طاهر علوان
فيلم “400 يوم” (إنتاج 2015) هو الفيلم الثاني ضمن أفلام الخيال العلمي التي يخرجها مات أوسترمان، هنا سيتم إرسال أربعة رواد فضاء في مهمة طويلة عبر الفضاء الخارجي، لكن عليهم قبل ذلك أن يخوضوا غمار محاكاة تشبه ما سيكابدونه أثناء رحلتهم في المجرّة.
في المقدمة الأرشيفية للفيلم ثمّة شحن مقصود لإعداد ذهن المشاهد باتجاه ما هو آت من جهة، ولسدّ جانب من الثغرات وبعض الترهل في البناء الفيلمي من جهة أخرى، المقدمة الأرشيفية سيحتل مساحتها ثلاثة من رؤساء الولايات المتحدة: كنيدي، ريغان وأوباما وكل منهم تحدث عن طموحات بلاده في استكشاف الفضاء وإرسال مزيد من الســفن والرواد لاستكشـاف الكواكب الأخرى.
وكأن الفيلم أراد بنا أن نسلّم بتلك الأرضية والتمهيد الذي تقدم به أولئك الرواد الثلاثة، وصرنا نمنّي النفس بمشاهدة أحداث فضائية استثنائية وخيال علمي مجنّح ومتقن الصنع، لا سيما وأن المرشحين للمهمة وهم ثلاثة شباب وفتاة كانوا نخبة لامعة متحمّسة لأداء المهمة.
يتجه البناء الدرامي للبحث عن حلول جانبية للسكون الذي ينطوي عليه الركون إلى المكان الواحد في داخل سفينة الفضاء، بل إن السأم سيدبّ تدريجيا بسبب رتابة المشاهد، فلم يتمّ الزجّ بمتغيرات كافية لغرض تحريك الأحداث حتى الأيام الأخيرة قبيل انتهاء المهمة.
الشخصيات التي اضطلعت بهذه المهمة متشظية، وكأنها غير مؤهلة أصلا لكي تنقطع عن الحياة كل ذلك الزمن، فمثلا دوفارك (الممثل داين كوك) هو الأشدّ شراسة ومازال محمّلا بذكريات طفولية قاسية من أسرته التي ازدرته وأهملته.
وعلى الجانب الآخر يعيش باغ (الممثل بين فيلدمان) حنينا جارفا باتجاه طفله الصغير الذي تركه، والتحق بطاقم هذه الرحلة، والدكتورة إيميلي (الممثلة كيتي لوتز) يدور الاثنان في فلكها، فدوفاك يحاول أن يراودها عن نفسها، وهي تصدّ إحساسا ذكوريا سببه ذلك الجمود لأيام طوال في مهمة رتيبة، بينما تعيش هي ذكرياتها مع القبطان كوير (الممثل بردندون روث)، ولكن من دون أن تعلن عنها.
هذا هو فريق المهمات الصعبة المثقل أصلا بمشكلاته الشخصية ليتطور إلى شجار بالأيدي، لكن ما يقلب الدراما الفيلمية رأسا على عقب هو ظهور كائن وحشي شبه عار، تسلل إلى مطبخ المركبة الفضائية، وهو ما دفع بفريق العمل إلى الخروج من السفينة ليكتشفوا حياة أخرى في الجوار.
ما بين المكان الواحد وهو المركبة الفضائية والنوم في كابينات صغيرة تتوزع أحداث الفيلم، هذه المكانية الثابتة لم تتمكن لا مونتاجيا ولا تعبيريا من تقديم مستويات أخرى من الأداء، أي الاشتغال الجيّد على المونتاج والمؤثرات البصرية، حتى أفقدنا ذلك التشويق الذي أسّسته “مدرسة ستار تريك” الخصبة، فالشاشات بليدة وصماء، والحل هو اكتشاف حياة أخرى في الخارج لأناس غريبي الأطوار.
يوظف المخرج خط الصراع المستحدث بين أفراد فريق المركبة الفضائية ليصل إلى قتال بالسكاكين مرة واحدة وبجرح القبطان، ومن ثمة مقتل زعيم المافيا التي تعشش في الخارج، كل ذلك وأكثر سيتمّ شحنه في تلك البرهة المتبقية من الزمن الفيلمي، عراك ودماء وتضحيات واختفاء اثنين من الفضائيين الأربعة في تلك البيئة المشوشة، ثم تصفيق حار لفريق العمل؛ فقد نجح في اجتياز اختبار البيئة المشابهة.
المفارقة والانتقال المفاجئ في اتجاه التسليم بحقيقة أن ما جرى من أحداث لم يكن إلاّ محاكاة للحقيقة، وهو ما أشرنا إليه بذلك الخط الذي يربط بين الحياة الحقيقية وبين تلك الافتراضية، فالإمساك بخطوط الأحداث كلها لم يكن متاحا باتجاه نقل الإيقاع الفيلمي إلى مستوى التأثير في المشاهد وباتجاه قطع الأنفاس، وذلك المستوى هو تحدّي أفلام الخيال العلمي التي طالما اشتغلت في مقارباتها على عنصر المفاجأة وإظهار البطولات أو المهارات الفردية.
الإيقاع الفيلمي هنا يصيبه الوهن في بعض المشاهد بسبب رتابة أداء الشخصيات، فالانسياق للعاطفة المباشرة لدى الشخصيات بدا حلا تبسيطيا أخلّ هو الآخر بتصعيد الدراما المنتظر، وصرنا نتجول مع الشخصيات في ما هي فيه من رتابة وصولا إلى الصراع مع البيئة الخارجية، وهي الانتقالية التي أسعفت الإيقاع الفيلمي ومهدت للتسليم بحقيقة أن ما جرى من أحداث لم يكن إلاّ محاكاة للواقع، وليس مغامرة فضائية مشوّقة، وذلك هو الفارق بين الاثنين.
________
*العرب