ غرناطة، لماذا غرناطة تحديدا؟
+ مارثيليانو غاليانو: بالفعل، روايتاي تتموقعان في فترة حكم بني الأحمر لغرناطة. التاريخ يكتبه المنتصرون والمعروف في إسبانيا عن غزو مملكة غرناطة هو رواية المنتصرين. أنا أردت، من خلال أعمالي، أن أقدم تكريما للمنهزمين، وأمنح صوتا لمنسيي تلك المأساة. تاريخ غرناطة بالكاد يرد في المناهج الدراسية التي تلقن للأطفال الإسبان. والأغلبية الساحقة منا لا يعرف هذا الجانب المهم من تاريخ إسبانيا.
خمسة قرون من الحرب مع المسلمين غرست فينا، نحن الإسبان، أحكاما مسبقة ثقافيا وعرقيا. وفي إسبانيا وللأسف المعرفة بكتابة التاريخ الأندلسي ضعيفة جدا. الغاية من أعمالي ليس شيئا آخر سوى إظهار الوقائع التاريخية، التي أضيف إليها مساهمة جديدة للتعريف بتاريخ الحقبة الأخيرة من الحكم الإسباني-العربي في إسبانيا.
– علي بونوا: بعد ست سنوات من صدور روايتك الأولى المعنونة ب”أريج الريحان” كيف تقيم أهمية هذا العمل في الأوساط الأدبية؟
+ مارثيليانو غاليانو: ربما لعلها فسحة تاريخية تروى أحداثها من زاوية نظر أولئك الذين عاشوا تلك المعاناة: الشعب البسيط، ذلك الشاهد العاجز الذي شهد الهدم السريع لثقافة ونمط عيش لا يتكرران. غرناطة كانت آخر أراضي الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية، ورغم وجود إصدارات كثيرة في إسبانيا حول هذه المراحل الأخيرة للأندلس إلا أنها لم تنجز دائما انطلاقا من المصادر العربية.
– علي بونوا: ما هي أصداء رواية ”أريج الريحان” في العالم العربي؟
+ مارثيليانو غاليانو: في الحقيقة، الروايتان ”أريج الريحان” و ”الأسير الغرناطي” كلاهما لقيتا ترحيبا جيدا جدا في العالم العربي المتحدث باللغة الإسبانية. آمل وأتمنى أن تترجم روايتاي إلى اللغة العربية.
– علي بونوا: لماذا هذا العنوان تحديدا؟ ما هي الدلالات التي يمكن أن يحملها عنوان (أريج الريحان) في علاقة مع تاريخ الأندلس وغرناطة؟
+ مارثيليانو غاليانو: أريج الريحان هو استدعاء لحنين الأندلسيين المطرودين من غرناطة. كانت هذه النبتة وفيرة في البساتين والحدائق والأفنية، وأريجها كان يملأ المدينة. وهذه الرائحة المميزة لتلك الأرض كان يشتاق إليها الغرناطيون في المنفى. وقد قال الشعراء الأندلسيون عن الريحان: ”حين ينتشر أريجه يهدئ النفس ويسرها لأنه مقطوف من أبواب الجنة”.
– علي بونوا: لو سمحت ”دون مارثيليانو” سنخرج قليلا عن الإطار الأدبي لهذا الحوار، لأسألك بماذا يوحي لك _كإسباني أندلسي_ تاريخ 2 يناير 1492 وما رأيك في الاحتفال السنوي الذي تنظمه بلدية غرناطة بمناسبة ذكرى استرداد المدينة؟
+ مارثيليانو غاليانو: الاحتفال السنوي بذكرى استرداد غرناطة أرى أنه شيء لا يحتمل. ما يتم الاحتفال به في الثاني من يناير بغرناطة هو التهجير الجماعي من طرف إسبانيين في حق إسبانيين آخرين، مأساة قاسية تشعرني، أنا كإسباني، بالعار. فالأمر يتعلق بواحد من أكثر الفصول حزنا في تاريخنا.
إحصائيا، كان ما يقارب 200.000 من الغرناطيين قد طردوا من ديارهم بأمر من الملوك الكاثوليك. يجب التذكير بأن مدينة غرناطة لم يتم غزوها بل استسلمت أمام الملوك الكاثوليك وفق شروط معينة تعهد المحتل باحترامها. وكان من بين هذه الشروط حق المسلمين في ممارسة دينهم بكل حرية، ولم يكن الطرد ضمن الشروط إطلاقا.
________
*كاتب ومترجم مغربي، وباحث في الأدب الإسباني

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *