*جمانة حداد
تعرّضت صديقة مصرية عزيزة، ناشطة في حركة “مصريات سافرات”، لهجوم شرس على صفحتها الفايسبوكية لأنها “تجرأت” على نشر الستاتوس الآتي: “أزداد اقتناعاً يوماً بعد يوم بأننا نحن العرب متخلفون. أينما نظرتُ من حولي في شوارع القاهرة، لا أرى سوى اللحى والبراقع. متى نكفّ عن العيش في العصر الحجري؟”.
اللواتي والذين من طينة هبة، وعلى مواقفها، يجدون أنفسهم غالباً في موقع “حسّاس”: فهم من جهة متهَمون بالخيانة في العالم العربي، وباعتماد خطاب يغازل الغرب، لأنهم ينتقدون عيوب مجتمعاتنا وثقافاتنا. ومن جهة أخرى، كثيراً ما يتم استغلالهم في الغرب من جانب اليمينيين المتطرفين والمعادين للإسلام والعرب، بغية تبرير لغة هؤلاء وسلوكاتهم العنصرية. إنهم يمثلون الحجة المثلى بامتياز، لأنها حجة طالعة من “الداخل”.
لكن هذا الموقع الصعب بين المطرقة والسندان، لا ينبغي له أن يردع أشخاصاً شجعاناً كهبة. يجب ألاّ تستسلم هذه الأصوات الفضّاحة فتسكت وتزعم أن كل شيء بخير في عالمنا العربي العظيم، بغية مراعاة أولئك الذين يضحكون على أنفسهم ويعيشون في الإنكار في البلدان العربية: تلك هي الخيانة في ذاتها. أيضاً، ينبغي ألاّ يسمح هؤلاء الفرسان لعنصريي الغرب وصهاينته بأن “يخطفوا” منهم أصواتهم النبيلة ويحوّروها ويستخدموها أداةً لشرعنة كراهيتهم العمياء حيال العرب والمسلمين. في اختصار، المطلوب من هبة ورفاقها ورفيقاتها: الوقوف في وجه الوحشَين على السواء، وإثبات افتقارهما الى الصدقية.
يجعل ذلك من محاربين مماثلين بهلوانات يرقصون على حبل مشدود بين جحيمين: جحيم التساهل مع الذات من ناحية، وجحيم التوظيف الماكيافيلي البذيء لغضبهم الصادق والمشروع من ناحية ثانية. أما الوقوع فليس احتمالاً متاحاً لأنه ما من شبكة حماية تحتهم. عليهم إذاً المضي قدماً على الحبل، متسلحين بتوازن العدل: العدل القائم في الاعتراف قوياً وعالياً بأن العالم العربي يشكو من علل لا تحصى اليوم، وبأن أدنى درجات النزاهة الفكرية والشعور بالمسؤولية تقضي بفضحها. على أن يتلازم هذا الاعتراف مع اعتراف آخر، مفاده أن الأمور ليست أفضل حالا بالضرورة في الغرب. للعالمَين فضائل كثيرة وعيوب لا عدّ لها. لذلك ينبغي للجهد النقدي ألاّ يكون من طرف واحد وفي اتجاه واحد، أكان هذا الجهد ممارَساً من جانب العرب أم الغربيين.
السبيل الوحيد لكي نصل أخيراً الى عالم يتمتع فيه الجميع بالكرامة، هو يقيننا بأننا نحتاج جميعاً، وبلا استثناء، أن نصير بشراً أكثر استحقاقاً لإنسانيتنا.
_______
* شاعرة من لبنان (النهار)