عمّان.. مناقشة “قمر ورد” للكاتب رمزي الغزوي



خاص ( ثقافات )

ضمن نشاط كتاب الأسبوع الذي تقيمه دائرة المكتبة الوطنية، جرى يوم الأحد الموافق 13/ كانون أول/ 2015، مناقشة رواية “قمر ورد” للكاتب والإعلامي رمزي الغزوي، الفائزة بجائزة عبد الحميد شومان لأدب الاطفال لدورتها الأخيرة.
عرضت الدكتورة خولة حطاب للأبعاد التربوية للرواية؛ إذ ارتأت أن الرواية تأتي في الوقت الذي تفتقر فيه رفوفُ مكتبتنا العربية عموماً والأردنية بوجه خاص للكتب القيمة الموجهة لفئة اليافعين، ولعل هذا واحدٌ من الأسباب التي أسهمت في ابتعاد أطفالنا، وهجرهم للكتاب والقراءة بشتى أشكالها، وإذا ما توفر المنتج للقراءة خلا غالباً من عنصر الجذب، أو كان المحتوى هزيلاً هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ فإن أهمية الرواية تأتي من الرسالة التي حمّلها الكاتب لأحداثها، فالعائلة تنطلق في رحلات عدة عبر ربوع الأردن، ومن خلال هذه الرحلات قام الكاتب وبمهارة تُشهد له باستعراض عدد من المفاهيم والظواهر العلمية وضمنها بأسلوب سلس ومبسط.
فقد استطاع الكاتب أن يدمج القارئ في سلسلة من المشكلات اليومية ومن خلال أحداث القصة، فيبدأ بمحاولة إيجاد الحلول، في الوقت الذي تنادي فيه كل الأدبيات التربوية في مجال تدريس العلوم إلى ضرورة تبني استراتيجية الاستقصاء وحل المشكلات كأمثلة للاستراتيجيات التي تساهم في تحسين تعلم الطلبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ نجد الأطفال وقد نفد الوقود من السيارة، وانقطعت بهم سبل التواصل عبر هواتفهم الخلوية، أمام مشكلة لا بد أن يجدوا لها حلاًّ، ليأتي الحل بعد نقاش طويل، واستعراض لمختلف الحلول الممكنة من خلال بوصلة النار.
ولم يغفل الكاتب في اهتمامه بتقديم المفاهيم العلمية، إلى إثارة انتباه القارئ إلى بعض المفاهيم الخاطئة، والتي شاع استخدامها الخاطئ بين الناس حتى ساد، فعلى سبيل المثال؛ “ذوبان الثلج” عوضاً عن انصهاره، وضوء القمر عوضاً عن نور القمر، فكلمة ضوء تستخدم للمصدر الرئيس للضوء كالشمس والنجوم، أما كلمة نور فتستخدم للجسم الذي يعكس الضوء، وبذلك يكون الأصح القول نور القمر، واستند بذلك للآية القرآنية: “هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً”، وهنا وفق الكاتب كثيراً في الربط بين العلم، والقرآن واللغة، وبذلك يشعر الطالب بأهمية ما يتعلم، ويتعود أن يربط المواضيع التي يتعلمها، وهو بذلك يعي أنها ليست أجساماً منفصلة. وقدم أمثلة كثيرة لاستخدام الدراما في التعليم، ومرر الكثير من الرسائل للقارئ، لعل أهمها كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وضرورة التفكير في كل أمر.
ثم عرضت القاصة ماجدولين أبو الرب قراءتها لرواية “قمر ورد” قائلة: ثمَّة نصوص نقرأها، تشبه دمى العرض الواقفة خلف زجاج واجهات المحلاّت، تبدو كاملة المواصفات، جميلة، لكنها بلاستيكية لا حياة فيها، وثمة نصوص تنبض بإيقاعات الحياة، بحركتها وغِناها، فنشعر وكأنها من لحم ودم، وهو ما شعرتُ به لدى قراءة “قمر ورد” للزميل رمزي الغزوي. فممّا أعطى لـ”قمر ورد” إيقاعها الحيّ؛ تعدد مستويات الزمن بين الحاضر والتاريخ وطموحات المستقبل، نكهة الريف، الاتكاء على التراث، اللغة، العلاقات الأسريّة والاجتماعية، والتشويق الذي يمسك بالقارئ من بداية الرواية لآخرها، هذه العوامل عكست هدير الحياة وعنفوانها، وكأنّ دماءً حارّة تسري في النص، لتشعر أنه كائن حيّ يتنفس.
