ندى الحايك: ممارستي للأدب لا تعني أنني متمردة على المجتمع



عبدالله مكسور

لا تتوقّف الروائية ندى الحائك كثيرا عند أصوات الرواية التي تكتبها، إنها تعتمد على التجريب في الأصوات وصولا إلى قالب يناسب العمل، فهي تضع النوتة فقط وتترك حرية التعبير للشخصيات التي تسبح في عالمها الخاص، حتى لو ظهر العمل بأصوات متعددة، فأصل الكتابة عندها هو التجريب بحيث يقوم البناء الروائي على التوازن، أي الموازنة بين الحدث والزمان والمكان معا.

ندى الحائك كاتبة سعودية ولدت وتعيش في مدينة نجران السعودية، وفيها درست مراحلها حتى تخرّجت من تخصّص الكيمياء في كلية التربية للمعلمات، صدرت لها رواية “مهاجر في غربة العشق” ومجموعة قصصية بعنوان “يحكى أنّ” عن دار فضاءات في الأردن، كما صدرت لها مجموعة ” شذرات نديّة” عن نادي نجران الأدبي بالتعاون مع مؤسسة أروقة للترجمة والنشر.
روح الكتابة
يبدأ الامتياز عند ندى من اختيار عناوين لأعمالها، وهنا أسألها عن إشكالية اختيار العنوان بوصفه مفتاحا للعمل، فتقول إنّ العنوان دوما له هالة مقدسة لديها، سواء كان في أعمالها أم في تلك التي تطالعها، فالعنوان يقوم مقام عامل الجذب ليمسّ المحتوى في داخل العمل، يرتبط معه ارتباطا وثيقا ليصل بصورة تشعر القارئ أنّ العنوان بذاته خلق في اللغة من أجل النص الذي يتصدّره فقط.من هنا تسعى الكاتبة دوما
إلى البساطة دون السقوط في السذاجة وإلى الصدق دون تكلّف، وتكشف لنا أنّ العمل يبدأ عندها بلا عنوان في مسودّته الأولى قبل أن يأخذ شكلا نهائيا، هذه الحالة كرّرتها في “مهاجر في غربة العشق” و”يحكى أنّ”.
الزمان والمكان عند الحايك يرتقيان أحيانا إلى مستوى الحدث ليكوّنا موقفا ضمن لعبة الشخوص، بينما نراهما مهملين في مواقع أخرى من أعمالها لتتفوّق عليهما الحبكة المنفصلة عنهما تماما، ولهذا تؤكّد ضيفتنا على أنّ المكان والزمان حالتان ثانويتان لا تهتم بهما ما لم يكن لهما فائدة تاريخية، فهي تعتمد على زمن معين مرتبط بأحداث قامت في حقبة ماضية من الحياة، وهنا تتحدّث عن روايتها “مهاجر في غربة العشق”، فغياب المكان كما ترى ندى منح الرواية بعدا جديدا يمكن سحبه على أماكن أخرى ليجعل تأثيره في المتلقي أكبر من خلال حالة البطلين التي من الممكن أن تحدث في أي بقعة من الأرض.
في أعمال ندى الحائك تظهر ملاحظات الكاتبة عبر الشخوص في فلك العمل الروائي على العقد الاجتماعي القائم في المملكة العربية السعودية، أسألها هنا عن مدى تقبّل المجتمع لأدبها، فتقول إنّ رهبة الكاتب من الصدام مع المجتمع موجودة في كل دولة وليس فقط في السعودية، لكن في اعتقادها أن من اختار الكتابة طريقا له لن يقف في طريقه صدام أو استهجان من المجتمع، مادامت رغبته تطغى على أيّ شيء آخر، فهي تؤمن بأنّ الكاتب يجب أن يكون شجاعا، لا يهاب أيّ عقبة في طريق قلمه، الكتابة قضية، هكذا تصفها ضيفتنا، ومادام الكاتب قد اختار هذه القضية فعليه أن يقاتل في سبيلها إلى النهاية.
وعن المحاذير الموجودة أمام كاتبة أنثى في المجتمع المحافظ، نقول إنّها قادمة من مدينة تتسم بالكثير من التحفظ في مجتمعها، وخطوتها في النشر مع دار خارج فضاء المملكة كانت الأولى من نوعها في محيطها وهذا ما أثار الكثير من الدهشة لدى بعض مثقفات المدينة باعتبارها خطوة شجاعة، إن لم يكن يفكر بعض المتحفظين أنها بداية تحرر، تؤكّد ضيفتنا هنا أنّها لا تتمرّد على المجتمع عندما تمارس حقها في الكتابة، الكتابة عندها هي التي تسقط المحاذير من خلال تمهيد الطريق نحو الإبداع من خلال تحقيق روح الكتابة، التي تقوم على الصدق والابتعاد عن التكلف في أساليب السرد.
الكاتب وشخوصه
حديثها عن روح الكتابة قادني إلى سؤالها عن تقاطع الكاتبة مع شخصياتها الروائية والقصصية، لتقول إنّها لا تصدّق أولئك الذين يدّعون أن شخصيات رواياتهم بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فلا يمكن عند ضيفتنا أن ينسلخ الكاتب عن شخصيّته وهو يكتب، إذ روح الكاتب تتسلل في ظلّ الشخصيات الأخرى لتترك أثرها، ومن هنا ترى ندى أنّ جمال النصوص يكمن في تشابهها مع القارئ.
ضيفتنا لها نشاطات ضمن النادي الأدبي في نجران السعودية، أسألها هنا عن نشاطات النوادي في المملكة وإن كانت تشكّل حالة في المجتمع، تصف ندى تجربتها مع النادي بالرائعة، حيث أتاحت لها التعرّف على مثقّفات تبادلت معهنّ الآراء والملاحظات، لتؤكّد أنّ هذه التجارب الثقافية تعزز الموهبة وتدعم الشاب الموهوب في بداية طريقه الإبداعي وتعطيه الشجاعة التي تلزمه ليبدأ مشروعه الثقافي، آملة من الجهات المسؤولة القيام بمشروع إبداعي حقيقي للنهوض بالمشهد الثقافي في المنطقة أكثر.
عن الصوت النسائي الأدبي في المملكة تقول ضيفتنا إنّ القلم النسائي السعودي لا بدّ أن يعبر عن نفسه بطريقة تفرض وجوده مع أي صوت أدبي سواء كان رجاليا في الساحة السعودية أو أي صوت آخر في أي ساحة ثقافية.
بدأت ندى الحائك مشوارها نحو الأدب بدراسة الكيمياء، هنا أسألها عن تقاطع العالمين المنفصلين حيث يقوم أحدهما على المحاكمات العقلية البحتة بينما يعتمد الآخر على الخيال والواقع معا، لتقول إنّ الأدب سكنها منذ البداية بفعل علاقتها الخاصة مع والدها الذي كان أول أستاذ جامعي في مدينة نجران، والدها الذي فقدته منذ فترة قصيرة، وذلك ما انعكس على نظرتها إلى الحياة، حيث صارت معلّقة بين عالمين، أحدهما تسكنه والآخر يسكنه والدها، والدها الأستاذ يحيى الحائك الذي غرس فيها حبّ المحكيات الشعبية والمرويات الأدبية، أما دراستها الأكاديمية فقد فرضتها تكاليف الحياة والأدب كان منفذا للأمل ولاستحضار الوالد الغائب ضمن البناء السردي، إذن الكيمياء عندها كما تصفها كانت بوابة الدخول إلى عالم الأدب.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *