على حدود المسرح والفنون البصرية: فن الأداء، كممارسة منفلتة




ترجمة: أمل بنويس

خاص ( ثقافات )

Francine Chaîné


فرنسين شيني 

إن إعداد مسار تاريخي حول فن الأداء لهو فرصة لإحياء التيارات الفنية الأكثر شهرة في العالم، والوقوف على أهم التكتلات الفنية التي جمعت المبدعين، مناسبة لذكر العوامل التي ساهمت في حصولهم على مكانة فنية متميزة خصوصا تلك القطيعة التي أحدثوها مع التقاليد. 
منذ ظهور أول بيان لحركة المستقبليين الإيطاليين سنة 1909، ومرورا بحركات أخرى كالدادائية والسريالية، والفنانون في سعي حثيث نحو توسيع حدود الفن. هذا الأمر مكنهم من تجاوز العزلة التي كانوا يتواجدون فيها ومن حيازة علاقات مع فنانين من مختلف الأقطار والتخصصات. هذه الحركات ساهمت في تفجير الممارسات الفنية وبروز أشكال جديدة، من خلال عملها على تغيير المواقف لدى المبدعين ولدى الجمهور: انفتاح، وفضول، ومخاطرة، وشغف تجاه كل الأعمال التي تتأسس على الأداء.

المستقبليونFuturistes :


أصدرت حركة المستقبليين أول بيان لها سنة 1909 بقيادة فيليب توماس مارينتي Filippo Tommasso Marrinetti، وكان الهدف منه -على وجه الخصوص- التحفيز على المغامرة وعشقها، هكذا أصبح للمشاهدين دور جديد -في المسرح كما في الرسم – إذِ الكل مدعو للانخراط في العمل بفاعلية غير معهودة، أما الفنانون فقد اكتسحوا الأحياء والفضاءات المختلفة، فعجت المسارح بالرسامين وامتلأت الأحياء بالممثلين.
مارينتي كان معجبا بالمسرح المتعدد لخلوه من أي توجيه محدد؛ إنه مسرح يرمي إلى خلق الإدهاش ولعب الممثلين فيه يتم بمشاركة الجمهور، هذا المسرح الساذج والبسيط يتقاطع مع ما هو عجيب وجليل في الفن، لذلك استلهمه هو وزملائه في خلق انطلاقة جديدة للممارسات الفنية والمسرحية في تلك الحقبة.
نفس الحركة ضمت عددا من الموسيقيين، أمثال روسولو Russoloالذي طور فن الضوضاء مستلهما مختلف الأصوات والمحركات وأنواع الضجيج.. في حين ابتكر دياغلر Diaghiler الإيماءات الهندسية في الرقص؛ أما في المسرح فقد انتشرت فكرة تعويض الممثلين بالدمى، وأضحى الارتجال وسيلة لخلق الالتقاء: هذا هو العنصر النظري الآخر الذي اعتمده مارتيني وطوره من أجل مقاربة العمل الفني بطريقة تركيبية تعيد اللعب إلى الواجهة، ومع منتصف العشرينات كان المستقبليون قد استطاعوا تطوير شكل من أشكال الأداء القائم بذاته.

المستقبليون الروس Futuristes russes :


خلال نفس الحقبة (تقريبا في سنة 1913)، تكتل الفنانون الروس كردة فعل ضد الفن القديم، مصدرين بيانا يقتضي ضرورة توظيف الجسد كوسيط للرسم، وقد كانوا يتجمعون في المقاهي حول ماياكوفسكي Maïakovski ومالوفيتش Malevitch بشكل خاص. 
إذا كان الإيطاليون قد أعادوا اكتشاف المسرح المتعدد، فقد وجه المستقبليون الروس اهتمامهم نحو فن السيرك والموسيقى الاستعراضية والمسرح المتعدد، مقاربتهم المستقبلية والبنائية مكنتهم من تشكيل جبهة ضد الاتجاه الأكاديمي ومقاطعة كل تقليد مفض إلى مسرح شعبي أو اجتماعي.. كان أحد أبرز شخصيات هذه الحركة : نيكولاي فوريغر Nikolaï Foregger الذي كان محاطا بجملة من الفنانين منهم: السينمائي “إيزنستاين”Eisenstein ؛ والكوريغراف “لابان” Laban ؛ والمخرج “فزيفولود مايرخولد” Vsevolod Meyerhold ، وفي الذكرى الأولى لثورة أكتوبر سنة 1918 اقتحم الفنانون الأزقة والساحات العمومية لبلغراد.. وبعد سنتين اجتمع أزيد من ثمان مئة فنان في عرض فني واحد حمل عنوان “اقتحام البلاط الشتوي “the storming winter palace” من أجل إحياء نفس الذكرى.

الدادائيون Dadaïstes : 


في زوريخ وقبل انطلاق أنشطة الدادائيين، كان نادي فولتير تحت إدارة كل من إيمي هينينكز Emmy Hennings وهيكو بال Hugo Ball، يستقبل كتاب ورجال مسرح من كل البقاع، يأتون للتعريف بإبداعاتهم ذات الاتجاهات المختلفة، كان من بينهم فرانك ويدكين Frank Wedekind رجل المسرح المستفز والغريب الأطوار، وتريستان تزارا Tristan Tzara ، وجون أرب Jean Arp صاحب الإعلانات، وكاندينسكي kandinsky الذي كان يقدم شعره ولوحاته التشكيلية… أغلق نادي فولتير أبوابه بعد نشاط دام خمسة أشهر فقط لتنطلق بعد ذلك حركة دادا سنة 1916. هذه الأخيرة عرضت في أولى أمسياتها: موسيقى، ورقص، وبيانات، وقصائد، ورسم، وأقنعة وبذلات.. هكذا انضافت تأثيرات الدادائيين إلى ما حققه المستقبلييون قبلهم كصخب الموسيقى وتوسيع دائرة الفنون، فملأ الفنانون المدينة وهم يلبسون بذلات وقبعات باذخة تشذ انتباه من يراها من المارة. حركة دادا استمرت أربع سنوات وكانت آخر أمسية عرض لها سنة 1919، عاد تريستان تزارا إلى فرنسا ليلتقي هناك بريطون Breton وإلوارد Eluard وكوكطو Cocteau ومعهم وضع اللبنات الأولى للحركة السوريالية.

السريالية Surrialisme


في باريس، تم تنظيم أول أمسية دادا في يناير 1920 وذلك بعد لقاء تريستان تزارا بالفنان التشكيلي بيكابيا Picabia ، مما أثار استفزازا لدى الجمهور كما حصل في زوريخ. الموسقي إيريك ساتي Erik Satie ابتكر في نفس الوقت موسيقى الأثاث التي تضمنت عناصر من دادا، في حين أثار بالي الاستعراض الذي جمع الفنانين الأربعة: بيكاسو، وساتي وكوكتو وماسين ضجة كبيرة. كان أبولنير Apollinaire هو أول من استعمل مصطلح السوريالية في مقال له من أجل تعيين الفنانين الذين ثاروا ضد الواقعية في المسرح. وقد ضمت جماعة دادا-السريالية تحت اسمها كل من اندري بريطون André Breton، وسوبو Soupeault وأراكونAragon ، وبول إلوارد Paul Eluard ، وترستان تزارا Tristan Tzara، وأيضا مارسيل دوشون Marcel Duchamp ، ومان رايMan Rey ، وأنطونان أرطو Antonin Artaud. هؤلاء جميعهم شاركوا في إصدار بيان سنة 1924 يقر بتفوق الحلم وحرية الفكر والالتقاء.

الباوهاوس Bauhaus


في سنة 1919 قامت مدرسة للفنون ببرلين، بتجنيد كل الممارسات الفنية تحت منظور مجتمعي، هكذا رأت النور مدرسة الباوهاوس. استفاد الطلاب من ورشات مبتكرة تقوم على مزج الفن بالتكنولوجيا. وفي 1923 أقيم أول معرض للمدرسة وسمي “فن وتكنولوجيا- اتحاد جديد”. علاوة على ذلك نظمت بالباوهاوس عدة مهرجانات كانت مرجعياتها دادائية. لقد استطاعوا تسفيه كل الأشكال الرسمية كما دعا إلى ذلك المستقبليون. أما أوسكار شليمر Oskar Sclhemmer (أحد مديري مدرسة الباوهاوس) فقد أحدث النوادي التكنولوجية وطور فن الأداء باعتباره فنا شاملا.

فن الأداء في أمريكا وفي أوروبا


ظهر فن الأداء في الولايات المتحدة سنة 1930، وفي منتصف الأربعينات أصبح يعتبر نشاطا قائما بذاته وفنا للتحريض. قدم كوليج الجبل الأسود تكوينا متعدد الاختصاصات حيث كان يعتبر الأداء فنا للتسلية. تم استدعاء عدد من فناني الباوهاوس من أجل تدريس الفضاء، والشكل، واللون، والإنارة، والصوت، والحركة ، والموسيقى، والزمن..وغيرها. كما تم استدعاء فنانين شباب في بداية مشوارهم الفني من أجل التدريس في المدرسة الصيفية، كان من بينهم الراقص ميرس كونينغام Merce Cunningham والملحن جون كيج John Cage، هذا الأخير أصدر بيانا حول أسر الأصوات. وكتطور منطقي لما سبق سيؤدي الفن المباشر إلى ظهور “الـHappining ” حيث يشكل المشاهد جزء مكملا للعمل الفني ومعاينا لتشكله الفعلي المباشر. كان الراقصان سيمون فورتي Simone Forti، وإيفون رينر Yvone Rainer، وفنان الفيديو نام جون بايك Nam June Paik من بين المشاركين في هذه التظاهرات الفنية. 
خلال نفس الفترة عرفت أوروبا أيضا عروضا للأداء. فمثلا في فرنسا كان الفنان إيف كلان Yves Klein يقوم بالصباغة الفورية على الأجساد. وفي ألمانيا عمل جوزيف بويز Joseph Beuysعلى تحويل ما هو يومي ومبتذل إلى فن. واقترح بييرو مانزونيPiero Manzoni أحداثا في إيطاليا. لقد أعادوا النظر في الشيء فأبعدوه وأهملوه أمام تصاعد الفن المفهومي. 
إن فن الأداء -باعتباره فن للعابر وللحاضر- يحتل مكانة مهمة في عالم الفن. إذ يعامل الفنان جسده كمادة ويسائل الصلة بالزمن وبالفضاء، فنانون آخرون عالجوا سؤال الجسد مثل فيتو أكونسي Vito Acconci وأوبنهايم Oppenheim ؛ في حين أثارت لوري أندرسون Laurie Anderson السير الذاتية. في كندا استطاعت مجموعة طورنطو العامة Idea أن تحظى بلقب دادا-الكندية في الوقت الذي كان فليب غليس Philip Glass وروبير ويلسون Robert wilson يعملان على إدراج مسرح الصورة في أعمالهم الفنية والأدائية بالولايات المتحدة الأمريكية.
من خلال هذا المسار التاريخي ندرك أن فن الأداء ينحدر من تكتلات لفنانين من مختلف المجالات الإبداعية كانت قد طالبت فيما مضى بالقطيعة الجذرية مع الماضي. وفق هذا المنظور، يمكن نعت الأسلوب الفني لهذه الجماعات بالأسلوب الحداثي الذي حسم مع أشكال الفن القديمة. هكذا تكون أعمال الأداء في تلك الفترة تمثيلا لتوجه فكري حداثي، الأمر الذي لا ينسحب بالضرورة على ما تمثله فنون الأداء اليوم.

