أدهم وسيف وانلي.. اللون الأسود دراما اللوحة



القاهرة- «وانلي» اسم جزيرة في القوقاز، وهو أيضاً الاسم الذي حمله فنانان تشكيليان كبيران هما «أدهم وسيف وانلي»، وهما ينتميان إلى عائلة أصولها غير مصرية، عاشت في الإسكندرية، حيث ولد الصغيران بعد أن فارقت الأسرة آيات العز والثراء، ف«أدهم» ولد في 25 فبراير/شباط 1908 ورحل عن الحياة في 20 ديسمبر/كانون الأول 1959، بينما ولد سيف قبله بعامين في 31 مارس/آذار 1906 وغيبه الموت في 15 فبراير/شباط 1979.
تعلم الاثنان فنون التشكيل على يدي فنان إيطالي، كان هاربا من جحيم موسوليني، ليتتلمذ على يديهما بعد ذلك الكثيرون، ممن وجدوا في مرسمهما فرصة لإطلاق الخيال والتعلم، فهما من رموز الجيل الثاني في الحركة التشكيلية المصرية، التي ضمت: حسين بيكار وعفت ناجي وصلاح طاهر وحامد سعيد.
وكما يرى بدر الدين أبو غازي- وزير الثقافة الأسبق- فإننا «لا نلمح عند سيف ما نلمحه لدى بعض الفنانين من خط ثابت متصل الحلقات، ولا نلقى عنده اتجاهاً نحو تأكيد شخصيته الفنية، عن طريق الالتزام بمنابع بذاتها من التراث المصري، أو فلسفة معينة، تتعلق باتجاهات التعبير الفني في هذه البلاد، فهو فنان التجربة الحرة الطليقة، دائم البحث عن اللغة التشكيلية، التي يصب فيها عمله».
أما أدهم فإن الفنان التشكيلي صلاح بيصار يؤكد أنه «لم يكن فناناً عادياً، بل هو فنان سوبر، يتمتع بقدرات عالية، بالإضافة إلى إحساسه بجو ما يرسمه، ويتمتع بحس درامي قوي، فهو يمزج عبقريته الفنية بدراما اللحظة، وقد يحمل اللوحة أيضاً شجوناً وهموماً، تبدو للمتلقي، وكأنها لقطة درامية شديدة التعبير». 
في حوار أجري مع «سيف» سئل عن شقيقه الراحل فقال: «أدهم وأنا بدأنا الحياة الفنية معاً، ورغم أننا كنا نعيش في مرسم واحد، وحياتنا كانت واحدة، لكن كان له اتجاهه الخاص، وأنا لي اتجاهي، من أكبر الصعوبات أن يعيش الفنانون معاً، ويبقى لكل منهم استقلاليته».‏
كان سيف وأدهم وانلي قد سافرا على نفقة وزارة الثقافة المصرية إلى جنوب مصر، لمتابعة ملحمة تشييد السد العالي، ونفذا مجموعة من الرسومات عن آثار النوبة، التي كانت معرضة للغرق، بفعل تحويل مجرى النيل، قال سيف: «الفرق بيننا هو أنني رجل لون، وأدهم كان عبقرياً في الرسم (التخطيط) وأنا أيضاً أميل للمساحات الصريحة العريضة، بينما هو كان يحب التفاصيل، أعماله قريبة من روح المنمنمات».‏
كان موت أدهم المبكر فاجعة بالنسبة لشقيقه سيف، وفي معرض أقيم بساقية الصاوي، ضم صفحات من مذكرات لم تنشر يقول فيها: «ماذا أقول وقد صرت وحيداً، رغم ما يحوطني من الأهل والأصدقاء؟ لأن فقدي لأدهم لا يعوضني فيه أحد، لقد كان كل منا ظلاً للآخر، فتصوروا رجلاً فقد ظله في يوم، لا ليلة له، رأيته يتلاشى أمامي، وكان الأمل في شفائه يقف أمامي متجسداً، حتى تبدد، ولم أصدق أبداً ما حدث، وتجمع الدمع في عيني، إلى أن أسالته مرارة الحقيقة».
كتب أيضاً: «بعد أن ذهب هو إلى مكان لم يترك لي عنوانه، أصبحت ألواني سوداء، بلا تعمد، ما هذا؟ أنا الذي كانت ألوانه صداحة، وكنت معروفاً بها، أنا الذي كنت أضع اللون الأزرق بجوار اللون الأخضر، أو الأخضر مع الأحمر، متحدياً المصطلح في فن التصوير، ها أنا وفقت مؤخراً إلى القيمة الجلالية للون الأسود، ومشتقاته الرمادية».
ثم بدأ التمايز بين الأخوين في أساليبهما وموضوعاتهما، فبينما ظل أدهم حريصاً على الموضوع الشعبي، والنزعة التلقائية في تسجيل الطبيعة والمشاعر النفسية، فإن سيف توغل في اتجاه التجريب الشكلي نحو تطوير وإثراء لغته الجمالية- على حد تعبير نجيب- متأثراً بالاتجاهات التكعيبية والتجريدية، جاعلاً الموضوع في خلفية اهتمامه، فيما أعطى الاهتمام الأكبر للبناء الفني، مستلهماً في ذلك البناء الهارموني في الموسيقى.
_______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *