*بسمة النسور
سردت السيدة الأربعينية الجميلة حكايتها التي تتقاطع مع حكايات نساءٍ كثيرات بالضرورة. تحدثت بمرارة عن صدمتها برجلٍ راهنت عليه بعمرها كله، إلى درجة أنها أقدمت على تغيير ديانتها، كي يتسنى لها الزواج به، معرّضة حياتها للخطر، منبوذة من مجتمعها الصغير المحافظ، مستسلمة لقرار العشيرة بالتبرؤ منها، وإعلانها خارجة عن الملة، ضحّت بكل شيء في سبيل الحب الذي جرفها ذات صبا مبكّر، لتكتشف، بعد سنوات، أنجبت فيها بنتاً وولداً أصبحا الآن في مرحلة المراهقة، أن رهانها على ذلك الرجل لم يكن سوى خسارة كبرى.
وجدت نفسها أمام عدة خياراتٍ، أحلاها شديد المرارة. خطر لها، من فرط الجرح، أن تعامله بالمثل، لكي تذيقه مرارة الكأس نفسها، انتقاماً لكرامتها المهدورة، كذلك فكرت، في لحظة يأس، باللجوء إلى حضن العائلة الذي لفظتها من قبل، كما همّت، في لحظة حمق، بالذهاب إلى المرأة الأخرى، وإشباعها ضرباً، حتى تعيد إليها رجلها الضال.
تمنت أن تواجهه باكتشافها المثير، لعله يذوب خجلاً، ويعلنها توبة نصوحاً، فتستعيد أمان عشها الصغير الذي شيّدته بالأظافر، متحدّية “الدنيا”، وقد تمسكت بصرحٍ، تبين أنه كان من خيالٍ، فهوى فوق رأسها دفعة واحدة، مخلفاً إيّاها في الخيبة، تصارع مشاعر الغضب والغيرة التي تفترس الروح بلا رأفة.
ولأنها امرأة مجبولة من كبرياء واعتداد، لم تُقدم على أيٍّ من تلك التصرفات الانفعالية التقليدية، التي لا تغني عن كرامة ولا تستبقي راحلاً، والتي تلجأ إليها، في العادة، نساء محدودات الذكاء.
وفي الوقت نفسه، أبت التواطؤ ضد حواسها، كامرأة مجروحة في عقر كرامتها، رافضة، بكل جوارحها، المضي في هذا العمر، برفقة رجلٍ ملفق قادر على تضليلها إلى ذلك الحد، مواصلاً ادعاءه، مؤكداً لها أنها حبه الحقيقي والوحيد على مدى السنين، غير مدركٍ أن أوراقه كلها أصبحت مكشوفة.
حيث ظل على هذه الحال من تراكم الخداع، مطمئناً إلى مهاراته الفائقة في فنون النفاق، مصراً، شأن رجالٍ كثيرين، على الحصول على كل شيء: وضع اجتماعي لائق، بكامل عدّته وعتاده، من نجاح مهني وزواج مثالي، قوامه زوجة رصينة أنيقة متفانية، ترافقه في المناسبات الاجتماعية، ويتحدث بكل فخر عن شجاعتها في تحدي العائلة.
وفي غمرة ذلك، ظل يشير إلى حجم التضحية التي أقدمت عليها، في سبيل البقاء معه، يرفع رأسه عالياً بها، ويشيد بحسن إدارتها البيت، ويعترف بجهدها الموصول في تنشئة أولاد نتاج زواج مختلط، غير مرحبٍ به في جميع الأحوال، يشقّون طريقهم في الحياة بنجاح وتميز، ويحققون أعلى العلامات في المدارس، مدّعياً، بكل جسارة، اعتناقه جملة قيم ومثل، من صدق وأمانة ووضوح.
وكان، في الوقت نفسه، مطمئناً إلى درجة التكتم والسرية التي تظلل مغامراته العاطفية المتأججة، ولكن المتوارية في الظل، بما يقيه شر المواجهة! وبما لا يهدد “برستيجه” رجلاً وقوراً ملتزماً، تحظى صورته، شديدة التضليل، بإقرار الجميع.
لا بد أن اكتشافها المؤلم كان نعمة حقيقية، على الرغم من مقدار الألم، لأنه فتح عينيها عنوة، لكي تشرع في قلع شوكها بيديها، على الرغم من نزف الجراح، متيقنة أن تلك وسيلتها الوحيدة للشفاء.
نصحتها صديقة تقليدية، لا تقل تواطؤاً مع السائد، بضرورة التجاهل وادعاء الجهل والتغابي، حلاً تنتهجه النساء للحفاظ على سقف يؤويهن، وأكدت لها أن الحكاية ليست أكثر من نزوة، سرعان ما تنطفيْ مثل فقاعة. ألحت عليها بضرورة التسامح مع ضعفه الإنساني، لأنه سيعود إليها، في النهاية، وبشّرتها بأنها المنتصرة في نهاية المطاف، وأشارت عليها، كإجراء احتياطي، باللجوء إلى أحد العرافين، لربطه بسحرٍ لا يقوى على الفكاك منه، يجعله لا يرى في الدنيا سواه.
مكرهةً، ولكن منتصرة لكرامتها الجريحة، إلى حيث أبغض الحلال، واقتادت حبيب العمر إلى المحكمة، حيث خلعته كما تخلع خاتمها، وقد توصلت إلى أن الوحدة، على الرغم من مرارتها، خير بألف مرة من الرهان على حصانٍ خاسرٍ، في حلبة الحياة التي بلا رأفة.
_______
*العربي الجديد