وترى ماجدولين أن القارئ يلمس الترابط في نسيج الحكاية عبر معلومة أو حدث في حكاية ترد الآن، يوظفها المؤلف في حكاية أخرى تأتي لاحقاً في مكان من الرواية تنهى نايا عمر عن رمي العلكة حتى لا يلتقطها عصفور فتتسبب بقتله، فيرجع عمر عن نيته في رمي العلكة ولا يفعل ذلك خوفاً من أن يكون السبب في موت عصفور. وفي مكان آخر من الرواية، وتحديداً في فصل “سجن القميص على ذمة التجميد” تجد الأم علكة في جيب قميص عمر أثناء تفتيشها جيوب الملابس قبل وضعها في الغسالة.
وأشارت القاصة ماجدولين أن الحكايات هي بناتٌ للبيئة الأردنية، ملتصقة بها بشكل حميم، وحتى المعرفة العلمية الهائلة المتضمنة في الرواية فإنها تنسجم مع البيئة المحلية، ولا تشعر بثقل ما هو غريب أو مستهجن، والمواد التي تم تناولها في توصيف تجربة أو حل مشكلة بطريقة علمية ما هي إلا مواد من البيئة، مواد بسيطة وبمتناول الجميع.
ومما يثير الانتباه في الرواية الحضور القويّ والمتنوع للأماكن، وشرحها مع الشخصيات التاريخية، يمكِّننا من القول: إن الرواية تصلح دليلاً سياحياً لسياحة داخلية.
رواية قمر ورد رواية طفل مسكون بشغف وفضول نحو القمر في تأمله من شرفة المنزل، أو سطوح بيت الجد، وفي وادي رم، القمر يشغله ويشغل تفكيره، وكأنّ القمر ثيمة ارتبطت بورد ورافقته من بداية الرواية حتى نهايتها. رواية تحكي عنّا، عن أحداثنا اليومية، عائلاتنا، وتفاصيلنا العزيزة والمحبّبة. رواية تمور في حركة الحياة، لتشحن المتلقي بدافعية قوية، وحماسة كي يجرّب بنفسه بعض ما تعلمه هنا دون طابور صباحي وجرس الحصص وأصوات المعلمين ونقر طباشيرهم.
تحدث الكاتب الغزوي عن الرواية قائلاً: أردت بهذه الرواية التي حملت بذرتها في وجداني عشرة سنوات أن أرتقي بها إلى عالم الطفولة الذي أراه أرحب من عالم الكبار، وأراهم أخصب خيالاً منا. رواية قد تشفي غليل ذلك الطفل الذي كنته، وما زال يتغلغلني، مبيناً ان الرواية تمزج العلم بالأدب، بطريقة تحترم ذكاء الطفولة، وتقدر قدرة الأطفال على التقاط الخيوط وغزلها بنوال العقل. وتبعد عن التلقين المقيت. رواية للحياة، تحتفي بها، وتقدم صورة غير نمطية لعيشها، أو تلمس مواطن الجمال في أبسط أشيائها.
وأشار إلى أن الرواية هي رواية للحياة، تحتفي بها، وتعلي من شأنها، وتقدّم صورة غير نمطية لعيشها، وهي رواية عمان وعجلون والناس والطيور والثلوج والتاريخ الموغل في القدم والفخر بالمنجز والتطلع للمستقبل بعين الأمل. ولهذا ضمنتها برسائل إنسانية ووطنية أخفيتها بسلاسة تشعر قارئها بأنه لا يتلقى معرفة، بل تجعله يحس بشراكة النص: القارئ شريك الكاتب دائماً، هي رواية لليافعين، وللذين كانوا يافعين.

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *