«عايدة».. الأوبرا كحدث تاريخي



فريد نعمة
أول أوبرا في العالم العربي، وأول أوبرا تدخل التاريخ كحدثٍ وليس كأدب وفن! إنها أوبرا قناة السويس! وكل إنسان يقرأ عنها في دروس التاريخ عن مصر. وما يذهل أنها تعلو فوق المديح ولا تحتاج الى كتب التاريخ! وثمة إجماع على أنها رائعة روائع الأوبرا. مشاهد ساحرة ولوحات راقصة ومناظر خلابة! ألحانها هادئة وطنانة، مقطع رقيق على الكمان، تسترخي له الآذان وتترقب همسات عايدة العاشقة..

ومقطع يبهت تدريجيا ثم يدوي صاخبا وموحيا بحكم الكهنة على حبيبها القائد راداميس بالموت. عظمة وأبهة!

وخير دليل على ذلك، أن لحن «مسيرة النصر» يُعزف لتحية فرق كرة القدم حين تدخل الى الملاعب في معظم دول العالم. وأغانيها، ولا سيما «عايدة الشمس الساطعة» و«لنطر معاً» و«السلام والسكون»، لا تزال تدندن بها الجماهير وتترنم بها الشفاه.

عد منتصراً

لم يتوقع المصريون أن تنهض إيثوبيا بسرعة بعد غزوها وتدمير جيشها. كانت مفاجأة أن يقود ملكها امونارسو جيشا قويا يعبر الحدود ويهدد مدينة طيبة المقدسة. الكهنة ورئيسهم رامفيس في معبد ممفيس، يقدمون الأضاحي للربة إيزيس لتدلهم على المقاتل القادر على قيادة الجيش الى النصر، والمصريون يحتشدون أمام المعبد وينتظرون.

أثناء ذلك يرجو المقاتل الشاب راداميس أن تختاره إيزيس، ويتصور نفسه قائدا يعود منتصرا ثم يطلب من الملك الموافقة على زواجه من الأسيرة الإيثوبية عايدة التي تخدم ابنته الأميرة أمنيريس.

يعيش حلمه بعين الخيال ويغني «عايدة الشمس الساطعة». لا يعرف راداميس أن الأميرة أمنيرس تعشقه، فقد أعمى حب عايدة عينيه. ولا يعرف الاثنان أن عايدة هي أميرة ابنة ملك إيثوبيا، ولأجل تحريرها حشد والدها ذلك الجيش الضخم.

يخرج الملك ويخبر الجماهير أن الكهنة عرفوا من شفاه إيزيس اسم القائد الذي سيقود الجيش الى النصر. إنه راداميس! تعلو صيحات الابتهاج الانفعالية ويهتف المصريون:

«عد منتصرا». تشعر أمنيريس بالخيبة حين يهملها راداميس وتنتبه الى نظرات الشوق الملتهبة بينه وبين عايدة. تشعر بالغيرة وتراقب عايدة وهي تشارك في الاحتفالات وتصرخ: «عد منتصرا». لكنها لا تشعر بحزنها وغمها أن حبيبها سيحارب قومها ويقاتل والدها. اذا صلت وطلبت النصر له خانت وطنها! واذا طلبت النصر لوالدها خانت حبيبها. تغني «الرحمة أيتها السماء الطيبة».

مسيرة النصر

تصل أخبار انتصار راداميس وعودته مع الأسرى والغنائم الى طيبة. فتحتشد الجماهير لاستقباله في مدخل المدينة قرب معبد أمون ووراء بوابة النصر. يجلس الملك على عرشه تحت مظلة أرجوانية وتجلس على يساره أمنيرس، التي تنهشها الغيرة بعد تأكدها أن عايدة وراداميس عاشقان. تملأ أصوات الأبواق السماء حين يظهر موكب الجيش المنتصر..

وتندلع الهتافات مع التصفيق والتهليل عندما تعبر عربة راداميس بوابة النصر وتقف أمام عرش الملك. ينزل الملك ليستقبله معانقا ويقول له: أحييك ىا منقذ البلد. ستضع ابنتي تاج الغار فوق رأسك. اطلب ما تريد لأحققه لك هذا اليوم. يرى راداميس أن الوقت غير مناسب ليطلب تحرير عايدة والزواج منها. فيأمر بإحضار الأسرى لينظر الملك في أمرهم.

وحين يقفون أمام الملك، تصيح عايدة: أبي! يتكلم والدها، منتحلا شخصية أحد القادة، باسم الأسرى عن المعركة وعن موت الملك ثم يطلب الرحمة لهم. تتعاطف الجماهير معه، ويعترض الكهنة، عندئذ يتدخل راداميس ويطلب العفو عنهم. يوافق الملك ثم ينادي ابنته أمنيريس ويقول له:

تدين لك البلد بالكثير وأنت لم تطلب شيئا! مكافأتك هي ابنتي أمنيريس. تصرخ الجماهير مؤيدة ومشجعة، وتفقد عايدة الأمل لأن رفض يد ابنة الملك يعني الخيانة الكبرى. تسيل الدموع من عينيها ويطرق راداميس مكتئبا.

ليلة جميلة تحت ضوء القمر على ضفاف النيل. تنزل أمنيرس مع رتل من الجواري من قارب عند معبد إيزيس، وتدخل المعبد لتصلي وتطلب مباركة زواجها المرتقب. تحت أشجار النخيل خارج المعبد تنتظر عايدة راداميس الذي طلب أن تقابله هناك. ماذا يريد منها؟ هل يريد أن يودعها الوداع الأخير؟

اذن ليكن النيل قبرها! تسمع خطوات وترى والدها. يخبرها أن الإيثوبيين يستعدون للقتال، وأن راداميس سيقود الجيش المصري لسحقهم. يطلب منها أن تعرف منه اسم الممر الذي سيعبره الجيش المصري لينصبوا له كمينا. ترفض! يتوسل اليها في غناء ثنائي أن تفعل حتى يستعيد والدها العرش.. حتى تنجو من العبودية وترى وطنها ثانية..

حتى تمنع حبيبها من أن يصبح زوج أمنيريس.. حتى تهرب معه الى إيثوبيا وتعيش معه ملكة وملك. تتأثر عايدة، لكنها ترفض. يسمعان صوت خطوات راداميس، فينسحب اموناسرو ويختبئ. يشدو راداميس بحبه الكبير لها، ويخبرها أنه سيؤجل الزواج حتى يعود من الحرب ثم يطالبها بمكافأة من الملك بعد أن يقود الجيش المصري الى نصر جديد.

لا تستحسن عايدة خطته لأن أمنيريس ستنتقم منهما شر انتقام. وترى الأفضل أن يهربا الى بلدها حيث يسرحان في الغابات وينامان على سرير من الورود وينسيان العالم وحروبه. يوافق ويغنيان «لنطر معا». تسأله عايدة: أي طريق سنأخذ لنتجنب جموع المصريين؟ يجيبها: الطريق السري الذي سيأخذه الجيش وهو خالٍ حتى غد. تسأله: وذلك الطريق؟

يجيب: ناباتا. يسمع صوتا يكرر: ناباتا. يكشف أمونارسو عن نفسه ويخبره أنه ملك إيثوبيا ووالد عايدة. في تلك اللحظة يلعلع صوت أمنيريس: خائن! كانت تقف مع رئيس الكهنة في مدخل المعبد. يستل أمونارسو خنجره ويهجم عليها، فيقف راداميس بينه وبينها، ويطلب منه أن يهرب مع ابنته، ثم يسلم نفسه لرئيس الكهنة. يحكم الكهنة على راداميس الذي يلتزم الصمت..

ولا يدافع عن نفسه بالدفن حيا. وهي عقوبة من يرتكب الخيانة العظمى. في المشهد الأخير، المشهد الثاني من الفصل الرابع، تصبح المنصة طابقين. في الطابق العلوي المتألق بالأنوار والذهب، نرى الكهنة وأمنيرس التي تركع وتصلي طالبة الرحمة للرجل الذي سببت موته. في الطابق السفلي، نرى راداميس في الظلام الدامس. فجأة يسمع تنهدات وصوتا مألوفا! إنها عايدة!

كانت عايدة تعرف أن لا أمل له في النجاة. صعب عليها أن تتركه وحده في الساعات الأخيرة. رأت أن تواسيه وتؤانسه وتفرح قلبه وتموت معه، فتسللت الى القبو أثناء محاكمته. يتحد الاثنان وينامان على سرير من الورود في الظلام بعيدا عن العالم وحروبه.

عايدة والتاريخ

أصل الأوبرا مخطوطة تاريخية اكتشفها عالم الآثار المصرية الفرنسي أوغست مارييت. واعتمد على السيناريو الذي كتبه الشاعر الايطالي انطونيو غيسلانزوني في بناء النص الأوبرالي لهذه الأوبرا، لكن كاتبة سيرة حياة فيردي ماري جان فيليب ماتز، تؤكد أنه اعتمد على سيناريو تمبستوكل سوليرا.

موّلها الخديوي اسماعيل باشا لأجل الافتتاح الدولي لقناة السويس الذي دعا اليه الملوك والرؤساء ورجال السياسة والفن والأدب. ودفع 150 ألف فرنك للموسيقي الايطالي الشهير جوزيب فيردي ليؤلف ألحانها، ودفع 250 ألف فرنك لصنع الديكور والملابس واللوحات الخاصة بالمشاهد في باريس. كما أمر ببناء «دار الأوبرا الخديوية» لعرضها في ستة شهور عام 1869. ورغم كل هذه الجهود، لم تعرض الأوبرا في الوقت المحدد بسبب حصار باريس أثناء الحرب الفرانكونية البروسية سنة 1970. وعُرضت اوبرا فيردي «ريغوليتو» بدلا منها.

في الإمارات

2007

استضاف قصر الإمارات بالتعاون مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة (هيئة السياحة آنذاك)، «أوبرا عايدة»، يوم 29 مارس. إذ شارك في العرض 300 مؤد، وتخللته مجموعة مؤثرات نارية وصوتية ذات تقنيات عالية. وهو من إنتاج فرانز آبراهام، والموسيقى لـجوسيب فيردي أحد أهم المؤلفين الموسيقيين في تاريخ الأوبرا الإيطالية. أما الإخراج فهو لجوزيف روكليتز.

في المسرح

1998

تحولت الى مسرحية غنائية في عمل انجز خلال هذا العام. ووضع ألحانها المغني والموسيقي العالمي التون جون. وكتب أغانيها تيم رايس. وحققت نجاحا عالميا كبيرا ولم يتوقف عرضها حتى الآن.

في السينما

2012

انجز فيلم عن العمل للكاتب انتوني جيسلازوني. ومن تمثيل: كلير روتر وجوزف جوزف وولفيرتون.

1987

فيلم عايدة السويدي، من إخراج كلايس فيلبوم وتمثيل مارغريتا ريديرستدي وروبرت غروندين.

1953

اقتبستها السينما في عدة أفلام أشهرها: فيلم «عايدة» الايطالي، من إخراج كليمنتي فراكاسي وتمثيل صوفيا لورين ولويس ماكسوي.

جولات

2015

جالت على عواصم العالم، ولم تنته تلك الجولة حتى هذه اللحظة! آخر عرض لها في المسرح الكبير في القاهرة في 6 أغسطس 2015. وفي «دار سيدني للأوبرا» في موسم 2015 في استراليا. وأقرب هذه العروض لمن يحب أن يشاهدها في دار ميتروبوليتان للأوبرا في نيويورك في نوفمبر الجاري.

في التلفزيون

2000

أنجز في مصر، عدد من المسلسلات عن العمل، بينها: مسلسل «أوبرا عايدة»، من بطولة يحيى الفخراني.

1949

عرضتها شبكة أن.بي. سي التلفزيونية كاملة، وقاد الفرقة الموسيقية توسكاني.
________
*البيان

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *