المعرفة..من يجرؤ؟


محمد أمين أبوالعواتك*

( ثقافات )

عندما أصدر بوب فندلي كتابه (من يجرؤ على الكلام) أثار انتباه المهتمين في عالم المعلومات ونظم ادارة الجموع البشرية او قل المهتمين في ما صرح به لاحقا وعرف بصراع الحضارات والذي أميل الى تسميته بصراع الحضارة، فهي حضارة واحدة متجددة بتجدد الهدي والمعرفة والصراع القديم الجديد فيها بين الحقيقة وغيرها،وهي معركة مستمرة وصلت الآن مرحلة حاسمة ومصيرية..ومع أن موضوع الكتاب الاساسي ارتكز على قضية بعينها وهي الصراع العربي الاسرائيلي وكيفية تزوير الوعي بحقيقته الا أن الملمح للجرأة في الكتاب تبيان عمليات التضليل الممارسة لاخفاء (الحقيقة) وبناء عالم مصنوع من الخداع تصدقه وتدافع عنه…أنت !
عندما اصدر دان براون أيضاً روايتيه (شفرة دافينشي) و (ملائكه وشياطين) وسارعت هوليوود الى انتاجهما سينمائيا.. أثارتا عاصفة دينية بسبب …المعلومات… التي حوتها الروايتان بصورة تناقض حقائق دينية راسخة حسب ما هو منشور عن الفاتيكان تعبر عن جهة نظر اخرى مفارقة للسائد و(المعروف) تاريخيا !! ودائما هذا هو الحال عند التمدد خارج الصندوق المعرفي (المصنوع والمسموح به) يثير لصاحبه اشكالات كبري في الموضوعات التي خطط ان تظل هكذا وإن كان المنتج صحيحا !!
التقاطعات والخلاف في الدين والسياسه والتاريخ وتجددّها كلّ مرة عالمياً او اقليمياً او محليا يأتي من مصدر صراع اوحد هو…المعرفة..فالصراع على المعرفة هو صراع علي القوة..وبالتالي التحكم فيها وهذه هي المعركة الحضارية الكونيه الكبرى التي تدير كل المعارك الاخرى الصغرى وتشهد على الدوام أكبر عمليات تضليل عرفتها البشرية قديما وحديثا في مختلف العلوم والمعارف بما يضمن التحكم في كل شيئ ويمكن ملاحظة أن امة في عالمنا المعاصر لم تحرك قوة مادية بل فقط امتلكت شكلا من (المعرفة) مجرد الامتلاك مكنها من بعض الاستحقاقات ا!! 
قوة المعرفة او سلطة المعرفة تقود الي اول من اعتبر المعرفة سلطة وهو الفيلسوف فرانسس بيكون مؤلف كتاب( تقدم المعرفة) الذي يعد البادرة التي انطلق منها الفكر الغربي الحديث الا ان اعمق من تحدث في ذلك هو ميشيل فوكو احد اهم المفكرين في النصف الثاني من القرن العشرين وبحسب ماهو منشور عنه منذ اصداره كتاب (حفريات المعرفة) الذي بدأت به شهرته، باحث عن اسس المعرفه وعن النظام المعرفي الخفي الذي تشكلت بحسبه العلوم واشكال الفكر التي تحتاج وفقا له الي ارادة تنقيب دقيقة، ومنهجه يتمثل في اعادة قراءة جذرية علي غير منهج التاريخ الفكري للبحث عن ماهو معرفي او سياسي وقدم مساهمات باهرة شكلت مدرسة اختطت طريقا مختلفا.
ومتعة القراءة وعمق مؤلفات فوكو تظهر في العرض الذي قدمه لالومون عنه عندما يتحدث عن كيف يمكن ان تتكون معرفة معينة في حقبة ومكان معينين؟ وما هي العلاقات التي تقيمها المعرفة والحقيقة والتاريخ فيما بينها؟ فالتاريخ عنده ليس نهرا كبيرا هادئا، والقوى التي تفعل في التاريخ لا تخضع لأية غاية ولا أية حركة ميكانيكية إنما للصراعات، وهي احدى اشكالاتنا الكبري اليوم اذ ان النذر اليسير من المعرفة التي بين أيدينا هي منتوج صراع عنيف يبرز فيها اثر السلطان على المعرفة او الصراع الحضاري الأكبر الذي اشرت اليه بداية وتنزلاته في المحيطات الاقليمية او المحلية، وكما هو معروف تعرضت حركة الاستنارة المعرفيه ورموزها على مر التاريخ في أمتنا الى احاطة واقصاء عنيف بسبب المعرفة والحقيقة، والنتيجة هو رصيدنا الحضاري المعرفي السالب وانماط زائفة مفروضة له، سبكت سلفا في قوالب جاهزة مع وصاية السلطان حارسا امينا عليها، فكان كل ما قدمنا في مجال المعرفة مسوخا تسعى بيننا اقصاء وتكفيرا وارهابا، وجافينا مرجعية الأخذ والتلقي وما بعد الحقّ الا الضلال، فإضاعة أثر المعرفة مقصود في العلوم بمختلف أنواعها لقطع الطريق بين الاخرين وسلطتها للاستحواذ عليها وحجب كل منافس عنها باعطائه دلالات واثر خاطئ يقود بجدارة الى صدارة قائمة المتخلفين عن المعرفة، وليس ذلك فحسب بل توفير مصادر خادعه للتطمين بانك علي الطريق السليم والعمل على حرمانك من ميراث المعرفة الحقيقي المملوك لك في الاساس هذا ان وجد، وحتى لا نطلق الحديث على عواهنه أتساءل…. وهذا فقط في هذه الفترة التي نعيش فيها الآن للتدليل… ناهيك عن دورات للتاريخ كثيرة وصراع المعرفة فيه: عن كتب المصادرالقديمة المختلفة، وطبعات الباب الحلبي، ولماذا حركة الاستبدال والتنقيح المستمرة لها في اشكال جديدة مذهبة؟ والصراخ الهستيري الإقصائي عند ظهور تدفق جديد مختلف للمعرفة والاستسلام لوصفات الاقصاء الجاهزة !!! وحتى في المجالات الاخرى والانشطة الأخرى هل شعرنا بأنفسنا مثلاً في السودان ونحن نتحول من أمة تأكل الذرة الى امة تأكل القمح؟
والمفارقة في السؤال المقارن لذلك هل الشعب والنخب الاثيوبيه اكثر ادراكا منا وهم يتجاوزون مصيدة القمح و يتمسكون بنمط غذائهم؟ ام هو ترتيب مصمم لنا فقط من سلطة المعرفة؟
وهل شعرنا بصراع المعرفة هذا ونحن ينقطع بنا الطريق والوصل مع حضارة لنا قادت الدنيا في كرمة ومروي؟ نعم تصعد وتختفي الحضارة لكن اليس عجيبا الا يكون هناك اثر في شكل اسرار معرفية و ممسكات حضارية؟! 
والاهم اين نحن من مرجعية الهدي والاخلاق المبعوث لإزالة ما بدر من الناس من اختلاف في الفهم لمن سبق من الامم لاسعاد الناس اجمعين… مدينة العلم صلوات ربي وبركاته عليه .. هل هي فعلا النخب وادمان الفشل..ام من يجرؤ على الكلام؟
* كاتب وإعلامي من السودان

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *