الإعلام العراقي : متوالية العنف والحقن الطائفي




أ.د.ياس خضير البياتي**

خاص ( ثقافات )

مقدمة :

إن الهدف المركزي للبحث هو تحليل وتفكيك المشهد الإعلامي العراقي برؤية موضوعية ، الهدف منه هو تقديم حلول تطبيقية لتاسيس نسق اعلامي عراقي قادر على حماية الشباب العربي من التطرف والعنف . 
ولأن المشهد العراقي يعاني من تعقيدات وتناقضات ،فأن الحديث عنه لايمكن فهمه بطريقة أحادية الجانب ، فهو نسق مرتبط بالأنساق الأخرى السياسية والأجتماعية والثقافية ، مثلما هو مرآة لكل الأنساق ، بل هو الأخطر في بنائها ، وهو الأداة في بناء العقول وتغيير الأتجاهات والسلوك كما هو معروف .
إن هذا البحث حريص على ترابط وتركيب المشاهد السياسية والإعلامية،ومن ثم تفكيكها لأهداف تحليلية لأستقراء واقع الإعلام العراقي وفهم الياته ومضامينه وبيئته السياسية والأجتماعية والثقافية ضمن سياقات تاريخية موضوعية .لذلك سنتاول بأيجاز أصل المشكلة وهي واقع العملية السياسية في العراق في ظل نشر ثقافة الفوضى الخلاقة ومتتالية الهدم، وتأثيراتها على المشهد االعراقي ، وتحليل واقع الإعلام العراقي وبنيته الاتصالية ومسؤوليته في إنتاج الطائفية والعنف في المجتمع العراقي،وخاصة الفضائيات الدينية ،ومدى التزام الإعلام بالمسؤولية الأجتماعية وبالمعايير المهنية والأخلاقية عند تغطية احداث العنف والإرهاب. والإجابة عن مجموعة من التساؤلات الهامة حول طبيعة دور الإعلام العراقي فى الحرب على العنف والإرهاب. وهل الحرب عليهما تبرر تنازل الإعلام عن مهنيته وحقوق المتلقى أثناء التغطية الإعلامية على العنف والإرهاب ؟.

الإعلام العراقي :  متوالية العنف والحقن الطائفي

أفرز المشهد الإعلامي العراقي الجديد ثلاثة أنواع هي: الإعلام الحكومي الذي تبنت تمويله الحكومة وأغدقت عليه ملايين الدولارات. والإعلام الحزبي ممثلاً في الصحف والمحطات التلفزيونية والإذاعية التابعة للأحزاب والكتل السياسية، والإعلام المستقل الذي تحوم الشكوك حول استقلاليته، لأنه في الغالب مستقل شكلاً بسبب عدم قدرته على تمويل نفسه، لذلك تجده يخضع للجهات الممولة.
والقاعدة الذهبية تقر بأن الإعلام الحر نتاج طبيعي لبيئة سياسية حرة، وهو بهذه الحالة يكون تعبيرا عن طموحات وآمال الشعوب وما يربتط بها من قضايا، ذلك أن القيم الأخلاقية مسألة مهمة في العمل الإعلامي وإن كانت محل جدال أو خلاف، مثل قيمة الموضوعية، وقيم النزاهة والتوازن، حيث لا يمكن لمثل تلك القيم أن تنشأ إلا في بيئة ديمقراطية .ولأن البيئة السياسية العراقية الحالية، هي بيئة صراع غير صحيّة أوجدها المحتل، وأستمرت عليها الحكومات العراقية بعد الأحتلال ، وأستثمرت لمصالحهم السياسية واجنداتهم الخاصة، وهي بيئة المحاصصة الطائفيّة، وصراعات الطوائف والقوميات والأعراق، وبيئة الفتن الطائفيّة ،والتفجيرات والغام الإعلام الطائفي، وكلها قنوات هدفها الهاء المواطن بموضوعات ثانوية، وابعادهم عن التفكير بممارساتهم وأجنداتهم السرية. فأن هذه البيئة الملوثة انتجت ظواهر سلبية في الحياة الإعلامية والأجتماعية والثقافية ،أبرزها على الأطلاق أختفاء دولة المواطنة وظهور دولة المواطن الواحد والحزب السياسي الواحد. إذ إن المواطن فيها تابع لحلقة أضيق بوضوح هي تبعيته لجهة طائفية وهو قد لا يتبع حتى طائفته، لأن الطائفية السياسية تختزل المجموع في حزبها وفي زعامتها وتضع هؤلاء بديلا عن الجمهور ، وبالتالي سيجد أتباع الطوائف الأخرى أنفسهم مدفوعين برغبة عارمة في الانفصال أو الاحتراب أو العنف مع هذه الدولة ، لإنشاء كيانات خاصة بهم ، تحفظ كيانهم وهويتهم .

لذلك فأن معظم الأحزاب السياسية ساهمت في رفع حدة صراعات المجتمع العراقي. فتشكلت الإمبراطوريات الإعلامية العرقية- الطائفية تفصل بين العرب والأكراد والتركمان، كما تشكلت الجماعات الطائفية الدينية تفصل بين السنة والشيعة والمسيحيين.ولكل وسائله الخاصة في التواصل مع جماعاته الطائفية – العرقية داخل العراق أو في دول الشتات. كما ان هذه الأحزاب فشلت في تقديم برامج سياسية وواقعيّة للمشكلات العراقية، وانما أتجهت الى دغدغة عواطف الناس ومزاجهم وحاجاتهم بشكل بدائي يستند الى ثقافة تقليدية عمرها اكثر من نصف قرن، بمعنى ان هذه الأحزاب أتجهت الى النمط التقليدي في مشاريعها، فلا يزال البرنامج السياسي يتأطر بثقافة البيئة التقليدية وحاجاتها، ومثقل بالماضي وردود الفعل، وبأ ليات الربح والخسارة، وبروح اقتناص الفرص، والتلاعب بالعواطف والغرائز، وبأسلوب الدكتاتورية ، فما زال (رئيس الحزب) هو الحاكم الناهي، والحاكم الى الابد. ومن الغرابة ان تدعو هذه الاحزاب الى الديمقراطية وتداول السلطة، وهي نفسها تمارس الديكتاتورية الحزبية بين اعضائها، ومازال الكثير من رؤساء الأحزاب العراقية يحكمون احزابهم منذ نصف قرن من الزمان! 

ما نراه اليوم في المشهد الإعلامي العراقي إلا صورة مؤلمة لممارسات تحمل في ثناياها خطاباً اعلاميّاً مؤججاً ومبرمجاً لصالح الانتماء الطائفي والعرقي والقومي وتعميق ظاهرة العنف ، اكثر مما هو لمصلحة الوطن من خلال اكثر من صورة، ومن أمثلة ذلك :

1- وقوع الإعلام العراقي في فخ المنازعات والصراعات السياسية والحزبية والطائفية والفئوية والقومية لأسباب ترتبط بخلفيات بعض الاحزاب واجندتها الخارجية، وعدم استيعاب الكثير منها للفكرة الحزبية في العراق وممارسة الديمقراطية.
2- ظاهرة تعددية الافكار التي ترتبط معظمها بمعالجات طائفية واثنية تقترب من الولاء إلى المذهب والعشيرة والقومية اكثر من اقترابها إلى الهم الوطني والولاء للوطن. 
3- وجود مضامين إعلاميّة متناقضة ومتنوعة ذات دلالات سياسية ، بعضها مرتبط بأفكار المخطط الأمريكي في التحريض الطائفي وإشاعة الفوضى،وتعميق ثقافة القبول به كواقع سياسي، وبعضها مرتبط بأحزاب سياسيّة تكرس مفهوم(الطائفة) و(القومية) على حساب الوطن ، ونشر ثقافة الثأر من الماضي، والتحريض على العرب ، والدعوة على إخراج العراق من محيطه العربي القومي .
4- التنوع السلبي في وسائل الإعلام، وبدون شك فأن التنوع الإعلامي هو تنوع ايجابي اذا كان هذا التنوع يهدف إلى بناء الانسان العراقي الجديد، وتوعيته بوحدة العراق ومخاطر التقسيم ، وتعميق الوحدة الوطنية، واشاعة ثقافة الديمقراطية واحترام الرأي الآخر، ولكن هذا التنوع الإعلامي اتجه إلى مسارات تخدم سياسة المخطط الأجنبي وتلتقي بأجنداته السياسيّة. فنحن نشهد اليوم ظهور صحف حزبيّة ودينيّة ذات ولاءات طائفية تشيع ثقافة الولاء للطائفة. كما ظهرت فضائيات تبشر علانية بثقافة المذهب وتلغي الآخر تحت مبررات عديدة، مرة بتهميشها من المذهب الآخر، ومرة بتكفيرها من الطائفة الأخرى، وليصبح المشهد العراقي مشهداً إعلاميّاً صراعياً بين الطوائف والقوميات والأديان.
5- ظاهرة التمويل الإعلامي ومخاطره على مستقبل الإعلام العراقي واستقلاليته، خاصة اذا كان هذا التمويل خارجياً هدفه تحقيق اهداف سياسية ضد مصلحة الوطن، ولا غرابة ان بعض الصحف والفضائيات تم دعمها من قبل الاحتلال أو من دول مجاورة للعراق، بحيث اصبح التمويل امتيازاً لبقاء البعض على حساب صحف وطنية وقومية قاومت الاحتلال اعلاميّاً، ولكنها لم تستطع مقاومة البقاء لاسباب مادية.
6- بروز ظاهرة التدخلات والاقتحامات المسلحة لبعض المؤسسات الإعلامية الخاصة والحكوميّة، لأهداف ثأرية سياسيّة أو التحكم والهيمنة على الحياة الإعلاميّة ،وهو أمر ما كان يحدث لولا انعدام القانون وشيوع الفوضى الأمنية والسياسية.
فيما يتعلق بالإعلام العراقي ،في ضوء المفاهيم السابقة،فأن المؤشرات التطبيقية تدل على غياب المسؤولية الأجتماعية في سلوكيات المنظومة الإعلامية ، رغم إعترافنا بأنها لاتنفصل عن المسارات السياسية والأجتماعية والثقافية ،لأن هذه المسؤولية مرتبطة بثقافة مركبة ترتبط بطبيعة التنشئة السياسية والأجتماعية والقانونية لرجل الإعلام ، وطبيعة النظام وفلسفته الإعلامية ، والبيئة التي يعمل فيها الإعلامي . ولأن (البيئة السياسية العراقية هي بيئة صراع ملوثة بالطائفية والعنف، ،فأن التأسيس فيها لم يكن في الغالب هدفه أو غايته اعلامية بحتة ولا حتى تجارية تستهدف فيها الربح من العمل الإعلامي ، بل ان جل اسبابه كانت تنحصر تقريبا بين بث إيديولوجية طائفية او مواجهتها ، والتسويق الإنتخابي والدعائي للاشخاص والاحزاب . ولم تهتم غالبية وسائل الاعلام بمسألة التمويل لانه مؤمن ويأتي عادة من دول لها مصالح متقاطعة على الساحة العراقية ، او من الموزانة العراقية ذاتها بطرق التحايل والتلاعب والفساد ، ومن الاعلانات الحكومية التي تتقاسمها الاحزاب الحاكمة كما تتقاسم السلطة ). و لعل هذا هو السبب الرئيسي في عدم اكتراث وسائل الاعلام العراقية بموضوع المسؤولية الأجتماعية ، والى توسيع قاعدة جمهورها والحصول على المزيد من المشاهدين او المتابعين بل اكتفت بجمهور يمكنها مغازلة مشاعره الطائفية والعرقية من خلال إعادة احياء موروث مشبع بالكراهية والحقد والخوف من الآخر، وعدم الثقة به ،واستغلال غياب مفهوم المسؤولية الأجتماعية والهوية الوطنية او التباسه .

إن التسامح كحقيقة اجتماعية، لا يمكن أن تتجسد بدون تطوير الثقافة المجتمعية من خلال وسائل الإعلام العراقية. وبالتالي فإن المسؤولية الاجتماعية هدفها،هو العمل على تطوير ثقافة الحرية والتواصل وحقوق الإنسان ونبذ العنف والإقصاء والمفاصلة الشعورية بين أبناء المجتمع الواحد. وهي القادرة على استيعاب الجميع بتنوعاتهم واختلافاتهم الاجتماعية والفكرية. صحيح أن التفاهم لا ينهي الاختلافات الإنسانية، ولكنه بالتأكيد يمنع تأججها وتحولها إلى مصدر لممارسة العنف والتطرف، وفي ذات الوقت يبقيها في حدودها الطبيعية.
ولأن المسؤولية الأجتماعية أصبحت ضعيفة داخل المجتمع العراقي ،فقد برزت ظاهرة اللامبالاة في الشخصية العراقية.وتشير في جانبها السياسي الى خفوت الشعور بالانتماء ، وفقدان الاحساس بالمسؤولية ، وعدم الالتزام بالواجبات المنوطة بالافراد ، وعدم الرغبة في مشاركة الاخرين بعملية اتخاذ القرارات التي تهم المجتمع ، وتتولد اللامبالاة نتيجة مجموعة الاحباطات التي يتعرض لها الافراد ما يدفعهم الى عدم الاهتمام بالبيئة المحيطة بهم ، والتغاضي عن السلبيات وعدم المساهمة في معالجتها ، وضعف الحماس لتغيير الواقع ، اذ ينتاب الافراد شعور بعدم جدوى ما يقومون به 
والملاحظ في غياب الضوابط الاعلامية ،واستخدام التيارات السياسية والثقافية المتصارعة في العراق أنماطاً اتصالية مختلفة بضمنها الاتصال الجماهيري بوصفه النمط الاتصالي الأكثر تأثيرا من الأنماط الأخرى، مستثمرة أجواء الانفلات الاعلامي الذي غابت عنه التشريعات الضابطة للعمل الاعلامي ، الامر الذي جعل الجماهير أمام وسائل إعلامية تعمل على هواها، وتروج لثقافات تتعارض بعض مضامينها مع مفاهيم الديمقراطية والثوابت الوطنية، فضلا عن إعلاء شأن ثقافات فئوية ضيقة على حساب الولاء الوطني بوصفه المشترك الذي من شأنه الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي. 
ومع ان الاعلام يعد مكانا للنخبة ، الا (ان الاعلام العراقي غدا مكانا لذوي الثقافات المتدنية الذين لاتختلف ثقافتهم عن ثقافة الجمهور العام بشيء ، بينما يراد لممسكي هذه الوسائل ثقافة متقدمة على ثقافة المجتمع ليتسنى لهذه الوسائل الارتقاء بالمجتمع نحو افاق رحبة.والرابط بين أغلبية وسائل الإعلام العراقية هو افتقادها للحرفية الإعلامية ونزوعها الى الخطابات التحريضية وتجاوزها على خصوصية الافراد والجماعات) .

ويمكن تسجيل بعض الأدوار السلبية لمضامين هذه الرسائل التي ساهمت في إشعال حريق الطائفية والعنف :

1- انتشرت افاق النزاع الطائفي والديني في وسائل الإعلام العراقية بشكل غير مدروس، واصبحت الصحف ساحات لتبادل الاتهامات، من خلال نقل تصريحات شديدة اللهجة تحمل في طياتها الكراهية والبغضاء، واستغلت جماعات العنف والأرهاب وسائل الاعلام فنشرت الافكارالمتطرفة والتكفيرية والطائفية،مثلما ساهمت الفضائيات في نقل مشاهد حية للقتل والذبح. وهذه المشاهد والصور التي جاءت على اثر انتشار عمليات التفجير والانتحار التي تبادل المنفذون في استهداف مناطق شيعية لتقابلها في الجانب الاخر استهداف مناطق سنية في بغداد والعديد من المدن العراقية ، ما جعلت نقل هذه المشاهد من قبل وسائل الاعلام كأنها شريكة في العملية تتسابق في عرض الصور والتصريحات وفي الكثير من الاحيان دون التأكد منها.
2 – ساهمت وسائل الإعلام الدينية في تثوير الطائفية، والتحريض على العنف من خلال برامجها وحواراتها، وقيامها بحملات إعلامية منظمة وومنهجة للتحريض الطائفي، خاصة اثناء الأزمات الطائفية والمعارك العسكرية ، ساعدها ذلك تمويل مالي كبير كي تعمل وفق منهج ديني او خط ديني محدد، ولذلك ساهم الاعلام،ولايزال في انعكاس النزاع الديني الذي رافقه نزاع مذهبي ( شيعي – سني) على العديد من المحطات التلفزيوينة وبرامجها الاخبارية والحوارية وتغطيتها للاحداث، وانحازت محطات تلفزيوينة بشكل واضح وعلني في عمليات تأجيج النزاع الطائفي مما خلق توترا لدى العامة فحدثت عمليات نزوح سريعة من مدن عراقية كثيرة ، ترك طابعا سيئا من جراء التدخل الاقليمي الذي تناولته وسائل الاعلام وفق الاجندات التي ترتبط بها من تلك الدول الاقليمية التي تمول وتقف خلف تلك الوسائل الاعلامية وخلف صحفيين باعوا ضمائرهم وباتوا يروجون للعنف والكراهية.ومعتمدة على آليات التمييز الديني في الإعلام .
3- تشجيع وسائل الإعلام العراقية ظهور رجال الدين في البرامج الحوارية ،واثارتهم للموضوعات الطائفية ، حيث لوحظ زيادة نشاطهم في الآونة الأخيرة ، وباتت الفضائيات تمنحهم المساحة المجانية لتفسير كل الامور على هواهم، لا بل شهدت بعض البرامج الاستئناس بأراء رجال دين لايزالوا صغارا على التحليل وأعطاء الاحكام والراي الصائب في قضايا حديثة على الاجتهاد، ثم انفلت الخيط، وتدحرجت الفضائيات لتفسح لهؤلاء بنشر الافكار التطرفية والافكار التي تلغي الاخر، وتشعل فتنة طائفية كانت خامدة لقرون عديدة بين المذاهب.
4- تبنت وسائل الإعلام العراقية الدفاع عن افكارها المذهبية، من خلال نقلها معارك الفضائيات العربية الدينية الى الجمهور العراقي ،حيث تحولت الفضائيات الدينية إلى ساحة حرب بين الشيعة والسنة وبين الصوفية والسلفية فقنوات الكوثر وأهل البيت والأنوار الشيعية…الخ.تهاجم أهل السنة والتشكيك فى الثوابت الدينية ،وانتقاد الصحابة وعائشة أم المؤمنين. أما قنوات الصفا وقناة وصال السنية فتهاجم الشيعة بضراوة ،وتصفهم بأوصاف مغزية لاتليق بوطنية الكثيرين منهم، ونفس الحرب الطاحنة بين الفضائيات الوهابية والصوفية.
5- أستخدام وسائل الإعلام العراقية للمصطلحات الطائفية وتكرارها بأستمرار، بحيث أصبحت منهجاً أجتماعيا وثقافيا في حياة الجمهور ، واصبحت حروب المصطلحات جزءا من الحروب العقائدية والنفسية بين المذاهب،وتم إستعارة مصطلحات من التنظيمات ألأرهابية او الميلشيات الطائفية لتكون جزءا من العنف و التحريض الطائفي ،حيث ظهرت عشرات المصطلحات التي تكفر بالآخر أو تسيئ الى المذاهب ، أومصطلحات استخدمت تاريخيا لوصف جماعات اعتبرت خارج الدين، أبرزها(النواصب) و(الخوارج). كما برز مصطلح التكفيريين والوهابيين والرافضة والمجوس والصفويون ، وكلها هدفها بناء استراتيجية طويلة الأجل لنزع الإنسانية عن الطرف المقابل، واشعال فتيل حروب الطائفية. كما اصبح اليوم الحديث عن الكوردي بجدية عند العربي محل شك والحديث عن التعدد الديني وضرورته محل اشمئزاز من قبل العديد من المواطنين من انتماءات مختلفة الذين باتوا يرفضون قبول الاختلاف من العائلة ، صعودا للجامعات التي انتشرت فيها الافكار التطرفية بشكل صريح وواضح جدا بما جعل منها محط خوف شعبي . هذا الشيء جاء نتيجة فشل الاعلام في تغيطة الاحداث، والوقوف من جميع الافكار بمسافة واحدة ونبذ الافكار التطرفية او على الاقل عدم فسح المجال في ان تكون وسائل الاعلام في خدمتها، او على الاقل عدم تشجيع ونشر الخطاب الاستعلائي والتطرفي، و الطائفي.
6- إنتقائية وسائل الإعلام في ابراز الموضوعات السياسية والدينية والمجتمعية ،بحيث نجد إن هناك تسابقا في ابراز الأحداث القريبة من تطلعات الأحزاب وأفكارهم ،وكلها تخلق حالة يأس عند الجمهور العراقي ،أوتعصبا للأفكار، ممايؤدي الى خلق فكرة التحريض والتعصب والشك بالآخر لينتهي أحيانا بالعنف خاصة عند الجمهور الذي يشعر بالتهميش والأقصاء السياسي والمادي والأجتماعي .فنحن نرى بعض القنوات الفضائية تنقل الشعائر الدينية لأسابيع عديدة ،وتغفل شعائر الآخر ،وتظهر رجال من طائفة واحدة بصورة ذليلة امام التلفاز كأرهابيين وقتلة هدفها التشهير بالطائفة او القبيلة،مثلما ايضا إنتقائية في المحاورين والمحلليين الذين يمارسون طائفية في تحليلاتهم، او تحريضاً لإثارة العنف بأنواعه لغرض طائفي أو انتهازية مريضة .وهناك امثلة كثيرة تمارس عمليا في الميدان ، كالأنتقائية في موضوعات مجتمعية ،كأجتثاث البعث ،والتعيين والمزايا ،وتكوين المليشيات …الخ وكلها تؤدي الى الأحتقان والعنف .
7- إستثمار رجال السياسة لوسائل الإعلام في التعبير عن برامجهم السياسية ،وأفكارهم الطائفية المحرضة للعنف الطائفي.ومحاولة هذه الوسائل لكسب تأييدهم لمصالح مختلفة.بل إن هذه الوسائل تحاول تكرار الأفكار الطائفية في نشراتها الأخبارية ،وأعمدة الصحف وأبرازها كحقائق فكرية وعقائدية . لقد أصبحت هذه الوسائل ناطقا رسميا للطائفية السياسية .وشاهدنا كيف تعاملت هذه الوسائل على سبيل المثال لا الحصر مع القول الطائفي البغيض للمالكي (ابناء يزيد ،وأبناء الحسين) في حروبه مع المدن الغربية .وكيف نقلت بعض الفضائيات أقوال السياسيين في الأعتصمات التي تحرض على (الشيعة الصفويين). وكلها تساهم في تعميق الشد الطائفي وتثير الأحقاد بين مكونات الشعب العراقي.
8- تركيز الإعلام العراقي على الحدث أكثر من التركيز على الظاهرة. فهو يعطي اهتماماً لعمليات العنف بأنواعه أكثر من الاهتمام الذي يعطيه للعنف والإرهاب كظاهرة لها أسبابها وعواملها. مع هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية لعمليات العنف والإرهاب، وتقديم تغطية متعجلة وسريعة، وربما أحياناً سطحية، تهتم أساساً بتقديم جواب عن سؤال : ماذا حدث؟! حيث تغيب في الغالب، التغطية الإعلامية ذات الطابع التفسيري والتحليلي، كما تغيب التغطية ذات الطابع الاستقصائي، الأمر الذي يؤدي إلى بقاء المعالجة الإعلامية على سطح الحدث والظاهرة. حيث تتوارى في الغالب، معالجة جذور الظاهرة الإرهابية وأسبابها العميقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، وهذا ما يجعل الظاهرة تبدو وكأنها مجردة ومطلقة، وتقع خارج حدود الزمان والمكان والمجتمع، وهذا ما يضعف قدرة التغطية على الإقناع، لأنه يفقدها طابعها الملموس. 
لذلك نقول بأن الإعلام العراقي الوطني النزيه عليه الدور التنويري البارز في هذه الحقبة التاريخية الحاسمة التي تهدد وجوده ومستقبله من خلال :
1- اتخاذ الحيطة والحذر في ما يتعلق بنشر المعلومات التي تتناول احداث العنف والارهاب ، والامتناع عن عرض او وصف جرائم العنف والارهاب بكافة اشكالها وصورها بطريقة تغري بارتكابها او تنطوي على اضفاء البطولة على مرتكبيها او تبرير دوافعهم او منح مرتكبيها والمحفزين عليها او المبررين لها فرصة استخدام البرامج والمواد الاعلامية منبرا لهم .
2- توسيع مساحة التغطية الاعلامية التي تشجع المشاركة الشعبية والاسهامات الطوعية من الافراد ومنظمات المجتمع المدني في التصدي لظاهرة الارهاب والتطرف والعنف وتوعية الناس باخطارها.
3- التركيز في كل الكتابات والمواد البرامجية التلفازية والاذاعية على القيم والمباديء التي تؤمن بحرية الانسان العراقي وقدراته على تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها العراق في ظل الحكومات التي خربت كل ما هو موجود في البلاد. وابراز اهمية التصدي وبقوة لكل مظاهر النزاعات العصبوية والطائفية والاستبدادية التي اصبحت احد مظاهر فترة مابعد الاحتلال.
4- ابراز اهمية احترام حرية الفرد العراقي واحترام معتقداته وقيمه الشخصية والجماعية وابداعاته.والقيام بمهمة مساعدته على قدرة التحليل والاستنباط لكل المجريات السياسية وخاصة تنمية قدراته على الاختيار الصحيح والصائب في الانتخابات المقبلة. اضافة الى تصعيد نضاله ضد كل انواع الاضطهاد القسري والتغييب والالغاء والعنف والأرهاب بأنواعه .
5- مساعدة وسائل الإعلام العراقية في بناء قاعدة فكرية لدى المواطن العراقي تتطور من خلالها لديه مفاهيم المسؤولية التضامنية والشعور بالمسؤولية الجماعية لمواجهة مستلزمات التصدي للواقع المرير ،وتنمية ثقافته الديمقراطية وروح التسامح ،والأهم من كل ذلك التركيز على مفاهيم المواطنة وابعادها القيمية والاخلاقية والمبدئية في الانتماء للوطن والمشاركة في بنائه والدفاع عنه.
6- التركيز على مفاهيم السيادة الوطنية ورفض كل اشكال الاحتلال والتبعبة وتجسيد المصالح العليا للعراق والدفاع عن قضاياه الاساسية.وابراز جميع الاخفاقات التي تسببت فيها العملية السياسية الراهنة وديمومة التذكير بها وخاصة مسائل من امثال الطائفية والعنصرية والمحاصصة والتعصب الشوفيني والتخلف والفساد الاداري والمالي والاخفاق الامني وسرقة المال العام والتدهور في البنى التحتية ،وخاصة في قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة .
والأهم من ذلك ان يكون الإعلام العراقي هوصوت العراق الحقيقي، وصوت الشعب العراقي بأقلياته القومية والمذهبية والدينيّة،وصوت المواطنة والعدالة الأجتماعية.
* ملخص بحث مقدم الى الى الملتقى الدولي الثاني للرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال المجتمع الالكتروني ورهانات التنمية في الوطن العربي – بيروت 27-28 تشرين الثاني/ نوفمبر2015
** استاذ الإعلام في جامعة عجمان فرع الفجير 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *