محمد امين ابوالعواتك*
خاص ( ثقافات )
كنت قد تابعت سابقا الشيخ عبد الحي يوسف في موقف حسبته كبوة جواد عندما تخلي عن وقار العلماء وشن هجوما في فيديو مصور استغربه الكثير من الناس علي مولانا النيل ابوقرون على خلفية قضايا اجتهاد فكري تناولها واختلف عليها الكثير من الباحثين والمفكرين في التاريخ الاسلامي، لاسيما وأن عبد الحي تحدث بما في السرائر ونفوس الاخرين، وهي التي لا يطلع عليها أحد غير الله سبحانه وتعالى كما انه فسر معنى كلمة الزندقة خطأ وكان بالإمكان ان يرد على القضايا الفكرية المطروحة من مولانا أبوقرون بطريقة العلماء لا بتلك الطريقة التي حسبت عليه،. الشيخ النيل ابوقرون رد عليه في لقاء منشور بصحيفة السوداني بقوله إن الشيخ عبد الحي إما أن يكون جاهلا أو كاذبا، موضحا بان من يتحدثون تعقيبا على كتبه من داخل السودان لا يردون في الموضوع بل يشتمون.!!
يبدو أن جميع تيارات الاسلام السياسي والتي لا تختلف عن بعضها في مرجعياتها الفكرية سواء كانت إسلامية إخوانية أو سلفية وهابية ، لديها مشكلة مع الفكر الذي يدور خارج فلكها وليس لديها وسع التعاطي مع الاختلاف الفكري مع التيارات الأخرى صوفية او ليبرالية كانت او غيرها، ويلاحظ بوضوح عدم الصبر على الاجتهادات حتى وإن كان فيها نظر مع الصمت التام على افكار غريبة داخل أسوارها مما يدلل على ازدواجية المعايير او حضور اسباب اخرى كالغيرة لعوامل تاريخية كتقديم الصوفية للشريعة في قوانين القضاء السوداني لأول مرة عبر تجربة الرئيس النميري والتي اجتهد في صياغة قوانينها القاضي وقتها مولانا النيل ابوقرون مع آخرين.
ما يثير الدهشة حقا ما تابعته مؤخراً في جزء من حلقة تلفزيونية مع الشيخ عبد الحي يوسف مع محطة عربية تحدث فيها أنه يأتي من منطقة في شمالي السودان وهي منطقة دنقلا وأنه في زمن النبي موسي عليه السلام لما طلب فرعون السحرة كانوا من هذه المنطقة، ومصدر الدهشة أن حديثه فيه تأكيد للبحث الاخير الذي أصدره مولانا النيل ابوقرون في كتابه القيّم (نبي من بلاد السودان) الذي اشتهر مؤخراً ونفذت طبعته الأولى من المكتبات وهاجمه فيه بعض من الدعاة منهم رئيس هيئة علماء السودان بروفسور محمد عثمان صالح ، الذي أحضر وقتها الى تلفزيون ولاية الخرطوم على عجل لكي يرد على الاطلالة الاولى لمولانا النيل ابوقرون في جهاز قومي في حلقة تلفزيونية كاملة الدسم أعدها وقدمها المذيع المحترف طارق المادح واعتبرت من أميز حلقات برنامجه الذي توقف بعد ذلك في القناة، وقال صالح في تعقيب على الحديث الذي حشد له مولانا النيل ابوقرون في مبحثه عددا مقدرا من البراهين القرانيه وعلم الاثار (بانّه خيال محض) علما بأن بروفيسور عبد الله الطيب قطع بأن زوجة سيدنا موسى سودانية ورجح أن تكون من البجا وذلك في محاضرة له في قاعة الصداقة في التسعينات قدمها بروفسير ابراهيم احمد عمر وكذلك الاستاذ احمد سليمان المحامي والذي كان مهتما بهذه القضية في عموده الصحفي ( علي مسئوليتي) أكد ان سيدنا موسي سوداني أواستظل بسماء السودان ، وفي العادة تحتفي الدولة بمثل هذه البحوث فعندما قدم بروفيسور حسن الفاتح بحثه ( السودان دار الهجرتين للصحابة ) استنادا على مبحث سبقه للعلامة عبد الله الطيب بعنوان (الهجرة الى الحبشة وماسبقها من نبأ) ،قدمه الوزير د. الطيب ابراهيم محمد خير في لقاء إعلامي على الرغم من انه كان يخالف السائد بان الهجرة كانت للحبشة الحالية !!
واضح بأن هناك مشكلة نفسية غير مصرح بها مظهرها غيرة وأسبابا شخصية او ما عرف مؤخراً في السياسة بازدواجية المعايير، ففي الوقت الذي يسمح فيه الشيخ عبد الحي يوسف لنفسه أن يجتهد ويقرر أن سحرة فرعون من دنقلا ممنوع على مولانا النيل ابوقرون أن يفتح فمه وإلا فهو زنديق او كما قال رئيس هيئة علماء السودان إن هذا خيال محض، فهل يتفضل علينا السيد رئيس هيئة علماء السودان المحترم ان يوضح لنا اي نوع من الخيال هو كلام الشيخ عبد الحي يوسف في ان سحرة فرعون من دنقلا ؟ مع العلم بأن الخلاصة التي ذكرها الشيخ عبد الحي قد خلص اليها مولانا النيل ابوقرون مع خلاصات اخرى قيمة في كتابه نبي من بلاد السودان ويتم تأكيدها كل يوم بصورة متنامية من علماء آثار لهم وزن كعالم الاثار البريطاني فيفيان ديفيدز المتخصص في علم المصريات .
إن هذا الموضوع مثال يوضح ويلقي الضوء على موضوع سكب فيه كثير من المداد وتم فيه تداول قدر كبير من المعلومات المضلله لأغراض ليس للحقيقة والعلم والمعرفة علاقة بها وتخدم أجندة شخصية مخطط لها، لا تشبه اخلاق العلم والعلماء او الدين الذي اضحى لجماعة من الناس مهنة ودوام عمل يتقاضون من أجله مرتبات دراهم معدودة ويحكمون على أنفسهم بالعلم وغيرهم بالجهل وغيرها من أساليب الوشاية الرسمية لضمان الاقصاء التام للبعض حتى يسترخوا وحيدين امام كاميرات التلفزة يناقضون أنفسهم .