البطولة بين منيف ودرّاج


*يوسف ضمرة

نشرت مجلة «نزوى» عدداً من الرسائل المتبادلة بين الناقد الكبير، فيصل دراج، والروائي الظاهرة، عبدالرحمن منيف، والرسائل تتناول موضوعات وجزئيات تصعب الإحاطة بها في مقال عابر.

لكن ما لفت الانتباه، واعتبرته جديراً بالمتابعة، وربما جديراً بالملاحقة، إن صح التعبير، هو مفهوم البطل والبطولة في المجتمع.
وما جاء على لسان الدكتور دراج، هو أن البطولة وسيط بشري بين العاجز وحلمه.
وطالما كان البطل وسيطاً بشرياً بين الإنسان وحلمه، فهو لا يمارس البطولة إلا حين يعجز الآخرون عن ممارستها كما يقول دراج، أي إن البطل المفرد لا وجود له، لأنه نتيجة حلم جمعي عاجز عن التحقق.
وهنا يقول الروائي منيف: لنتفق على أن البطل المفرد لا وجود له، وأن الآخرين الضعفاء هم الذين صنعوه. ويلجأ منيف إلى كلمات وتعبيرات أخرى مثل الشجاعة والجسارة بدلاً من البطولة، لكنه يضيف إضافة مهمة، تتعلق بالزمن الجائر. إنه يدرك أن الناس يحلمون، لكن الزمن الجائر يجعلهم فاقدي القدرة على تحقيق أحلامهم، فيظهر الجسور، والشجاع، الذي يعبر عنهم وعن أحلامهم، وبتعبيره هذا يرقى إلى مستوى أعلى بكثير من مستوى الآخرين من حوله، فما يكون منهم إلا إعلاء قيمته وشأنه، واعتباره شخصاً استثنائياً، على الرغم من أنه قام بما يفكر الآخرون في القيام به، وعجزوا لأسباب مختلفة، أهمها الخوف.
يكتسب البطل هذه الهالة التي تحيط به لأنه لا يظهر إلا في المهزومين ولهم. فالمجتمعات المنسجمة والعادلة ليست بحاجة إلى بطولات، لأن الناس كلهم يعيشون في حال من المساواة والطمأنينة والرضا، أما المجتمعات المهزومة فهي التي تعجز عن تحقيق هذا النوع من المعيشة الإنسانية الكريمة. إنها مجتمعات فاقدة لكل ما هو حق طبيعي للإنسان. وكل ما يفعله البطل أنه ينجح في تحقيق شيء من هذه الحقوق فيتحول بطلاً، علماً أن أي شخص في المجموع كان في استطاعته تحقيق ما حققه البطل. أي إننا في النهاية نجد أنفسنا متفقين مع ما قاله الكاتبان الكبيران عبدالرحمن منيف وفيصل دراج، ونعني به الشجاعة والجسارة، بدلاً من البطولة.
فالبطل لم يصبح بطلاً إلا لأنه تمكن من خرق السائد والخروج على القطيع. إن شخصية مثل عنترة لم يكن له أن يكتسب صفة البطولة لو لم يكن شجاعاً فقط. أما حب عبلة فلم يقدم ولم يؤخر، حيث هو في نهاية المطاف يريد التمرد على واقع العبودية الذي حبسته فيه القبيلة، ولم يكن حبه عبلة قادراً على ذلك، لكن فروسيته وشجاعته في الغزوات والمعارك، هما اللذان جعلا منه «بطلاً» استحق بسببهما حب عبلة وموافقة القبيلة على هذا الحب.
البطولة بهذا المعنى تصبح مجرد تعبير عن أحلام المهزومين، وتجسيداً لرغبات الآخرين. إنها، كما يقول درّاج، أثر الآخرين الذي لا يُرى.
__________
*الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *