زيلدا وسكوت فيتزجيرالد.. انكسارات الحب




*غيث خوري


هما أشهر ثنائي خلال حقبة العشرينات في أمريكا، تصدرت أخبارهما أعمدة الصحف والمجلات، فكانا أيقونة الشباب والحداثة بالنسبة إلى الكثيرين. زيلدا سايروف. سكوت فيتزجيرالد، الكاتبان والمبدعان اللذان جمعهما رابط الزواج، وكانت قصة حبهما، بجروحها الغائرة التي لا تندمل وانكساراتها وانتصاراتها، خلفية لكثير من الأفلام والروايات.
التقى سكوت وزيلدا للمرة الأولى عام 1918، وكان حينها ضابطاً في الجيش الأمريكي، ولم يكن ذا شهرة على الصعيد الأدبي بعد، لفتته شخصية زيلدا المنطلقة والمتحررة، وجاذبيتها ونشاطها العالي، ومواهبها المتعددة، حيث جمعت بين كتابة الرواية والقصة القصيرة، ورقص الباليه، وبدأ يقدم لها نصوصه غير المطبوعة لتقرأها وتشاركه الرأي فيها.
في 20 مارس/‏آذار 1920صدرت الرواية الأولى لسكوت تحت عنوان «هذا الجانب من الجنة»، ليتحول بعدها إلى عبقرية أدبية، يُحتفى بها على نحو لم يسبق له مثيل، وفي شهر إبريل/‏نيسان من العام نفسه تزوج الثنائي في مدينة نيويورك، حيث عاشا حياة رفاهية بفضل العائد المادي الذي كان سكوت يحصل عليه من مبيعات كتبه، وقد التصق اسم ف. سكوت وأدبه بحقبة العشرينات، وهي الفترة التي شهدت «جيلاً ضائعاً» على حد تعبير إرنست هيمنغواي، يسخر من المثاليات الزائفة للحرب العالمية الأولى، ويدير ظهره للقيم والتقاليد المُتعارفة. وكانت تلك أيضاً فترة من الرخاء الاقتصادي الهائل في الولايات المتحدة، رافقتها بعض التغيرات الاجتماعية والمنجزات الباهرة للأدب الأمريكي حينما لمعت أسماءٌ مثل وليام فوكنر، وهيمنغواي، وجون دوس باسوس، وسنكلير لويس، وتوماس وولف وغيرهم.
وعندما بدأ سكوت بالعمل على روايته الأشهر «غاتسبي العظيم» (1925)، انغمست زيلدا في الضجر وفي علاقة عاطفيّة مع الطيّار الفرنسي إدوارد جوزان. وطلبت الطلاق فأقدم سكوت على حبسها مدة شهر في المنزل، وكانت تلك بداية سجن طويل أغرق زيلدا في دوّامة من الألم، دفعتها إلى محاولة الانتحار، لتنتقل بعدها بين المصحّات والمستشفيات، وكانت تلك الفترة هي الأكثر خصوبة في حياتها الفنية، حيث اجتاحتها موجة من الإبداع عندما كانت تعالج في مستشفى جون هوبكنز، ففي الأسابيع الستة الأولى كتبت روايتها الأولى والوحيدة بعنوان «أهديني رقصة الفالس» وأرسلتها إلى الناشر ماكسويل بيكنز، وعندما اطلع سكوت على الرواية انتابته نوبة من الغضب، حيث كانت شبه سيرة ذاتية لزواجهما، وقد وبخ سكوت زيلدا في رسائله لإنها استخدمت مواد شخصية كان هو خطط لأن يستخدمها في روايته «الليلة الناعمة» التي كان يعمل عليها سنوات، وأرغمها على أن تحذف المادة الأدبية المستوحاة من حياتهما، وبالرغم من أن الكساد الكبير كان قد اجتاح أمريكا مع نهاية العشرينات من القرن الماضي، إلا أن الناشر وافق على طبع ما يقارب 3 آلاف نسخة، وتم إصدارها في السابع والعشرين من تشرين الأول/‏أكتوبر 1932، كانت التشابهات بين شخصيات الرواية وبين زيلدا وسكوت واضحة، فبطلة الرواية ألاباما بيغز، مثل زيلدا ابنة قاضي جنوبي، وتتزوج من الرسام الطموح الذي يصبح مشهوراً بغتة، وتشغل ألاباما نفسها برقص الباليه لعدم رضاها عن زواجها.
لم تقابل رواية «أهديني رقصة الفالس» بالترحيب من قبل النقاد، كما أن ف.سكوت سخر من زيلدا ومن محاولتها الروائية، واصفاً إياها بروائية من الدرجة الثالثة، وهذا ما حطم زيلدا وجعلها تدخل في محنة عصبية جديدة وتكف عن محاولة الكتابة.
في تلك الفترة ترك الكساد الاقتصادي الكبير الذي ضرب أمريكا، أثراً كبيراً في حياة الثنائي وفقدا الكثير من أموالهما، وتحول سكوت إلى هوليوود ككاتب مأجور يعمل بالقطعة، أما زيلدا فتابعت حياتها الشاقة في المصحات، ومع الوقت غاب اسما هذين العلمين عن الساحة الأدبية واندثرا تحت الرماد. توفي سكوت سنة 1940 تاركاً خلفه روايته «غاتسبي العظيم» التي منحته أهمية أدبية خالدة، مصوراً فيها جانباً من يوميات السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، إذ مرّ العالم بتغيرات كبيرة، وكانت الولايات المتحدة تشهد تغيراً، وانطلاقة، في مختلف المجالات، الاقتصادية والاجتماعية، وكل مجال يلقي بتأثيراته على النواحي الأخرى. وقد أطلق فيتزجيرالد في روايته التي تعدّ من الأعمال الكلاسيكية البارزة في الأدب الأمريكي، والتي ترجمت إلى أكثر من اثنتين وأربعين لغة، وتمّ تحويلها خمس مرّات إلى فيلم سينمائي، مصطلح «عصر الجاز» على تلك الفترة، إذ كانت موسيقا الجاز في بداياتها، وقد انتشر هذا التوصيف في الدراسات الأدبية والنقدية لاحقاً.
أما زيلدا فتوفيت سنة 1948 محترقة بالنيران التي التهمت المستشفى الذي كانت فيه، ولكنها عادت إلى دائرة الضوء عام 1970 حين ألّفت «نانسي ميلفورد»، الباحثة في جامعة «كولومبيا»، كتاباً بعنوان «زيلدا.. سيرة حياة»، تناولت فيه زيلدا كرمز للمبدعات اللاتي كن ضحايا أزواجهن وأصدقائهن من الكتاب، وقد جرى نسيانهن ومحو وجودهن، إلى جانب فيفيان إليوت، الزوجة الأولى للشاعر والناقد ت. س. إليوت، وسيلفيا بلاث زوجة الشاعر تيد هيوز.
كما صدرت رواية «أنشودة ألاباما» للكاتب الفرنسي جيل لوروا، وهي سيرة ذاتية متخيلة تناول فيها لوروا، المصير المفجع للكاتبة زيلدا فيتزجيرالد، سارداً قصتها وعلاقتها العاصفة بزوجها وحربها الطويلة والخاسرة مع المرض، وطبيعة تلك العلاقة التي منعت موهبتها الإبداعية من التطور والبروز.
________
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *