*خالد الكطابي
مدريد- قدمت قناة «تي بي13» الاسبانية الروبورتاج الوثائقي «إن روتا ريفوخيادوس» أي مسارلاجئين للمخرج باكو خيمينيث وتقديم ريكاردو ألتابلي، حيث اعتمدا فيه على تتبع مسالك اللاجئين الفارين من جحيم الموت والقادمين عبر طريق البحر، الذي يبدو رغم خطورة ركوبه أرحم من البقاء هناك.
لقد قام طاقمالعمل بانتظار وصول القادمين قهرا إلى الجزيرة اليونانية ليسبوس، وقاموا بالتقاط وتتبع تدفقهم بواسطة قوارب مطاطية تابعة لمافيات تتاجر في المعاناة، ويبلغ ثمن الرحلة نقلا على لسان أحد اللاجئين 1500 يورو، للفرد الواحد، ويأتي على متنها كل الفئات العمرية.
كما أن ثمن الرحلة يخضع إلى حالة البحر، فعندما يكون البحرهائجا ينزل سعرالركوب إلى نصف المبلغ. وهذه التجارة، حسبما صرح به مسؤولون عن جمعية إنقاد اللاجئين تدرعلى محترفيها أكثرمن مليوني يورو في اليوم الواحد، ويصل عدد القوارب، التي تقوم برحلات مكوكية، ليلا ونهارا ما بين 20 و30 قاربا.
ويقود اللاجئون أنفسهم هذه القوارب المملؤة عن آخرها، حيث تجد في كل قارب عائلات وجيرانا وقادمين من مناطق أخرى تم تجميعهم لنقلهم إلى الجزيرة اليونانية كمعبر لهم نحو أوروبا.
وحسبما نقلته الكاميرا فمستقلو القوارب ليست لهم أي وسائل إغاثة، رغم الأثمان الباهظة التي يؤدونها، باستثناء استعمال سترات صدرية أغلبها مزيفة وتصبح في غالب الأحيان خطرا على مستعملها وبقية الراكبين عند انقلاب المركب أو عند محاولتهم السباحة..
ويصل اللاجئون إلى الجزيرة اليونانية ليسبوس مبتلي الملابس ويؤدي انخفاض درجات الحرارة إلى أزمات حادة بفعل تعرضهم الشديد للبرودة وتؤثر كثيرا على الأطفال والمسنين. وتقوم الكاميرا بتتبع قدوم اللاجئين، وأغلبهم من سوريا، بالإضافة إلى أفغانستان والعراق، وكيفية تدخل أعضاء فرق الإنقاذ المتطوعين الذين قدموا منذ شهور إلى الجزيرة اليونانية للتدخل الإنساني بوسائلهم الخاصة، ويعتمدون فقط على دعم المتبرعين الاسبانيين ويرابضون هناك منتظرين وصول القوارب، لكن عند سوء الأحوال الجوية أو عند انقلاب القوارب وسط البحر يكون تدخلهم صعبا ومستحيلا، نظرا لضعف إمكانياتهم الخاصة.
وعمل البرنامج على الاقتراب من المتطوعين الذين يعملون ضمن منظمات خيرية مثل مؤسسة كاريتاس، أو طبية «أطباء إن أكسيون» أو الإنقاذ الاستباقي من خلال «أوبن آرمز» أي أذرع مفتوحة التي تشكلت من قبل مجموعة من الشباب الاسباني يزاولون مهام الإنقاذ على الشواطئ وتوجهوا متطوعين إلى هناك بعد رؤيتهم للمآسي الذي يتعرض لها اللاجئون. واستطاع هؤلاء الشباب إنقاذ آلاف الأرواح في الأشهر الأخيرة.
والقادمون ينتظرون أياما قصد تسجيلهم في قيد اللاجئين الخاص، وبعد ذلك يركبون في باخرة كبيرة تقلهم إلى أثينا بـ70يورو، وتستمر الرحلة لساعات، ينامون فيها على الأرض أو الكراسي في ما يتحتم على الذي يريد أن يستفيد من مخادع النوم دفع 20 يورو.
وانطلق ريكاردو وباكو خيمينيز في هذه الرحلة من اليونان مرورا بكرواتيا وسلوفينيا والنمسا لمتابعة الرحلة اليومية التي يقطعها آلاف اللاجئين فرادى أو جماعات عبر منطقة البلقان.
وحسب ريكاردو ألتابلي فالمحظوظون منهم يدخلون التراب السويسري أو الألماني ثم فرنسا، وأعداد قليلة نحو اسبانيا التي تعهدت باستقبال حوالي 14 ألف لاجئ .
ويعد الروبورتاج وثيقة بصرية تحكي قصصا وشهادات حية من عين المكان كقصة الأسرة الحديثة العهد بالزواج، التي تركت كل شيء لركوب قارب مع مولودها ذي العشرة أيام فقط، أو السائق الذي يهرب رفقة زوجته وثلاثة أطفال من أفغانستان، من دون أن يعرفوا بالضبط إلى أين يتجهون.
كما يظهر صورا مؤلمة مباشرة وقصصا مروعة، وشهادات من عين المكان للاجئين وفرق الإنقاذ ومتطوعي المنظمات الإنسانية.. وينقلنا إلى المخيمات التي يتم فيها تجميعهم وظروف العيش فيها قبل مواصلتهم الطريق نحو وجهات أخرى.
وعند حضوره لاستوديو القناة التي خصصت مناقشة خاصة بعد بث البرنامج، لم يتمالك المقدم نفسه واغرورقت عيناه بالدموع تعليقا على إحدى اللقطات التي يظهر فيها حاملا لطفلة رضيعة بن يديه لم تتجاوز بالكاد عشرة أيام …»كنت أعتقد أن مصور البرنامج منشغل بتصوير مشاهد أخرى بعيدة، لكنني تفاجأت عندما رأيت عند المونتاج أنه قام بتصوير تلك اللقطة… لقد كانت تسجيلا للقطة أكثر حميمية…».
وعند اقترابه من ملاجئ خاصة بالقاصرين الذين بدأوا يحملون اسم «غانتشو» أي الطعم وذلك كطريقة تلجأ إليها العائلات بإرسال طفل قاصر إلى أوروبا ثم بعد ذلك يعمل على إلحاقهم به … وتحدث أحد الأطفال السوريين الفارين من جحيم الموت عن المأساة التي حلت بعائلته، وكيف فكرت أسرته بإرساله إلى أوروبا بعد مقتل والده وعدد كبير من سكان الحي ونجاة والدته وأختيه الصغيرتين، كما حكى أيضا عن هول الطريق التي اجتازها وواجبه في العمل على إنقاذ أفراد أسرته وجلبهم إلى أوروبا..
وأثار الوثائقي حجم الأزمات النفسية التي يعاني منها اللاجئون الأطفال التي تتفاقم بالبعد عن العائلة ووجودهم في بيئة مغايرة.
واستعمل ريكاردو أسلوب التحقيق عدة مرات كاشفا زيف الحقائق التي يخفيها المتاجرون بمعاناة اللاجئين، فعند استفساره عن طريقة وثمن النقل نحو باقي أوروبا واجه الصحافي وكالات النقل المتمركزة في اليونان، التي أكد أصحابها أنهم لا يعملون على نقل اللاجئين في الوقت الذي تحمل فيه محلاتهم إعلانات تؤكد عكس ذلك..
كما تم توظيف مشاهد ولقطات حملها اللاجئون أنفسهم منها ما صوره أحد الشباب بهاتفه النقال ويظهر فيه مشهد لرحلتهم البحرية رفقة مجموعة من الشباب.. ثم مشاهد التدمير في سوريا وحاجات الناس الملقاة على الأرض.
وعلى طول الطريق يقدم الريبورتاج عددا لا يحصى من الأبطال المجهولين الذين يستجمعون قوتهم كل يوم للإنقاذ، وتوفير الراحة والدعم والرعاية لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها. رحلة تدعو المشاهد الاسباني ليكون أكثر وعيا بخطورة هذه الأزمة الإنسانية ووضع الآلاف من العائلات التي تركب المخاطر هربا من الإرهاب ومدى أهمية مساعدة الآخرين عند الحاجة إليها.
«إن روتا ريفوخيادوس» أول ريبورتاج باسبانيا يعرف المشاهد الاسباني والمهاجر العربي على ما يدور هناك في الضفة الأخرى من المتوسط، وينقل المأساة من دون رتوش، ويحذر من الكارثة الإنسانية ويقدم عمل المتطوعين الإسبان الذين يعملون بصمت من دون الحاجة لإعلان سوى ما تعلق بدعوة الإسبان إلى المساهمة الرمزية والمادية حتى تستمر جهود الإنقاذ.
وتعرف اسبانيا عدة أنشطة تضامنية مع الشعب السوري، تنظمها جمعيات أهلية ومتطوعون بالإضافة إلى تلاميذ المدارس الذين يساهمون في جمع مواد للتغذية في مدارسهم.
________
*القدس العربي