نسرين طرابلسي
بعض حيل الإعلان توقعك في فخ جميل، فعلى الرغم من أنني رغبت في مشاهدة فيلم “أرض الغد” للمخرج الأميركي براد بيرد (إنتاج 2015) لأن جورج كلوني (فرانك ووكر) هو البطل في الأفيش الإعلاني للفيلم، لكنني لم أندم أبدا عندما اكتشفت أن الممثلتين الشابتين، بريت روبرتسون (25 سنة) والتي تلعب دور كاسي نيوتن ورافاي كاسيدي (13 سنة) التي تقوم بدور أثينا، هما فعليا بطلتا هذا الفيلم.
لأن الطفولة بداية مشرقة، يعود بنا الفيلم إلى عام 1954 لنتعرف على فرانك ووكر صغيرا يحمل آلة طيران نفاثة، ويتوجه إلى عالم المخترعات الأشبه بـ”يونيفرسال ستوديوز” أو “ديزني لاند” ليجيزوا له هذا الاختراع، لكنهم يرفضون:
ــ كيف يمكن لاختراعك أن يجعل العالم مكانا أفضل؟
ــ سأكون مُلهما ألا يجعل هذا العالم مكانا أفضل؟
إجابته المتحدية تعجب الفتاة الجميلة أثينا، فتعرفه بنفسها على أنها (المستقبل) وتعطيه دبوس بدلة لشعار ما، وتدله إلى حيث يقوم رجل آلي بإصلاح نفاثته، فينجح في الطيران.
كاسي نيوتن أيضا في طفولتها كانت تحب النجوم وتحفظ أسماءها، لأنها تحلم بالذهاب إلى هناك يوما ما.
تسألها أمها: وماذا لو ذهبتِ ولم تجدي شيئا هناك؟
فتجيب كاسي: وماذا لو أنني فعلا وجدت شيئا هناك؟
إنه الفرق بين منطق المتشائم والمتفائل، لذا تكبر كاسي وتبقى على نفس الروح، تحاول جاهدة أن تغير العالم الذي تعيش فيه؛ “الأفكار الصبيانية أيضا يمكن أن تغيّر العالم”.
في المدرسة تسمع كاسي المعلمين يرددون، أستاذ الفيزياء يحكي عن الدمار الأكيد والطاقة النووية والإرهاب، أستاذ العلوم يحكي عن الفوضى البيئية والتغيّر المناخي ونقص المياه، أستاذ الأدب يحكي عن الخلل وعدم الانتظام وعن رواية جورج أورويل 1984.
كاسي ترفع يدها بإلحاح لتسأل: هل يمكننا إصلاح كل هذه المشكلات؟
طاقة التفاؤل والأمل التي تتفجر من كاسي تجعلها مرشحة قوية بالنسبة إلى أثينا، الفتاة المجندة من العالم الآخر المتطور التي تبحث عن مرشحين محتملين لإصلاح العالم. كاسي التي علمها والدها أن هناك نوعين من الذئاب في صراع دائم، أحدهما هو الظلام واليأس والآخر هو الضوء والأمل، وعلينا أن نعرف أي الذئاب نطعم، لنعرف من سيفوز في هذا الصراع.
ومع ذلك يبدو أن حتى العالم المثالي المتطور فيه قتلة يطاردون الشرفاء، لذا نعود لنلتقي بفرانك ووكر بعد أن طرد من ذلك العالم، وها هو يعيش في منزله على الأرض وقد حوله العمر والخيبة إلى شخص متشائم ينتظر هو الآخر العدّ التنازلي لدمار العالم.
فكيف ستؤثر فيه عودة ظهور الطفلة أثينا ولقائه بالمراهقة المتفائلة كاسي نيوتن؟ وهل سينجحون معا في إنقاذ العالم؟
الفيلم من نوع الخيال العلمي، نصف شخوصه رجال آليون، حتى أثينا روبوت مبرمج لمهمة محددة، والاسم يرمز في الميثولوجيا الإغريقية إلى آلهة الحكمة وحامية المدن.
الإمكانيات الهائلة للإنتاج الهوليودي تجعل تنفيذ أي فكرة مهما شطحت متاحا، وفكرة البطل الأميركي المنقذ فكرة مكررة إلى درجة النكتة، وبعد إنتاج العديد من الأفلام التي ابتكرت عوالم جديدة، فالفيلم بعد التقييم لم يكن خارقا، حتى أنني وجدت أحد مباني العالم الآخر تشبه برج خليفة في دبي، والانتقال عبر الزمان والمكان في الفيلم كان يتم بطريقة أشبه بمركبة تنقلك أسرع من الضوء على خارطة كما يفعل غوغل إيرث.
الفكرة النبيلة عن الوطن كبعد من الأبعاد والتركيز على الحالمين المؤمنين بأنه يمكن إصلاح الأخطاء لأنهم حماة الغد والمستقبل، والذين لطالما كانوا موجودين على الأرض مثل جول فيرن وتوماس أديسون ونيكولا تسلا.
هذه الفكرة برأيي هي التي رفعت سوية الفيلم، والأداء المتقن للممثلتين وخاصة رافاي كاسيدي في دور الفتاة الآلية أثينا، والمشهد المدهش المفاجئ المشع بالأضواء الذي ينشطر فيه برج إيفيل في باريس ويخرج منه صاروخ فضائي.
نيكس قائد العالم الآخر والذي قام بدوره هيو لوري يرفض تماما اقتراح إنقاذ البشر ونقلهم إلى هذا العالم الجديد الآمن، يقول: هؤلاء أناس تقودهم الوحشية، لو أخبرناهم عن هذا المكان فسيعيدون ما فعلوه على الأرض.
ما فائدة وجود مكان آمن لا يستطيع البشر اللجوء إليه ساعة الخطر؟ إنها فكرة لا علاقة لها بالأمل. بينما يحاول الفيلم أن يبحث عن المسؤول عن إقناع العالم بالحروب والدمار الحتمي، كيف ترفع الأخبار العاجلة احتمالية الإبادة الجماعية؟ من يحشو ألعاب الفيديو والأفلام والكتب والأخبار بأفكار عن الدمار المحتوم؟ من يخيف الناس؟ من يقنع العالم كله بإطعام الذئب الخاطئ؟
يشع الفيلم بنهايته بطاقة إيجابية، وفي ظرف العالم الراهن المهدد والمخيف، أرشح الفيلم للمشاهدة لتغيير المزاج الجمعي للبشر.
في كل دقيقة هناك احتمال لمستقبل أفضل، لذا يجب على الحالمين أن يكونوا معا، سيرينا الفيلم نماذج كثيرة منهم، ستفاجأ بأنهم في كل مكان، إنهم الذين لا يستسلمون، وقد يمر أحدهم بجوارك في هذه اللحظة.
______
*العرب