فن الأداء اليوم


“بقدر ما يوجد من أداء يوجد مؤدون” هذا ما قاله الفنان روبير راسين Robert Racine، وأخذه عنه عدة فنانين. في عدد حديث من مجلة إيس -فنون وآراء الكندية، نشر استطلاع للرأي أجري مع سبعة وعشرين مؤديا حول ممارستهم الفنية. فأفضى تعريفهم لفن للأداء إلى عدة أجوبة مختلفة، إنه : فن / حركة/ تمرد/ ممارسة الحاضر /حضور في العالم/ فن حي/ فن متعدد التخصصات/حركة أو تدخل/ مناورة /..وأيضا أداء. 
بقدر ما تحيل هذه السلسلة من العبارات إلى ممارسات متفردة فهي تحيل أيضا إلى فناني مختلفين ومؤدين كما أكد راسين. وفي نفس الاستطلاع قدم الفنانون إشارات إلى مصادر الإلهام التي تقودهم إلى إبداع أعماهم، كانت هذه بعض منها، إنها: ممارسة مستوحاة من كتابة/ من صوت/ من شيء تافه/ من ثوب/ من بذلة/ من وضعية/ من حركة/ من كلمة/ أو من اعتبارات فضائية…إلخ. مما يؤكد على مدى تنوع منطلقات الأعمال الأدائية وتشعب مساراتها التطبيقية المتنوعة.
ثيري دو ديف(1981) Thierry De Duve عرف هذا الفن بالعبارة التالية: نسمي أداءً كل شكل من أشكال الفن المعاصر ليس برسم أو نحت أو مسرح أو رقص أو موسيقى أو إيماء أو حكي أو حادثة (happening) لكن مستوحى بشكل أو بآخر من هذه الأنواع المختلفة. يدخل العمل الإبداعي في علاقة حوار مع الزمن والفضاء، ومن أجل تحققه الفعلي يحتاج لتواجد كل من الفنان والجمهور في نفس الآن. لا يهدف الأداء اليوم إلى الاحتجاج ولا بالضرورة إلى القطع مع التقليد، إنه يحيي تحديدا أسئلة حول الفن والجسد والفضاء والكلمة والأصوات والصورة سواء تلك المعدة تقنيا أم لا، إلخ.(فيرال، 2000). هناك عدة وجهات نظر حول الفن وهي متداولة في مختلف الممارسات الفنية وفي فن الأداء. إن المؤدي لا يكتفي بالحاضر الذي يعيشه وإنما يعود أيضا إلى الماضي للتعقيب عليه، عاكسا بذلك مرآة للجمهور. هكذا تندرج ممارساتهم في توجه ما بعد حداثي (فيرال 2000).
حاليا بكندا، يعرض فن الأداء أكثر من أي وقت مضى في المهرجانات وضمن التظاهرات الفنية. مؤدون منحدرون من الفنون البصرية، من الرقص ومن الموسيقى والمسرح. هذه الممارسة حاضرة أيضا في أوساط التكوين الجامعي حيث تم اقتراح دروس نظرية وتطبيقية في نفس الموضوع. وأكثر من ذي قبل أصبحت مدارس الفنون البصرية و في بعض الأحيان مدارس المسرح هي من يقترح هذه الدروس. عمل مرن ولا يحتاج إلا لأمكنة عرض راقية، هكذا أغوى فن الأداء الفنانين الشباب أصحاب الأذواق المتعددة المنفتحين على مختلف الفنون والراغبين في التواصل المباشر مع الجمهور.
الجدول 1:مميزات كل من المسرح وفن الأداء.
المسرح فن الأداء
مسافة الشخصية
مسافة النص الدرامي
مسافة الإخراج
مسافة المواضعات
مسافة الزمن الدرامي مؤدي مباشر
فعل مباشر
مكان عرض مباشر
ليس هناك مَعْلم أو مواضعات
زمن حدث حقيقي مباشر
إن فن الأداء كما يظهر الجدول أعلاه يتميز عن المسرح ببعده المباشر وغير المفارق على الخصوص. لذلك نقترح الاطلاع على بعض آراء المؤدين حول التمثيل وفنون العرض، من خلال ما قدموه من أجوبة في نفس العدد من مجلة إيس فنون وآراء:
– الإجراء هو جزء من الأداء المقدم مثله مثل الإجراء السابق على العرض. وعكس ما يذهب إليه دوبور Debord كون العرض هو استهلاك ثقافي، فإن الأداء هو استفسار اجتماعي وسياسي(كاملو).
– فنون العرض تتم في مكان خاضع لمراقبة الفنانين، في حين فن الأداء هو حدث يطرح فيه الفنان سلسلة من الأشياء المبهمة التي يجب أن تفهم خارج مواضعات الفن المسرحي.(إشيربيرغ)
– هناك شكل من التمسرح لا سبيل لتجنبه يبدأ بتركيز الجمهور على جسد الفنان.(بابن)
– بالرغم من وجود مرفأ للملابس، فإن هذه تبقى ملابس المدينة؛ وبالرغم من اقتراب اللعب مما يقدم في المسرح، إلا أن المؤدي لا يندمج في شخصية ما وإنما يحتفظ بشخصيته نفسها. (أوسلن ) 
– ناتلي ديروم وجوسي ترومبلاي ينظران إلى الأداء كإجراء يعرض شكلا غير نهائي. وذلك بحذفه الركح وخلق فضاء توثر بين المؤدي وجمهور.
من خلال هذه الآراء يتضح أن أغلب الفنانين يجدون فرقا واضحا بين فنون العرض أو فنون المشهد وبين فن الأداء. فهذا الأخير يبدو أكثر مرونة في التحقق ولا يحتاج لأماكن محددة للعرض. لهذا يقدم أغلب المؤدين أعمالهم بشكل مفرد، الشيء الذي لا يمنع -مع ذلك- من بعض التكتلات في مناسبات خاصة.
بعد الوقوف على مميزات كل من المسرح وفنون الأداء وكذا الفرق بينهما نمر الآن للوقوف على علاقة الفنانين بعروضهم. 
الجدول 2: الفنان وعلاقته بالعرض.
في المسرح في الأداء
-هو ممثل
-يلعب شخصية ما
-يترجم نصا تم إخراجه من طرف آخرين.
-يمثل نصا دراميا (دوبون 2000)
-لديه مسافة متخيلة عن شخصيته
-يلعب في فضاء ثقافي وعلى ركح.
-يلعب داخل ديكور
-محاط بفريق عمل
-يقدم عمل منتهي
-يمثل زمنا خياليا وفي مكان درامي خيالي.
-هو مؤدي
-يبقى هو نفسه
-يقول ربما نصا قد أخرجه بنفسه.
-يقوم حدثا
-حضور فعلي للموضوع (هو نفسه) في الحدث (دوديف 1981)
-يقدم أداءه في فضاءات ثقافية أو غيرها دون خشبة إلزامية.
-يلعب ببعض أو بدون ديكور ( كارلسون 1996).
– وحيد دائما باعتباره مديرا لعمله.
-يقدم إجراء.
-يلعب في زمن حقيقي وفي مكان حقيقي.
هذا الجدول يمكن من ملاحظة الفرق بين كل من الممارستين الفنيتين (العرض والأداء). أما المتفرج فيكون في موقعين متناقضين. ففي المسرح عادة ما يكون لديه مكان مألوف ناتج عن المواضعات والتقاليد والذي يسمح له بالتواجد الفعلي، أما في الأداء فالمشاهد يعد جزء من بناء العمل الذي هو في طور التشكل أمام عينيه. وهذا قد نجده أيضا في أشكال المسرح المجازف الذي يقترب بدرجة كبيرة من خصائص فن الأداء، لكننا هنا نحيل على المسرح التقليدي شكلا ومضمونا من أجل تفسير ما نقول.
خلاصة: فن الأداء، ممارسة منفلتة.
مكننا تتبع فن الأداء من زاوية تاريخية من اكتشاف حاجة مختلف المبدعين أو بالأحرى حرصهم على التكتل داخل مجموعات فنية. المستقبليون إلى حدود الثلاثينات من القرن الماضي في أوروبا وأمريكا بحثوا عن إيجاد موقع معارضة مع الماضي من أجل الانخراط في الحاضر. ثم صدرت عدة بيانات من أجل فرض فكر مغاير/متفرد ينطبع بمقاطعته للتقليد. هذه المجموعات الفنية عملت بشكل ما على خلق أشكال فنية جديدة منفتحة اقتربت تدريجيا من فن الأداء كشكل فني بدون حدود وكممارسة منفلتة – على حد قول مارفن كارلسن) (Marvin Carlson 1996.
فنون الأداء اليوم حاضرة أكثر من أي وقت مضى في المشهد الفني، إنها لا تتعارض مع الماضي من أجل تحررها، لكنها مع ذلك قلقة تجاه غياب معالم معهودة في فنون العرض. الأداء يوجد حيثما لا ننتظره. إنه يقدم فنانا بصدد إنجاز عمل فني وإخراجه للنور. هذا التوثر الذي يخلقه إبداع في طور التحقق هو الذي تقترحه فنون الأداء اليوم. ومن يمارسها يضع الجمهور في مكان مختلف عن كل أماكن العرض التقليدية. هو فن أقرب من الورشة حيث يعمل الفنان منه إلى صالات العرض، إنه “نومانس لاند” كل الاحتمالات. 

عن IDEA ، مجلة الأبحاث المسرحية التطبيقية / العدد الخامس -سنة 2004.

Chaîné, F. «À la frontière du théâtre et des arts visuels : la performance comme pratique indisciplinée». IDEA / Applied Theatre research Journal (2004 –n°5).

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *